الرئيسية - أخبار محلية - الديناميات المتغيّرة تعيد تشكيل شبكات السلطة في حضرموت (ترجمة)

الديناميات المتغيّرة تعيد تشكيل شبكات السلطة في حضرموت (ترجمة)

الساعة 04:25 مساءً (هنا عدن ـ معهد الشرق الأوسط)

منذ عام 2015، تم تقسيم حضرموت، أكبر محافظة في اليمن، بشكل غير رسمي، بين مركزين متمايزين للسلطة مع ولاءات عسكرية مختلفة، ودعم خارجي. ومع ذلك، لم يعد ميزان القوى داخل المحافظة ثابتا، والمواقف الموحّدة تتغيّر تدريجيا.

وهذا يخاطر باحتمال اندلاع اشتباكات عسكرية، وإعاقة سعي الحضارم إلى الحكم الذاتي المحلي. كما يمكن لذلك أن يؤدي إلى تهديد حدودي جديد للمملكة العربية السعودية المجاورة، حيث إن رعاية الرياض الأخيرة، وتعزيز القوات العسكرية غير المباشرة في المنطقة، قد ساهما بشكل مباشر في زيادة التوترات مع الانفصاليين الجنوبيين.




تعيد التغييرات في الديناميات العسكرية والسياسية والاقتصادية في حضرموت تشكيل شبكات السلطة في المحافظة وخارجها، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على الأجندات المتضاربة للسعوديين والإماراتيين والحوثيين.

-
ماذا حدث؟

نتيجة لامتدادها الجغرافي، الذي يمثل أكثر من ثلث إجمالي مساحة الأراضي في البلاد، تمثل حضرموت جزءاً مهما للاقتصاد اليمني.
يعد حوض المسيلة موطنا لـ80٪ من احتياطيات النفط المعروفة في اليمن. وبالإضافة إلى النفط، تدِر المحافظة أيضا إيرادات من التجارة والرسوم ذات الصلة، وصيد الأسماك والتحويلات المالية.
قبل أن يهاجمها الحوثيون، في نوفمبر 2022، كانت محطة الشحر النفطية (الضبة) في حضرموت تصدِّر ما دون 35,000 برميل يوميا.

وتتمتع المنطقة أيضا بشعور قوي بالهوية وبتطلعات تاريخية للاستقلال. مع احتدام حرب اليمن، ظهر بوضوح "حضرموتان". الأول هو وادي حضرموت، شمال الجزء الأوسط والداخلي من المحافظة المتاخمة للمملكة العربية السعودية، التي لديها حقول نفط رئيسية. سيئون هي المدينة الرئيسية في المنطقة، وتسيطر عليها المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش، وهي قريبة من الإصلاح (الحزب الذي يجمع جماعة الإخوان المسلمين وجزءا من السلفيين)، وموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

أما الثاني فيتمثل بالمنطقة الجنوبية باتجاه بحر العرب، موطن الموانئ التجارية، وموانئ تصدير النفط في المكلا والشحر، فضلا عن البنية التحتية الرئيسية للطاقة.
وتسيطر قوات النخبة الحضرمية، المدعومة من الإمارات، على ساحل حضرموت، التي تطمح إلى الحكم الذاتي المحلي.

بعد المكاسب العسكرية، التي حصلوا عليها في شبوة المجاورة في أغسطس 2022، دعا الانفصاليون، المدعومون من الإمارات، في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى انسحاب الجيش من وادي حضرموت، مدعين أن القوات الحضرمية المحلية فقط هي المسؤولة عن الأمن.

منذ أواخر عام 2022، اشتدت الاحتجاجات ضد المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وشبام وتريم، المراكز الحضرية الرئيسية في المنطقة، خاصة بعد محاولة اغتيال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت.
يدعم الاحتجاجات قادة محليون يقال إنهم مقربون من المجلس الانتقالي الجنوبي. ومن الأمثلة على هذا الصراع المتصاعد، في منتصف مايو 2023، عندما جرى نشر وحدات من "قوات دفاع شبوة"، المدعومة من الإمارات، لتأمين الطريق الذي يربط عتق، المركز الرئيسي لشبوة، بالعَبر في حضرموت.

وفي الوقت نفسه، وسَّعت قوات درع الوطن، المدعومة من السعودية، وجودها العسكري في حضرموت، حيث قامت بالتجنيد محليا لإنشاء لواء.
بعد وصول قائد قوات درع الوطن إلى حضرموت من عدن مع مجموعة من الجنود، في أوائل مايو، انتشروا في معْبر الوديعة الحدودي الحيوي، وهو الميناء البري الوحيد النشط مع المملكة العربية السعودية، ليحلوا محل اللواء 141 مشاة.

على الساحل، سلمت القوات المدعومة من الإمارات مطار الريان الدولي في المكلا، الذي أعيد فتحه في أوائل عام 2023، وأسند إلى السلطات الحضرمية في 8 مايو، وهي خطوة لصالح للسعودية -على الأرجح- بالتنسيق مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، والتحالف العربي.

-
الوجه العسكري والسياسي لـ"الحضرموتين"

استبقت التحركات العسكرية في حضرموت وحولها، منذ أواخر عام 2022، التطورات السياسية، مما سلط الضوء على الانقسامات الداخلية المتزايدة في المنطقة.
في أوائل مايو 2023، نظم المجلس الانتقالي الجنوبي اجتماعا كبيرا في عدن لمناقشة آفاق استقلال الجنوب، إلا أن بعض الجماعات الحضرمية فقط انضمت إليه.

وحث أعضاء "الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي" على "استكمال سيطرته العسكرية والأمنية على جميع المناطق الجنوبية وإزالة فلول القوات اليمنية".
تم التوقيع على ميثاق وطني جنوبي يحدد المبادئ الحاكمة لدولة جنوبية مستقبلية في 8 مايو. كما عيَّن المجلس الانتقالي الجنوبي محافظ حضرموت السابق، اللواء فرج البحسني، نائبا للرئيس.

في مايو ويونيو 2023، سافر وفد متنوِّع من القادة الحضارم، بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، بما في ذلك سياسيون وقادة عسكريون وزعماء قبائل، إلى الرياض بدعوة من الحكومة السعودية لمناقشة مستقبل حضرموت.

أسفرت المحادثات عن إنشاء مجلس حضرموت الوطني، المدعوم من السعودية، في 20 يونيو، الذي يهدف إلى العمل نحو مزيد من الحكم الذاتي للمحافظة، لكن في إطار وطني، وصياغة مسار بديل للمجلس الانتقالي الجنوبي وتطلعاته الانفصالية.

-
أربعة مستويات من التنافس

يمكن تحديد أربعة مستويات من التنافس في النزاع الحالي حول حضرموت:
أولا، الخصومة بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، التي يرتئي المحافظة، تبعاً لذلك، كجزء من الدولة الموحدة والاتحادية المستقبلية في اليمن من ناحية، أو باعتبارها العمود الفقري لدولة جنوبية افتراضية لم تعلن بعد من الجانب الآخر.

ثانيا، يعيد التنافس إشعال الشرخ التاريخي بين الشمال والجنوب، حيث غالبا ما يوصم الانفصاليون القوات والجماعات العسكرية في وادي حضرموت بأنها شمالية، أو حتى متحالفة مع الحوثيين، مما يغذي مشاعر قديمة من الشك وعدم الثقة.

ثالثا، تدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة القوى المتخاصمة في المنطقة (الجماعات المرتبطة بالإصلاح مقابل الانفصاليين). ولعل حضرموت ليست سوى أحدث مثال على المنافسة المستمرة، التي تميز المعسكر المناهض للحوثيين، التي يتم التخفيف من حدتها أحيانا من خلال صفقات غامضة، مثل الاتفاق المحتمل مؤخرا على تغيير التوازن العسكري في مطار الريان.

رابعا، تتعلق السيطرة على وادي حضرموت أيضا بالسيطرة على الشبكات الاقتصادية، سواء من حيث الأصول، حقول النفط بشكل أساسي، أو طرق التهريب. منذ نزاع عام 2015، ازدادت الأهمية الإستراتيجية لهذا الجزء من المحافظة. فبالنسبة للحكومة المعترف بها، تعد منطقة الوادي وسيئون بوابة عسكرية واقتصادية من وإلى مأرب، والتي تمثل آخر معقل لها والممر نحو المملكة العربية السعودية. وهذا يفسر سبب تركيز السعوديين على معْبر الوديعة الحدودي، حيث لعب سوق العَبر، المجاور دورا مهما جراء الحرب. يستفيد الحوثيون أيضا من طرق التهريب التي تربط، عبر وادي حضرموت، محافظة المهرة الشرقية، بالأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال غرب البلاد.

-
إعادة تشكيل شبكات السلطة

الانقسامات الداخلية داخل حضرموت تصب بشكل غير مباشر في صالح الحوثيين، مما يزيد من انقسام المعسكر المناهض للحوثيين. أولا، تحتاج المؤسسات المعترف بها إلى حضرموت مستقرة لحماية معقل مأرب المجاور.

كما أن موارد الطاقة وإيراداتها حاسمة لإعادة بناء قدرة الدولة المركزية، على الرغم من أن 20٪ من عائدات تصدير النفط الحضرمية لا تزال في أيدي السكان المحليين بسبب اتفاق عام 2017 مع الحكومة المعترف بها، (وفي عام 2022 طلب محافظ حضرموت السابق رفع هذه النسبة إلى 30٪).

ثانيا، إن دور رئيس مجلس القيادة الرئاسي العليمي، الذي تعتمد عليه قوات درع الوطن رسميا، معرض واقع تحت طائلة النقد: فالعديد من قادة المجلس الانتقالي الجنوبي هم أيضا أعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، وهذا يمكن أن يزيد من إضعاف احتمالات وقف إطلاق النار في اليمن.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن عدم الاستقرار في حضرموت هي قضية أمن قومي. هذه هي الحدود الجنوبية الشرقية للمملكة، ويتعين على الرياض بالفعل التعامل مع وجود الحوثيين وخلافهم على طول الحدود الشمالية الغربية اليمنية. منذ عام 2023، اضطلع السعوديون بدور استباقي في اليمن، بهدف السيطرة على المناطق والممرات الإستراتيجية بدعم من تشكيلات عسكرية جديدة، مثل قوات درع الوطن، وبالتالي استبدال اعتمادهم جزئيا على الإصلاح. ونتيجة لذلك، بدأ السعوديون مرة أخرى في الاستثمار في الرعاية المالية والعسكرية في اليمن بعد سنوات من التقشف، وفشل مشاركتهم العسكرية المباشرة.
فهذا حقيقي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمنطقة الحدودية. منذ عام 2022، قدم السعوديون الرعاية للقبائل المهرية على طول الحدود الشمالية، وكذلك لقبائل منطقة الوديعة. وقد يؤثر تعزيز النفوذ السعودي سلبا على ممرات التهريب الحوثية عبر وادي حضرموت، مما يجبرهم على إعادة تنظيم خطوط الإمداد غير الرسمية الخاصة بهم.

بالنسبة إلى الإمارات، لا يزال المشهد الإستراتيجي مواتيا، لأن حلفاءها اليمنيين عززوا مواقعهم على طول الساحل الحضرمي وحول البنية التحتية الرئيسية. ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كان الانفصاليون الجنوبيون، المدعومون من الإمارات، سيحاولون التقدم نحو حقول النفط، أم أنهم سيقتصرون على السيطرة على الساحل؟ ستتوقف الإجابة عن ذلك، إلى حد كبير، على مدى قبول الحضرميين بالانجرار إلى المنافسة السعودية - الإماراتية في اليمن، وبالتالي إضعاف آفاق الحكم الذاتي في حضرموت.

إليونورا أرديماني، زميلة أبحاث رئيسية في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ومساعدة تدريس في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، وأستاذة مساعدة في كلية الدراسات العليا للاقتصاد والعلاقات الدولية - ASERI.

المصدرموقع معهد الشرق الأوسط