إسطنبول- جرّدت المحكمة الدستورية التركية الرئيس رجب طيب أردوغان من سلطة عزل محافظ البنك المركزي قبل انتهاء ولايته، مما يُمهد الطريق لاحتمال زيادة الاستقرار بعد سنوات من تغيير في السياسات.
وبحسب قرار منشور بالصحيفة الرسمية في تركيا اليوم الثلاثاء، ألغت المحكمة الدستورية مرسوما بقانون أصدره أردوغان عام 2018، وكان يجيز له تعيين وإقالة محافظ البنك المركزي ونوابه.
وقالت المحكمة إنه يجب تنظيم هذه المسألة بالقانون، وإن القرار سيدخل حيز التنفيذ في غضون 12 شهرا، مما يتيح للبرلمان فرصة تمرير قانون خلال هذه الفترة.
كما قضت المحكمة بإلغاء القاعدة المتعلقة بشروط تعيين نواب رئيس البنك المركزي، التي كانت تنص على تعيين 4 نواب يمتلكون خبرة لا تقل عن 10 سنوات بقرار مشترك لمدة 5 سنوات بناء على اقتراح الرئيس.
وقضت المحكمة في قرار مؤلف من 482 صفحة نشر في الصحيفة الرسمية في تركيا، اليوم الثلاثاء، بتعديل المرسوم بالقانون رقم 703 الصادر في الثاني من يوليو/تموز 2018، الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في التعيين والإقالة، ويلغي استقلالية البنك المركزي.
وبررت المحكمة إلغاءها -بالإجماع- القاعدتين المتعلقتين بتعيين رئيس البنك المركزي ونوابه، بعدم دستوريتهما على أساس بقائهما في منطقة محظورة لا يمكن تنظيمها بمرسوم رئاسي، وأن القرارات التي اتخذها الرئيس التركي تتجاوز غرض ونطاق سلطة إصدار المراسيم.
وفي توضيح للقرار، قال مركز مكافحة التضليل الإعلامي التابع لرئاسة الاتصالات في تركيا إن الادعاء الذي تداولته بعض وسائل الإعلام حول "إلغاء المحكمة الدستورية صلاحيات الرئيس أردوغان في تعيين رئيس البنك المركزي ورؤساء الجامعات" غير صحيح.
وأفاد المركز بأن المحكمة الدستورية أصدرت قرارها حول طلب إلغاء المرسوم بقانون رقم 703، ولكن رفضت المحكمة العليا طلب إلغاء المرسوم برمته، وقررت إلغاء بعض أحكامه.
وأضاف المركز أن المرسوم شمل 2375 حكما، وأن المحكمة ألغت بعض هذه الأحكام فقط. وأكد أن القرارات المتعلقة بإلغاء تعيين رؤساء الجامعات ورئيس البنك المركزي جاءت بسبب ضرورة أن تتم هذه التعيينات بواسطة قانون وليس مرسوما بقانون، مما يعني أن الإلغاء ليس جوهريا.
وفي السياق، قال الباحث القانوني يونس يلدز في حديثه للجزيرة نت إن قرار المحكمة الدستورية سيدخل حيز التنفيذ خلال 12 شهرا من اليوم، في حال لم يقر البرلمان التركي قانونا جديدا ينظم الأحكام التي تم الاعتراض عليها.
وأضاف أن الأمر الآن متروك للبرلمان التركي لاتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن، مشيرا إلى أن البرلمان لديه الفرصة لمعالجة هذه الأحكام وإصدار تشريعات تتوافق مع متطلبات الدستور وتجنب الإشكاليات القانونية.
في أول تعليق للمعارضة التركية على قرار المحكمة، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، خلال حديثه أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه اليوم الثلاثاء، أن القرار جاء متأخرا، وأن كثيرا من الأمور تغيرت في تركيا حتى صدور هذا القرار.
وأوضح أوزيل أن القرار الصادر عن المحكمة جاء بناء على دعوى تقدم بها الحزب عام 2018 اعتراضا على انتقال صلاحية تغيير رئيس البنك المركزي ونوابه للرئيس مباشرة.
وأضاف "استطعنا في حزب الشعب الجمهوري تجهيز ملف دعوى يحمل العديد من القرارات التي تم اتخاذها في تركيا على الرغم من مخالفتها للدستور، وقدمناه إلى المحكمة الدستورية خلال شهرين، إلا أن المحكمة لم تستطع إصدار قرار في القضية إلا بعد مرور 6 سنوات".
وبحسب وسائل إعلام تركية، يعتزم أوزيل زيارة رئيس المحكمة الدستورية العليا على رأس وفد من حزبه خلال الأيام المقبلة.
من جانبه، أكد النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، آدم يلدرم، أن قرار المحكمة الدستورية يدحض جميع الاتهامات التي وجهتها أحزاب المعارضة للرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته بشأن تهم التسلط وتحايلهم على القوانين.
وأوضح يلدرم أن القرار يشير إلى أن حتى الرؤساء الذين عينهم أردوغان في فترات وحالات خاصة، ولأسباب معروفة للجميع، باتوا خاضعين للمراجعة ويمكن النظر في تصرفاتهم وفقا للقوانين.
شهد منصب محافظ البنك المركزي التركي تقلبات وعدم استقرار خلال السنوات الماضي، وتناوب عليه 7 رؤساء منذ عام 2006 وحتى الآن.
وخلال السنوات الخمس الماضية أقال الرئيس أردوغان عددا من محافظي البنك المركزي، وعين الرئيس التركي فاتح كاراهان في فبراير/شباط الماضي خلفا لحفيظة غايا إركان، التي أمضت في المنصب أقل من 9 أشهر، مما أثر بشكل سلبي على الاقتصاد التركي ككل، وعلى السياسات النقدية بشكل خاص، بحسب متابعين.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان في حديثه للجزيرة نت أن "القرار الأخير سيترك تأثيرا إيجابيا على السياسة النقدية في تركيا، مما يمنح البنك المركزي مزيدا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المناسبة". وأوضح أن ذلك سيساعد البنك على تجاوز الأزمات التي واجهها في السنوات الماضية.
وأشار أبو عليان إلى أن استمرار فترة ولاية محافظ البنك المركزي لمدة 5 سنوات سيعزز من استقلالية واستقرار البنك وبالتالي السياسة النقدية، مما يمكنه من العمل بحرية أكبر وتحقيق أهدافه مثل الحفاظ على استقرار المستوى العام للأسعار ومكافحة التضخم بعيدا عن الضغوط السياسية والحكومية والانتخابية تحديدا في حالة تركيا.
وفي السياق الدولي، يعتبر صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني استقلالية البنك المركزي من الركائز الأساسية في أي دولة وأي نظام اقتصادي.
لذلك، سيعكس هذا القرار صورة إيجابية عن استقلالية البنك المركزي التركي واستقرار سياساته النقدية، مما يعزز من التأثير الإيجابي للقرار عند تنفيذه، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد ككل وتحسين نظرة تلك المؤسسات للاقتصاد التركي، وتصنيف الجدارة الائتمانية، وفق مراقبين.