كل شعب من شعوب الدنيا يملك أرضاً يستوطنها ويعيش فيها ويعدها هبة الخالق – عز وجل – وقسمته واختياره لتعيش الناس قبائلاً وشعوب ولكل شعباً هويته وأرضه المحددة التي يسكنها ويتكيف بطبيعتها ومناخها ويستفيد من مقتدراتها ويسخر أمكانياتها الموجودة لمصلحته، وقد تعرضت كثير من شعوب العالم في التاريخ القديم، والوسيط، والحديث، لغزو واحتلال، دول من دول أخرى، طمعاً في سلب الأرض، وأحتلالها وأستملاكها بدون وجه حق، ولكن هذا الاحتلال مهما طال أمده، ما لبث ان زال وأندحر بإرادة الشعوب المقاومة ليغدو مجرد صفحة سوداء متسخة في تاريخ هذه البلد أو تلك.
وأرض الجنوب العربي (اليمن الجنوبي) هذه البقعة الجغرافية التي تقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية من دون كل بقاع الكرة الأرضية وجدنا إنفسنا فيها بالذات، حيث حط أجدادنا رحالهم هنا، وصاروا أهلها وشعبها، حامدين وشاكرين فضل الله بمنحهم هذه الأرض الطيبة، التي سادوا عليها، وأرتضوها عن قناعة، ولم ينتزعوها من أحد، ولم يرحلوا عنها طمعاً في غيرها، عاشوا حرارة صيفها، وبردها وريح شتائها، وشحة أمطارها، وقساوة جوها، صارت ملكهم لينتفعوا بها، وتكون لهم مأوى ومسكن، يقتاتوا من ثمارها وصيدها، ويذودوا عن حياضها ويدفنوا جثثهم المتعبة في ترابها الدافئ، حتى صارت عظامهم جزء من ترابها.
ولاشك أن أجدادنا من عرب الجنوب خلال القرون الماضية قد خاضوا عشرات بل مئات الحروب دفاعاً عن هذه الأرض الطيبة، وهم يعرفوا تماما إنها ليست لهم وحدهم بل هي أمانة عليهم الانتفاع منها والدفاع عنها وصيانتها وتسليمها للأبناء، وهذا ما فعلوه - جزاهم الله خيراً- فقد صرنا بفضل أمانتهم نرث هذه البقعة من الأرض، وتحمّلنا مسئوليتها كشعب يمتلكها، كما تحمّلنا تغلباتها المناخية، وحروبها، ونزاعات بعضنا على حكمها، لكننا صبرنا على كل ذلك، ونحن ندفع بأرواحنا فداءاً لها، الى إن مرت علينا ظروف وملاباسات، جعلت ذاك الجيل من أبائنا ذو طيبة غريبة، متزايدة، وصلت حد السذاجة، حيث تأثروا بجملة من عوامل شحن ثوري قومي- أممي جعلتهم في مثالية نادرة يرون كوكب الأرض ملكاً للجميع ولم يعدوا يعترفوا بحدود الملكية، حتى أضاعوا حدهم الجغرافي الفاصل للأرض التي يملكوها في مثالية (خيالية) استغلها أخوتهم في (العروبة)، وجيرانهم، والذي ظنوا أنهم يبادلونهم نفس المشاعرالمثالية، فيما لا وجود لها الاّ في مخيلة (الطيبين السذج)، ولهذا أشركوا سكان الجمهورية العربية اليمنية، الذين يفوقوا سكان شعب الجنوب باضعافاً مضاعفة، في ملكية الأرض الجنوبية، مع إنه لايحق لهم ذلك، فما كان من الطامعين الا ان وجدوا في هذا العرض فرصة تاريخية لأطماعهم، وسعوا بخطى حثيثة وباستغلالية مقيتة لأحتلال وأستملاك أرض الجنوب لإنفسهم، ولأجيالهم اللاحقة، كما سعوا جاهدين لتهميش وإفقار الجنوبيين كي يظلوا عبيدأ وشقاة، لديهم وأولادهم، وأحفادهم، وهكذا مصير من يفرط في أمانة الأرض ولم يقدّرها ويصونها ويسلمها لإصحابها.
وما يؤسف له إن بعض أبناء الجنوب من جيلنا الحالي، لا يدرك مدى خطورة ما خسرناه، بتفريطنا في أمانة الحفاظ على أرضنا، التي لم نقّدر قيمتها، وقيمة ما قد بذلناه ونبذله من تضحيات في ثورتنا التحررية منذ إنطلاقتها حتى اليوم، وبكل ما نستطيع لإستعادتها ونزعها من براثن المحتلين، الذين استولوا عليها بجهالتنا، وبقوة سلاحهم، وأستعادتها واجب وطني وأخلاقي يتعامل البعض معه باستخفاف وبلامبالاة والبعض الآخر لا يدراك خطورة محاولات فرض حلول منقوصة تكرس شرعنة أحتلال واستملاك أرضنا.
ولأن المنطق يقول ان أرض الجنوب ملكية شعب الجنوب كله، فليس من حق أحد التصرف فيها، أو التفريط فيها بالبيع، أو بالتنازل عنها، لأي طرف آخر، وتحت أي مسمى مهما كان، ومهما بلغت مسئوليته، وحجم نفوذه على أهلها، لأنها ليست ملكية خاصة له، ولا لأحداً غيره، إنما هي ملكية الاجيال الجنوبية المتعاقبة،..وهذا ما يجب ان يعرفه ويتذكره كل جنوبي سوى كان موظف في حكومة الاحتلال اليمني، أو مشرد، أو مبعد، أو مهاجر، أو قيادي في مكونات الحراك السلمي – بما فيها المهادنة والمنتحلة التمثيل - ان أرض الجنوب، بنطاقها الجغرافي من حدود سلطنة عُمان شرقاً، الى جزيرة ميون وباب المندب غرباً، أمانة في أعناق كل الجنوبيين، وعليهم واجب صيانتها والدفاع عن حدودها، والحفاظ على وحدتها، ونسيجها الاجتماعي، وعدم التفريط فيها وأي تفريط يعد خيانة لكل الاجيال الجنوبية المتعاقبة.