بعد شهور من التعقيد الذي أعاق مسار الوساطة الأممية في اتجاه استكمال الترتيب لتوقيع ما تم التوافق عليه من خريطة طريق السلام في اليمن، استأنف المبعوث الأممي جولة جديدة من جولاته ولقاءاته في المنطقة بدأها، الأحد، في مسقط بلقاء كبير مفاوضي جماعة الحوثي (الحوثيون) وعدد من الدبلوماسيين العُمانيين، وها هو أمس الثلاثاء يختتم زيارته للرياض بعد لقاء جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، ووزير الخارجية في الحكومة المعترف بها، شائع الزنداني، والسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، بالتزامن مع لقاء وفد من مكتب غروندبرغ بنائب وزير المالية في عدن، هاني وهاب، في دلالة على أن ثمة جديداً ومحفزاً أيضاً دفع الوسيط الأممي لاستئناف لقاءاته بهذا المستوى.
وربما أنه ليس ثمة جديد وراء استئناف هذه اللقاءات، في ظل تعقيد المشهد اليمني وما أسفرت عنه الهجمات البحرية للحوثيين من نتائج تغير معها الموقف الأمريكي من مسار التسوية، وإصراره على ربط هذا المسار بإيقاف تلك الهجمات التي يقول الحوثيون إنهم مستمرون فيها “تضامناً مع غزة”.
وكان غروندبرغ قد أكد في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي خلال هذا الشهر خطورة اللحظة الراهنة للسلام في اليمن، محذراً من استمرار تجاهل التسوية اليمنية ووضعها في غرفة الانتظار، مطالباً بعدم ربطها بتسوية قضايا أخرى.
وسبق له وطالب الوسيط الأممي الأطراف اليمنية بعدم استغلال الأوضاع الراهنة للتخلي عن التزاماتهم تجاه ما تم التوافق بشأن خريطة الطريق.
والتقى المبعوث الأممي، الثلاثاء، في الرياض، رئيس مجلس القيادة الرئاسي العليمي، واستمع الأخير منه إلى إحاطة حول نتائج اتصالاته الأخيرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والأولويات المطلوبة لإحياء مسار العملية السياسية، بما في ذلك النقاشات الجارية بشأن ضمانات وقف الحوثيين لهجماتها على مختلف الجبهات طبقاً لوكالة الأنباء الحكومية.
وأكد العليمي باسمه وأعضاء المجلس والحكومة، “الدعم الكامل لجهود السعودية والمبعوث الأممي من أجل إحياء مسار السلام في اليمن، والتخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية التي فاقمتها هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية”.
كما أكد “التزام المجلس والحكومة بالتعاطي الإيجابي مع كافة الجهود الرامية لإحلال السلام في اليمن بموجب المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وخصوصاً القرار 2216”.
فيما تناول لقاء وزير الخارجية، شائع الزنداني، بالمبعوث الأممي “تطورات الأوضاع على الساحتين اليمنية والإقليمية والجهود المبذولة لإحياء العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة”.
وحسب وكالة الأنباء الحكومية، فقد شدد وزير الخارجية “على ضرورة إعادة النظر في التعاطي الأممي مع الممارسات الحوثية ووقف انتهاكاتها العدوانية ودفعها للانخراط بجدية في مسار سياسي مبني على المرجعيات المتفق عليها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
ونقلت عن المبعوث الأممي “التزام الأمم المتحدة بقيادة عملية سياسية جامعة تفضي لسلام مستدام وعادل يلبي تطلعات اليمنيين وينهي الأزمة الإنسانية”.
في سياق جهود الوساطة الأممية ذاتها، التقى عدد من المسؤولين في مكتب غروندبرغ في عدن، الثلاثاء، بنائب وزير المالية في الحكومة المعترف بها دولياً، هاني وهاب.
وقالت المصادر الرسمية إن اللقاء “ناقش مستجدات الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ومدى خطورة تصعيد الحوثيين للحرب الاقتصادية”. وأخذت الحرب الاقتصادية بين طرفي النزاع في اليمن في الآونة الأخيرة مستوى جديداً من التصعيد وصل إلى إصدار البنك المركزي في صنعاء عملة معدنية جديدة فئة مئة ريال، فيما اتخذ البنك المركزي في عدن مستهل أبريل/ نيسان قراراً قضى بإمهال البنوك التجارية والإسلامية والتمويل الأصغر ستين يوماً لنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، وهو ما عارضته جمعية البنوك اليمنية.
وذكرت الوكالة الحكومية أن “اللقاء تناول الجهود الإقليمية والدولية والأممية لتحقيق السلام في اليمن، ومدى تفاقم معاناة المواطنين والأوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية، في ظل استمرار توقف تصدير النفط الخام الذي يشكل ما نسبته 65٪ إلى 70 ٪ من إجمالي الموارد العامة للدولة، وذلك منذ حوالي عام ونصف، بسبب إقدام الحوثيين على استهداف المنشآت الحيوية لتصدير النفط، والتصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن تكريس الانقسام المالي”.
وكان المبعوث الأممي، قد التقى، الثلاثاء، من الجانب السعودي، سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر. وذكر الأخير في تدوينة له على منصة إكس أنه “جرى خلال اللقاء مناقشة آخر المستجدات وجهوده بشأن خريطة الطريق للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن، وتم التأكيد على دعم المملكة لجهوده لتحقيق الأمن والسلام والتنمية في اليمن لرفع المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق”.
وفي السياق، أعلن غروندبرغ، مساء الثلاثاء، اختتام زيارته للرياض، وقال في تدوينة على منصة إكس إنه التقى خلالها بالرئيس رشاد العليمي ووزير الخارجية شائع الزنداني “لبحث سبل إحراز تقدم في خريطة الطريق الأممية”.
كما أشار إلى لقائه بالسفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، وأكد على “أهمية الدعم الإقليمي المستمر لجهود الوساطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة في اليمن”.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل بات بالإمكان إحياء العملية السياسية في اليمن في الظروف الراهنة مع استمرار التشدد الأمريكي؟.
يصر الموقف الأمريكي على ربط مسار السلام في اليمن بإيقاف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، الأمر الذي قد يدفع المراقب إلى التشاؤم من إمكانية أن تكون مساعي الوسيط الأممي قد حققت نجاحاً في الدفع باستئناف مفاوضات التسوية، والترتيب للتوقيع على ما تم الاتفاق عليه في مسودة خريطة الطريق، التي كان المبعوث الأممي قد أعلن في ديسمبر/ كانون الأول موافقة الأطراف اليمنية على مجموعة من الترتيبات ذات العلاقة بها. وفي هذا السياق لم يوضح غروندبرغ، فيما أعلنه عن اختتام الزيارة للرياض، أن ثمة نتائج تحققت في هذا الاتجاه.
على الطرف الآخر، مراقبون يرون أن ثمة إمكانية لاستئناف مفاوضات التسوية من حيث توقفت، في حال كانت الرياض قد استطاعت أن تضغط على واشنطن بضرورة المضي في مسار السلام، وعدم ربط قضية التسوية في اليمن بقضايا أخرى، وهو ما يدفع إلى ترجيح صحة التسريبات الإعلامية الأخيرة قبل بدء هذه الجولة للمبعوث الأممي، والتي كانت تتحدث عن ضوء أخضر سعودي لاستئناف جهود الوساطة العمانية والسعودية، بما يسهل من مهمة الوسيط الأممي للمضي باستئناف واستكمال ما كان قد تم البناء عليه في الجولات السابقة، وبخاصة بين الحوثيين والسعوديين، وتضمنته ترتيبات ما تعرف بخريطة الطريق.
ما يعزز من أهمية هذه الفرضية هو ما أكده الحوثيون من أن اللقاءات الأخيرة للوسيط الأممي تأتي في سياق تحييد الملف الإنساني والبدء بتسليم المرتبات وتبادل الأسرى وفتح الطرقات وتصدير النفط، وفقاً لتدوينة نشرها، الإثنين، على منصة إكس وزير الدولة في حكومة جماعة “أنصار الله” غير المعترف بها، عبدالعزيز البكير، والتي تحدث فيها عن استئناف نقاشات في مسقط مع وسطاء أمميين وعُمانيين حول خريطة الطريق للتسوية في اليمن.
وقال إن رئيس الوفد التفاوضي للجماعة، محمد عبد السلام، قد التقى المبعوث الأممي ودبلوماسيين عُمانيين “لمناقشة توافقات صنعاء والرياض بشأن السلام في اليمن وتحييد الملف الإنساني والبدء بتسليم المرتبات وتبادل الأسرى وفتح الطرقات وتصدير المشتقات النفطية”.
إلا أن الاحتمال بعدم جدوى الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي بين طرفي النزاع ما زال قائماً في حال لم يتم الإعلان خلال الأيام القليلة المقبلة عن ترتيبات جديدة، بما فيها الإعلان عن لقاء مباشر بين الحكومة والحوثيين لمناقشة ما تم الترتيب له، والاتفاق على برنامج التوقيع على الخريطة، والآلية التنفيذية لبنود المرحلة الأولى ذات العلاقة بالجانب الإنساني والاقتصادي، وهو احتمال ضعيف في ظل ما حمله تصريح غروندبرغ عن زيارته للرياض، مما يرجح بقاء مسار السلام في اليمن خارج الجاهزية في الوقت الراهن.