لليلة الـ(47) في الخيمة ..!!
أعوجاج في ميزان العدالة ندركه تماماً ولا يحتاج منا الى ذكاء خارق لنتبينهُ، هذا أن سلمنا بوجود عدالة دون الدخول في جدلية نسبيتها وفيما لو كان لها ميزان يحدد مقدار ميلانها وتأرجح كفتها في سماء بلادنا المغدور بها (الجنوب). هذا الأعوجاج الواضح ليس في وجه العدالة التي أوجدها الخالق والذي قد يبتلي أمة بأعمال مفسديها لكن الأمر في من أبتلاه الله ليكون على أيديه مقدرة نسبية لضبط ميزانها المتأرجح هكذا هي هواجس هذا الليلة الـ(47) منذ خيّمنا في ساحتنا الثورية ساحة الاعتصام المفتوح.
في هذه الليلة بعد ان عدتَ مع الجماهير المكلومة من تظاهرتها من المعلا بعد القمع الوحشي الذي تعرضت له مسيرتها السلمية وقد استنشقت ما وصل الى أنفي مما جادت به قنابلهم السامة .. ما أقبح فعلتهم! أسوداً في وطني المحتل وفراشات في صنعاء.
وضعت راسي المتعب على قطعة البلوك التي أتوسدها في خيمتي وبدأت تثقلني هواجس ليلتنا الاستثنائية وهمومي تتضاعف مثيرةً في نفسي اللآم التوجع، تتزامن مع حشرجة صدري وآهاتي، والقهر المكبوت الصادر من كل خيام الساحة المقهورة يشعل ثورة، لا أدري ماطعم الحزن الآتي من عمق الآمال، من جذر الإصرار، لكني أعرف أن أحزان الثائر ليست ككل الأحزان فالثائر لاتسقط له دمعة، لا يصرخ، لا يبكي .. أحزان الثائر يولّد ثورة.
في الجهة الأخرى مازالت هتافات الجماهير المقموعة الساخطة تتعالى في سماء الساحة، تتعالى حتى أرجاء المدينة المذهولة. الحزن السائد يتلوى في الساحة والقلق المتزايد قد يوقظ جنود البوابة من ابناء العربية اليمنية في بوابة معسكر قاعدة الشهيد بدر الجوية، هذه القاعدة التي كانت مصدر فخر كل جنوبي كونها خط الدفاع الأول لدولتنا قبل إعلان سيئة الصيت (الوحدة) في عام 1990 واليوم صار الخط الأول للمحتل اليمني في مواجهة الخيمة المنحوسة التي لا تملك حتى سكيّنة أو خنجر.
ما أجمل ثورتنا السلمية حين تعلّم هؤلاء العسكر فن الرقص..! فخلال الـ(47) يوماً قد إلفوا اصوات زواملنا الثورية وأهازيجها الشعبية، الطربية منها والراقصة وقد يتناسوا في لحظات بل وفي أوقات كثيرة تعليمات قادتهم الذين يحثوهم على مزيداً من اليقظة حتى لا تثور الخيمة القريبة المقابلة ، فتجدهم يتغنوا أغانينا وتتراقص بنادقهم على وقع اناشيد ثورتنا السلمية.
خيمتي الأقرب إليهم لا تخشى هؤلاء العسكر حتى في أشد حماسة بعض قصائدنا الثورية الصداحة من هذه الخيمة المسكينة المقهورة (صومعة رهبان الشعر الثوري) النابتة في ساحتنا الثورية حين يمروا شُعراء العصر السلمي ليعرضوا على إسماعي حماسياتنا الثورية، تتآلف أوتاد الخيمة وتشد الأوتار وتغني للحرية وتدق نفير القوم، حتى في هذه الأجواء لا أخشى المتربص المتيقظ بجوار الخيمة حين يُعمر بندقيتهُ المهترئة منتشياً بحمّية الدولة المحتلة لبلادي.
مرت حولي كحات متقطعة من الخيمة الشرقية تتبعها أُخرى، وعيناي الثابتتان في سقف الخيمة لا ترنوا الى شيئا غير أحلام الصبر وإيماني ، وآمال الثوار، ومتانة أوتاد الخيمة.