الرئيسية - تقارير - "السلام الجائر".. ترتيبات تهدد وحدة اليمن (تحليل خاص)

"السلام الجائر".. ترتيبات تهدد وحدة اليمن (تحليل خاص)

الساعة 10:49 مساءً (هنا عدن / متابعات يمن شباب )

في عملية سلام لا تبدو نتائجها ضامنة لوحدة اليمن أكثر من وضعه المشتت في الوقت الراهن، أطلقت السعودية في مارس/ آذار الماضي، مبادرة سلام بشأن الأزمة، التي تقف فيها السعودية، ذاتها، بجانب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ضمن ما يُسمَّى "التحالف العربي لدعم الشريعة اليمنية"، فيما تقف إيران، ومعها فواعل غير دولية عنيفة، مثل حزب الله اللبناني، بجانب الحوثيين (جماعة أنصار الله).
 

مبادرة السلام السعودية

تضمنت المبادرة السعودية دعوة كافة أطراف الأزمة اليمنية، تحت رعاية الأمم المتحدة، إلى وقف إطلاق النار، وقفًا كاملًا، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية المتحصلة من سفن المشتقات النفطية، التي ترسو في موانئ الحُديِّدة، في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بمدينة الحديدة، وفقًا لاتفاق ستوكهولم عام 2018، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة، الإقليمية والدولية، والشروع في إجراء مشاورات بين مختلف الأطراف، وصولًا إلى حل سياسي، على أن يستند ذلك إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات الحوار الوطني الشامل لعام 2014.
 

لا تزال هذه المبادرة تراوح مكانها دون استجابة فعلية، على الرغم من قيام الحكومة الشرعية، ومن ورائها التحالف، بالسماح بدخول شحنات الوقود إلى ميناء الحديدة؛ إذ لا تزال المعارك الشرسة تدور بين أطراف الحرب اليمنية، في محافظة مارب التي تعد من أهم المناطق الاستراتيجية بالبلاد، في محاولة من كل طرف لفرض إرادته السياسية بوسائل القوة.

 
في أواخر إبريل/ نيسان الجاري، وخلال مقابلة متلفزة، ذكَّر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، جماعة الحوثي بهذه المبادرة، متمنيًا قبولها، والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الأطراف الأخرى في الأزمة اليمنية، للخروج بحلول ضامنة لحقوق الجميع، ومصالح دول المنطقة، ومؤكدًا على استعداد السعودية تقديم الدعم الاقتصادي، وكل ما يريده الحوثيون مقابل وقفهم إطلاق النار، والدخول في المفاوضات، وربما قصد ولي العهد السعودي، ضمن ما قصده بدول المنطقة، إيران، التي تدعم الحوثيين؛ لأنه في محور من محاور المقابلة إياها، كشف، وبوضوح، طموح بلاده بأن تكون لها علاقات مميزة مع ايران، وأن تنمو خلالها، وفي كلا البلدين، مصالحهما المشتركة.
 

إقرأ أيضاً...
قدم حوافز للحوثيين وابتعد عن التحالف.. "بايدن في اليمن" عندما يجلب "إنهاء الحرب" المزيد من الحروب




اكتست الدعوة الأخيرة لولي العهد السعودي إلى الحوثيين، للانخراط في المفاوضات، بمرونة غير معهودة منه، قياسًا بتصريحاته التي قالها أواسط عام 2017، حينما كان الرئيس الراحل علي عبد الله صالح متحالفًا مع الحوثي؛ حيث قال، وبشيء من الغرور، "نستطيع أن نجتث الحوثي وصالح في أيام قليلة"، فضلًا عن تصريحات أخرى لا حقة، لم تخلُ من شطط وزهو بالقوة العسكرية، والإمكانات المادية الاستراتيجية، التي تتمتع بها السعودية.

 
إن هذه الدعوة، وهي تأتي بعد أربع سنوات تصريحه السابق، لتكشف عمق الفجوة بين وضع الإرادة السعودية السابقة والإدارة الراهنة، مهما يقال عن أنها ضرب من الدبلوماسية التي تقتضيها اللحظة الراهنة، بالنظر إلى تصاعد تهديد هجمات الحوثيين على السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات غير المأهولة، وما تمارسه إدارة بايدن، في واشنطن، من ضغوط لإنهاء الحرب، لارتباط ذلك بالمصالح الأميركية ومصالح دول أطراف الاتفاق النووي مع إيران؛ حيث تتخذ واشنطن من عملية السلام في اليمن أداة لإضعاف موقف إيران في هذه المفاوضات، أو بتجريد إيران من الحوثيين، بمنحهم مكاسب سياسية مضمونة، على حساب الأطراف اليمنية الأخرى.


وإذا كان هنالك من نقطة تحول إيجابية لمصلحة السعودية، وراء هذا التحول، فإن ذلك يتمثل في اطمئنانها إلى ما حققته من مكاسب جيوسياسية في المحافظات الجنوبية اليمنية، خصوصًا في حضرموت، والمهرة، وأرخبيل سقطرى، وسعيها، من خلال هذه المبادرة، إلى الحفاظ على ذلك.

 
إيران والحوثيين: هل يتسع لهما قارب النجاة؟

إزاء المبادرة السعودية، وما تطرحه الإدارة الأميركية من حلول، عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندر كينج، وما يطرحه المبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيت، كان رد الحوثيين مشروطًا للقبول، وبدا فيه أثر إيران، التي توظف تعنُّت الحوثيين لمصلحة أزماتها السياسية مع دول الإقليم وبعض القوى الدولية الكبرى، وقد تجلى هذا الدور في رد السفير الإيراني لدى الحوثيين (حسن إيرلو)، الذي وصف المبادرة بأنها "مشروع حرب دائمة".
 

وبالقرب من ذلك، جاء رد وزارة الخارجية الإيرانية على المبادرة معبرًا، وإن شكليًا، عن "دعم إيران كل مبادرة سلام"، لكن بما ينهي، على حد وصفها، "الاحتلال، والحصار الاقتصادي"، ثم بعد ذلك الانطلاق نحو الحوار السياسي.

 

يتفق الإيرانيون مع الحوثيين في ضرورة تنفيذ شروط أولية محددة، قبل دخولهم في أي مفاوضات مباشرة مطروحة أمامهما اليوم. فالإيرانيون يرفضون العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، إذا لم ترفع عقوباتها على إيران، وتحمُّلها تعويضيات هذه العقوبات، أو النقاش حول حلفائها الإقليميين من الفواعل العنيفة غير الدولية، ومن ذلك الحوثيون.
 

وبالمثل، يصرُّ الحوثيون على عدم الدخول في أي مفاوضات بشأن السلام في اليمن، ما لم يجرِ وقف الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف، والسماح بدخول السفن بشحناتها المختلفة إلى ميناء الحُديِّدة، وفتح مطار صنعاء للرحلات المدنية دون تحديد وجهات المنطلقة منه، والقادمة إليه، وهذا التطابق يمكن أن يحقق للحوثيين، وإيران، معًا، مكاسب ظرفية تقودهما إلى شراكة استراتيجية قد تهدد المنطقة.

 
لقد مثَّل لقاء وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، بممثل الحوثيين المقيم في مسقط، عبد السلام فليتة (محمد عبد السلام)، نهاية هذا الشهر، دلالة واضحة على توافق الرؤية والموقف، وإصرارهما على استثمار ذلك لمصلحة كياني كل منهما، وهذا ما يعززه إصرار الحوثيين على مضاعفة هجومهم البري على مارب، وتصعيد هجماتهم الجوية على السعودية، التي كان أقربها إلى تاريخ كتابة هذا المقال، الهجوم الذي شنته طائرة غير مأهولة على قاعدة الملك خالد الجوية، في خميس مشيط، نهاية هذا الشهر، بعد ساعات قليلة من بث مقابلة ولي العهد السعودي، التي أشار إليها هذا المقال.
 
 
الحكومة الشرعية: مصير خطير وأطراف متربصة

استجابت الحكومة الشرعية للمبادرة السعودية، كعادتها مع المبادرات، التي تقوم على المرجعيات الثلاث، التي تضمنتها هذه المبادرة، لكن التنازلات التي قد تمنح للحوثيين، استجابة لشروط دخولهم المفاوضات، تمثل، في جوهرها، تنازلًا عن أحكام معينة في القرار 2216، وربما يقود ذلك إلى مطالب أخرى، مثل تفعيل العمل بجوازات السفر الصادرة من مناطق الحوثيين مادامت المطارات الخاضعة لسيطرتهم باتت مفتوحة، وليس هذا إلا مثال على المطالب المتوقعة، بل إن بقية المرجعيات قد تسقط تدريجيًا، وفقًا لتحولات غير متوقعة قد تحدث في قيادة السلطة الشرعية أو هياكلها، هذا إذا لم يقم الحوثيون، أنفسهم، بفرض إرادتهم السياسية بالقوة، عن طريق السيطرة على مارب، بأي طريقة كانت، وقد يكون التحالف نفسه، شريكًا فيها، وفقًا لحسابات معينة أو خاطئة.

 

من بين هذه الحسابات السماح لفرض الحوثي نفسه مكان السلطة الشرعية تحت أي ظرف، وحصوله على اعتراف من بعض الدول، على غرار وضع شمال البلاد بعد عام 1967، الذي أُزيح خلاله نظام الرئيس الراحل، عبد الله السلال، من المشهد السياسي، على إثر الاتفاق المبرم بين الملك عبد العزيز آل سعود، والزعيم جمال عبد الناصر، في أغسطس /آب 1967، خلال انعقاد قمة الخرطوم، الذي أفضى إلى عدم تدخل كل منهما بما يجري في اليمن، وترك اليمنيين يقرِّرون مصيرهم، فكان أن جرت الأحداث لمصلحة الطرف الأقوى الذي كان مسيطرًا على العاصمة صنعاء وميناء الحديدة والمدن الكبيرة، مثل تعز وإب، غير أن السعودية لم تلزم بذلك، خلافًا لمصر.
 

قد يتكرر هذا السيناريو شمالًا، فتعود إلى المشهد إيران، والسعودية، والإمارات، ومن خلفها القوى الدولية المنتفعة، أما جنوبًا فيجري تعزيز تقاسم النفوذ الراهن في المحافظات الجنوبية، في ظل تكاثر القوى التي قد تقتتل في ما بينها، ومع الحوثي وقوى شمالية أخرى، على المناطق التي لا تزال خاضعة لكل منها.