منذ عدّة أشهر يواجه الصحافيون في جنوب سورية المطاردة والاختطاف وإطلاق الرصاص الحي من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما وثقته لجنة حماية الصحافيين في تقرير صدر الجمعة. وأشارت لجنة حماية الصحافيين إلى أن إسرائيل وسّعت انتشارها في جنوب سورية عقب سقوط نظام بشار الأسد في نهاية العام الماضي، واحتلت مناطق كانت تحت مراقبة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وكان أحد الانعكاسات المباشرة لذلك تزايد الإصابات التي يتعرض لها الصحافيون جراء رصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك حالات الترهيب والاحتجاز والاستجواب.
وقال الصحافيان السوريان نادر دبو ونور الحسن إنهما تعرضا للمطاردة من قبل جنود إسرائيليين في يونيو/ حزيران الماضي، خلال توثيقهما حطام طائرات مسيرة إيرانية في مناطق مدنية في محافظة القنيطرة، بالقرب من مرتفعات الجولان. وبعد أكثر من 30 دقيقة من ملاحقة السيارات العسكرية الإسرائيلية أوقف الصحافيان، وخضعا للاستجواب الميداني، كما اتهما بدخول منطقة عسكرية. أضاف دبو: "أطلقوا سراحي بعد أن وعدت بعدم العودة. وإلا فقد أواجه السجن".
بدوره، تحدث مصور الفيديو علي النجار للجنة حماية الصحافيين عن إصابته بالرصاص في ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أن أطلق جنود إسرائيليون النار على متظاهرين في ريف القنيطرة. كما أفاد صحافيون آخرون في محافظة القنيطرة بأنهم تعرضوا للطرد من قبل دوريات إسرائيلية داخل الأراضي السورية، كما جرى تدمير معدات البعض، وإطلاق النار عليهم بغية تخويفهم.
رصاص وتهديد بالسجن في جنوب سورية
في 20 مايو/ أيار الماضي، تعرّض الصحافي السوري أنور عصفور لإطلاق نار من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيته أضراراً لحقت ببئري ماء جراء عملية عسكرية إسرائيلية في قرية كودنة، الموجودة في الجزء السوري من الجولان. وأشار عصفور إلى أن "سترة الصحافة التي كان يرتديها يمكن تمييزها بوضوح من الطائرة المسيّرة فوقه"، لكن ذلك لم يمنع استهدافهم بالرصاص من مسافة قصيرة.
كذلك، أفاد الصحافيان طلال صياح وأحمد الخريوش، من شبكة أحرار حوران المحلية، بأنهما تعرضا للتهديد أثناء تصويرهما في كودنة خلال الشهر نفسه أيضاً. وقال صياح للجنة حماية الصحافيين: "وصلنا استجابة لنداءات من السكان، وأرشدنا أحدهم إلى محطة المياه المتضررة. بعد أن بدأنا بتصوير المقابلات، فتح الجنود الإسرائيليون النار، واضطررنا إلى مغادرة المنطقة فوراً، ولم نكمل التقرير".
فيما واجه فريق من قناة "بي بي سي" العربية الاحتجاز بعد توقيفهم أثناء تصويرهم بالقرب من الجولان المحتل في جنوب سورية. ولم يبالِ الجنود الإسرائيليون بتعريف المراسل فراس كيلاني وزملائه عن أنفسهم بأنهم صحافيون، حيث صادروا معداتهم ونقلوهم قسراً إلى نقطة تفتيش في القنيطرة. وجرّد الجنود الإسرائيليون كيلاني من ملابسه وأخضعوه للاستجواب، فيما عصبت عيون باقي أعضاء الفريق وقيّدت أيديهم بأصفاد بلاستيكية واستجوبوا أيضاً. كما أجبروا على حذف الصور والبيانات عن أجهزتهم.
الصحافيون الأجانب في خطر أيضاً
ولم يسلم الصحافيون الأجانب في سورية من جنود الجيش الإسرائيلي، بحسب لجنة حماية الصحافيين. ففي 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، احتجزت قوات إسرائيلية كلاً من الصحافي الفرنسي سيلفان ميرسادييه، مع الصحافي السوري يوسف غريبي، والمحامي محمد فياض، في قرية الرفيد بالقنيطرة، أثناء تغطيتهم التوسع العسكري الإسرائيلي قرب الجولان المحتل. وقال ميرسادييه للجنة حماية الصحافيين إن الجنود شاهدوه وهو يصوّر، وطالبوه بحذف اللقطات، كما صادروا حاسوبه المحمول. وعندما اعترض فياض، اعتُقل فوراً.
وحاول ميرسادييه الدفاع عن فياض، فطرحه الجنود أرضاً، وقيّدوهما وعصبوا أعينهما، حيث احتجزا لساعات في قاعدة عسكرية، ثم أُلقيا وهما معصوبا الأعين في مكان بعيد عن مكان اختطافهما، دون أي تفسير. في وقت لاحق زعمت السلطات الإسرائيلية أن الصحافيين كانون بالقرب من مواقع عسكرية، وهو الأمر الذي أنكره ميرسادييه، مؤكداً أنهم كانوا يرتدون سترات الصحافة.
ولم تحصل لجنة حماية الصحافيين على ردٍ من مكتب الإعلام التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في أميركا الشمالية حول الاعتداءات على الصحافيين. كما لم يرد مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام السورية، محمد الأسمر، على طلب اللجنة التعليق حول الإجراءات المتخذة لحماية الصحافيين ومنع المزيد من الانتهاكات.
ورأى رئيس وحدة الرصد في رابطة الصحافيين السوريين، محمد الصطوف، إن الزيادة الأخيرة في هذه الحوادث تعكس نمطاً واضحاً: "عدد الانتهاكات من قبل القوات الإسرائيلية في جنوب سورية يتزايد بشكل منهجي، والأدلة تشير إلى أنه أمر متعمد". وأضاف: "هذا يظهر أنه، على الرغم من التحولات السياسية، فإن إسرائيل ما زالت تستخدم القمع كأداة للتأثير على حرية الإعلام ومنع وصول المعلومات للجمهور والرأي العام والمؤسسات الدولية".