الفرحة التي شعرنا بها لنجاة فخامة الرئيس من ايدي الانقلابيين الهمج كانت فرحة بحجم الوطن، وقد تضاعفت الفرحة بالبيان الذي اصدره فخامته من عدن يوم امس السبت 21 فبراير الجاري، بعد مرور خمسة اشهر بالضبط على الهجمة الانقلابية الغادرة .
الرئيس الضامن:
لقد اثبتت الاحداث التي مر بها اليمن، خلال الاشهر الخمسة الماضية، ان فخامة الرئيس هو الضمانة الاهم لقيام الدولة المدنية الحديثة دولة النظام القانون، التي ما انفك اليمنيون يناضلون من اجلها في تاريخهم الحديث، ورأوا بشائرها وكانها في متناول اليد منذ ثورة 2011 ، وانطلاق مسيرة الحوار الوطني الشامل، وظهور مخرجاته التقدمية التي افعمت الأنفس بالآمال، ثم رأوها تكادس تتسرب من بين ايديهم مع الهجمة الرجعية االحوثية الانقلابية الغادرة.
ولذلك فانه، والاعمار بيد الله، ندعو لفخامة الرئيس بالصحة وطول العمر، وندعوه الى تعيين نائبين له فورا، اقترح ان بكون الدكتور حبتور احدهم، حتى يشعر اليمنيون بالأمان وباستمرارية المسيرة دون قلق.
الادارة السياسية:
كإن قيام دولة الوحدة على أساس المحاصصة في وظائف الدولة من قبل نظامين لم يحسنا بناء الدولة في الأساس، قد أدى إلى الحرب عام 1994، ثم أضيف إليه التمييز في المواطنة الذي طال سكان أغلبية المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية والشرقية والغربية وصعدة، إلى جانب الفساد المستشري والخروج على القانون من قبل أجهزة الدولة والمتنفذين فيها. ثم جاءت ثورة 2011 ليتم اعادة المحاصصة بين الاحزاب الحاكمة في حكومة الوفاق الحالية، وكأن الدولة غنيمة يتقاسمها مجموعة من اللصوص، وهو ما ادى خلال اقل من ثلاث سنوات الى سقوط صنعاء بيد الحوثيين دون ادنى مقاومة.
ولذلك فان ممارسات الدولة يجب ان ترتكز من الآن وصاعدا على القانون، وان يكون هدف الادارة السياسية بناء دولة القانون.
أهم وظائف الدولة في دولة القانون، هي حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. وفي دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونيا ويمكنهم استخدامها في المحاكم. ولا يمكن لبلد أن يكون به حرية ولا ديمقراطية بدون أن تكون به أولا دولة قانون.
ان أهم المبادئ في دولة القانون هي :
- ان تقوم الدولة على سيادة الدستور الوطني وتمارس القوة وتضمن السلامة والحقوق الدستورية لمواطنيها، وان يكون المجتمع المدني فيها شريكا مساويا للدولة انطلاقا من الايمان بأن الأمة تسعى للوصول إلى مجتمع مدني متفتح وعادل ومتناغم مع دولة في ظل سيادة القانون.
- أن يتم الفصل بين السلطات، السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية كاجزاء من الحكومة تحد من سلطة بعضها البعض وتوفر الضوابط والتوازنات بينها.
- ان تكون السلطة القضائية والسلطة التنفيذية مرتبطتين بالقانون (لا تعملان ضد القانون)، وان تكون السلطة التشريعية مقيدة بمبادئ الدستور.
- مراجعة قرارات الدولة وأفعال أجهزة الدولة عن طريق جهة قضائية مستقلة، بما في ذلك قضايا الاستئناف والطعون.
- مراعاة ضرورة التسلسل الهرمي للقوانين، واشتراط الوضوح والتحديد.
- احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة.
الادارة المالية والاقتصادية:
لقد اعتدنا على القاء اللوم على الآخر لتبرير الفشل، في بناء دولة قوية عادلة، فذلك مخرج سهل لحمته وسداه الكسل العقلي والدفاع عن القصور الذي عانت منه النخب. الدولة القائمة اليوم في بلادنا دولة رخوة تتجاذبها وتبتزها مراكز القوى القبلية والعسكرية والدينية، والتي تستهلك المليارات من ميزانية الدولة على شكل حراسات وهمية من آلاف الافراد للشخص الواحد من شيوخ القبائل والمتنفذين، وعشرات الملايين لكل من قادة الالوية العسكرية مصروف رمضان وامثالها في كل مناسبة، ومليارات لمشائخ دين لمشروعاتهم التي تزيد المجتمع فرقة. معظم هذه الاموال هي ثمن الموارد الطبيعية الشحيحة، ومساعدات الدول المانحة التي تستهدف رفع مستوى الشعب البائس، فيستولي عليها حفنة من اللصوص. ويشرع البرلمان اليمني هذه التصرفات والسرقات الموصوفة من خلال موازنات سنوية مليئة بالثغرات، وبنود بعناوين غامضة لا تفصيل فيها ولا محاسبة لاحقة عليها.
ينبئ التاريخ ان ظهور البرلمانات انما كان لمراقبة الجباية والانفاق الحكوميين منذ ارتقاء الملك جاك الأول، أول ملوك أسرة آل ستيوارت، عرش بريطانيا في عام 1603، واستئنافه للحروب التاريخية ضد ملوك فرنسا، فقام النبلاء بالمطالبة بحقوقهم. واتخذت هذه المطالبة شكل صراع بين الملوك والبرلمان حول حق هذا الأخير في الموافقة على فرض الضرائب. لما كان الملك الجديد مضطرا للحصول على الأموال اللازمة لتغطية نفقات الحرب، فقد اضطر للتنازل أمام البرلمان ووافق على منحه حق التصويت على فرض الضرائب، وفي آخر المطاف وبعد قرون انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى حكومة متضامنة منبثقة عن البرلمان وتعمل تحت مراقبته. وهكذا أصبح البرلمان، الممثل للإرادة "الشعبية" المصدر الأساسي للسلطة، بينما تحولت الملكية إلى مؤسسة رمزية تتولى ولا تحكم.
الجيش والقوى الامنية:
كان دور القوات المسلحة والامنية خلال الاشهر القليلة الماضية مفزعا لما تجلى فيها من امراض طائفية وقبلية ومناطقية.
فقد بنى علي صالح تشكيلات عسكرية على صورته ومثاله، قبلية وعصبوية ومناطقية، وكان خروجها على الشرعية، ومساندتها للهمجية الحوثية الطائفية السلالية العنصرية، وتسليمها عدتها وعتادها،لها اكبر دليل على فسادها وعدم موثوقيتها، وانه لا يمكن الاعتماد على الغالبية منها في حماية الوطن والشعب ومكتسباته.
هذه الأجهزة والتشكيلات كان لا بد من تمييز رؤسائها بعطايا وامتيازات مباشرة أو غير مباشرة، تفتح لهم علاقة القوة التي بين النظام، ومكونه المناطقي بخاصة، وضد عموم السكان باب الابتزاز والرشوة. اغنه منطق السيطرة الأمنية الذي وضع البلد عملياً تحت الاحتلال.
وعدا ما يقال عن أن ميزانية الجيش تستهلك نسبة عالية من الميزانية ، فالمعروف أن أكثرها يذهب إلى الأجهزة والتشكيلات ذات الوظائف الأمنية، وجزء كبير من الميزانية يذهب رواتب لجنود وهميين بالآلاف، وعمولات مشتريات وعقود يحصل عليها اركان الدولة الباطنة وموثوقيها وشركائها.
ولذلك لا بد ان يفرض التجنيد الاجباري فورا لخريجي الثانوية والجامعة، وان يشرع فورا في بناء الجيش والامن على اسس وطنية، مع ابعاد تاثير الاحزاب وشيوخ القبائل وسيوخ الدين عنهما تماما.
موضوع العاصمة:
كانت مشاهد التغول القبلي التي شهدتها صنعاء مريعة وباعثة على الاشمئزاز، وفي بيئة كهذه لا يمكن للدولة ممارسة مهامها دون الخضوع لابتزاز التخلف والهمجية.
ارتبط وضع صنعاء كعاصمة لليمن بالاحتلال التركي الذي قصدها باعتبارها مقر الامامة الزيدية، ثم وريثه الامامي يحي حميد الدين، وان كان ابنه الامام احمد قد نقل مقره الى تعز منذ 1948 وحتى 1962.
الائمة الزيود رأوا في صنعاء مكانا يتوسط مركزهم المقدس في صعدة، وكرسي الزيدية في ذمار. ويرينا التاريخ ان عاصمة اليمن قد تنقلت بين تعز وجبلة ورداع، في بعض ازهى عصور البلاد.
ولذلك لابد من اختيار عاصمة جديدة للبلاد بعيدا عن اجواء صنعاء ومحيطها اللذان لا يسمحان بالتطور والتغيير.
وختاما:
ان تصميم فخامة الرئيس على استكمال العملية السياسية لبناء اليمن الاتحادي الجديد قد اعادت الروح الى البلاد، وما هذه الملاحظات الا من باب النصيحة الواجبة. والحمد لله على السلامة مرة اخرى يا فخامة الرئيس.