هل يمكن أن يصاب الشخص بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ثم يتلقى اللقاح ثم يصاب مرة ثانية؟ وما مدى شدة الأعراض التي تحدث عند الإصابة بفيروس كورونا بعد تلقي اللقاح "عدوى الاختراق"؟ وكيف يمكن استعادة حاسة الشم بعد الإصابة؟ الإجابات في هذا التقرير.
ويعني مصطلح عدوى الاختراق (Breakthrough Infections) أن يصاب شخص تلقى لقاح كورونا بالمرض.
السؤال الأول ينبع من تجربة شخصية، إذ في شهر سبتمبر/أيلول 2020 الماضي أصبت وعائلتي بكورونا، وعندما أجرينا الفحوصات كانت النتيجة إيجابية لفردين من العائلة، ولكن هذا يمكن تفسيره بأن مستويات الفيروس لم تكن قد ارتفعت لتظهر في الفحص لأن العدوى كانت في بدايتها. خلال الأيام اللاحقة -التي كنا خلالها في حجر استمر أسبوعين- تطورت لدينا الأعراض، التي تراوحت بين:
وبفضل الله تعافينا منها.
لاحقا تلقينا التطعيم. ولكن في أغسطس/آب الماضي أصبنا في العائلة بكورونا مرة ثانية، وكانت النتائج إيجابية لجميعنا باستثناء فرد واحد. وطورنا أعراضا اختلفت من شخص لآخر، ولكنها كانت أقوى من الإصابة الأولى وشملت:
وجميع تلك الأعراض كانت أشد من الإصابة الأولى.
ما حدث معنا يسلط الضوء على موضوع احتمال أن يصاب الشخص بكورونا، ثم يتلقى التطعيم، ثم يصاب مرة أخرى. وفي هذا التقرير سنبحث آخر المعطيات العلمية حول ذلك. كما سنتحدث عن استعادة حاسة الشم بعد الإصابة، وهي مشكلة عانينا منها بشكل أكبر في العدوى الثانية:
الجواب نعم، فوفقا لـ"كليفلاند كلينيك" (Cleveland clinic) "نعلم أنه يمكن لأي شخص أن يصاب بكوفيد-19، الملقحين وغير الملقحين، أولئك الذين أصيبوا به بالفعل والذين لم يتم تطعيمهم. وعلى المنوال نفسه، يمكن لأي شخص أن يصاب بكوفيد-19 مرة أخرى".
ويقول أخصائي أمراض الأطفال المعدية الدكتور فرانك إسبير -من كليفلاند كلينيك- "من المهم أن نلاحظ أننا ما زلنا نتعلم الكثير عن إعادة العدوى (reinfection)، ومن هو المعرض لخطر هذه العدوى". لكن الأطباء يعرفون أن بعض الأشخاص معرضون لخطر الإصابة مرة أخرى بكوفيد-19 أكثر من غيرهم".
لكن التطعيم مع ذلك له فوائد كبيرة، فأولا هو يقلل احتمال إعادة العدوى. إذ وفقا لدراسة نشرتها المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها ونقلها موقع "يو إس نيوز" (usnews)، فإن احتمال إعادة العدوى بين غير الملقحين هي مرتين أكثر من الذين تم تلقيحهم.
وأظهرت الدراسة أن أولئك الذين تعافوا من كوفيد -19 والذين لم يتم تطعيمهم قد يكون لديهم أكثر من ضعف خطر الإصابة مرة أخرى من أولئك الذين تم تلقيحهم.
نظرت الدراسة في المئات من سكان كنتاكي الذين أصيبوا بفيروس كورونا في عام 2020، وقارنت حالة التطعيم لأولئك الذين أصيبوا مرة أخرى من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران 2021. وجد الباحثون أن أولئك الذين لم يتم تطعيمهم لديهم احتمال أكثر بـ2.34 مرة للإصابة مرة أخرى بكورونا مقارنة مع أولئك الذين تم تطعيمهم بالكامل.
وخلص مؤلفو الدراسة إلى أنه لتقليل احتمال إصابتهم بالعدوى في المستقبل، يجب تقديم لقاح كوفيد-19 لجميع الأشخاص حتى أولئك الذين يعانون من عدوى سابقة بكورونا.
لذلك لطالما أوصى مسؤولو الصحة في الولايات المتحدة بتطعيم أولئك الذين تعافوا من فيروس كورونا.
فائدة ثانية لتلقي اللقاح أنه يقلل شدة الأعراض واحتمال الإصابة بمرض شديد أو دخول المستشفى أو الوفاة، إذا أصبت بكورونا.
فوفقا للمراكز الأميركية يمكن حدوث حالات عدوى الاختراق، لكن لقاحات كورونا تحمي الناس من الأمراض الشديدة، بما في ذلك الأمراض التي تسببها دلتا والمتغيرات الأخرى المنتشرة في الولايات المتحدة.
وحتى عندما تظهر الأعراض على الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالكامل، فإنها تميل إلى أن تكون أقل حدة من الأعراض لدى الأشخاص غير المحصنين.
اللقاح يقلل خطر الإصابة بكورونا، وحتى عند الإصابة فإن الأعراض تكون أخف، واحتمال تطوير مرض شديد ودخول المستشفى والموت سيكون أقل.
أيضا، وفقا لدراسة أجراها باحثون من "كينغز كوليج لندن" (King’s College London)، فإن التطعيم ضد كورونا لا يقلل فقط من خطر الإصابة به، بل يقلل أيضا من تحول العدوى إلى متلازمة كوفيد طويل الأمد (Long Covid)، وفقا لموقع "بي بي سي" (BBC)
ومتلازمة كورونا طويلة الأمد هي مجموعة من الأعراض التي تستمر مع الشخص المصاب بفيروس كورونا لمدة تفوق 4 أسابيع، وقد تم إحصاء أكثر من 200 من الأعراض.
إذ مع أنه يتعافى العديد من الأشخاص الذين يصابون بكوفيد في غضون أسابيع، فإن البعض لديهم أعراض تستمر أو تتطور لأسابيع وشهور بعد الإصابة الأولية.
ونشرت الدراسة في مجلة "لانسيت إنفكشيوس ديزيز" (The Lancet Infectious Diseases)، ووجدت أن اللقاح يقلل من خطر الإصابة بفيروس كورونا، وإذا حدثت الإصابة فإن اللقاح يقلل أيضا خطر الإصابة بمتلازمة كوفيد طويل الأمد.
كما قلت في البداية، فإن إصابتنا هذه المرة تميزت بفقدان تام لحاسة الشم والذوق، بالنسبة لي، فمع أن حاسة التذوق والشم في تحسن، إلا أنني لم أتمكن من استعادتها بالكامل.
ويقول موقع "فوتورا سيونس" (futura Santé) الفرنسي في تقريره إن ما يبلغ 70% من مرضى فيروس كورونا يعانون من فقدان معتدل أو شديد لحاسة الشم، وفقا لدراسة أجراها الدكتور جيروم ليتشين، أخصائي الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى فوش في سورينس.
تظهر هذه الدراسة، التي تتابع مجموعة من 2500 مريض تم اختيارهم من 18 مستشفى أوروبيا منذ مارس/آذار الماضي، أن فقدان الشم يستمر في المتوسط 22 يوما، لكن 6% من المرضى لم يستعيدوا هذه الحاسة بعد 6 أشهر من إصابتهم بالمرض.
يذكر الموقع أنه إلى حد الآن ما زال السبب الدقيق لعرض فقد الشم غير واضح. كان يعتقد في البداية أن الفيروس يصيب الخلايا العصبية الشمية، ولكن يبدو أن إصابة الدماغ نادرة جدا.
تتمثل إحدى الفرضيات الرئيسية في إصابة خلايا الظهارة الشمية التي تدعم الخلايا العصبية الشمية. لاحظ باحثون إيطاليون أيضا أن فقدان حاسة الشم يكون مصحوبا بزيادة في الجزيء المسمى "إنترلوكين 6" (Interleukin 6). يمكن أيضا ملاحظة اختلافات بين الجنسين (النساء أقل تأثرا من الرجال) والمجموعات العرقية، مما يشير إلى سبب وراثي.
حتى لو كان فقدان حاسة الشم يبدو عرضا غير ضار نسبيا، فإنه يعيقك كثيرا في حياتك اليومية، لأن فقدان حاسة الشم عادة ما يؤدي أيضا إلى فقدان الذوق وتدهوره. يشتكي المرضى من أن جميع الأطعمة "مذاقها مثل الورق المقوى" وأن بعض الأطعمة لها نكهة مقززة.
يمكن أن يكون لفقدان حاسة الشم عواقب أكثر خطورة. أظهرت دراسة أجريت عام 2014 أن الأشخاص الذين يعانون من فقدان حاسة الشم أكثر عرضة بمقدار الضعف لتناول الطعام الفاسد، والتسمم بسبب تسرب الغاز، أو التعرض للحريق. يمكن أن يؤدي فقدان حاسة الشم أيضا إلى نقص التغذية.
كلما استعدت حاسة الشم بشكل أسرع، زادت فرص عودتك إلى وضعك الطبيعي. تقول كارول يان، المختصة في طب الأنف في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، في مجلة "من أجل العلم": "في حالة الفقدان المستمر للشم بسبب الأنفلونزا، فبعد 6 أشهر، هناك فرصة بنسبة تتراوح بين 30% و50% فقط للشفاء التلقائي". كانت هناك حالات تعاف بعد عامين، ولكن بعد ذلك "تصبح فرص الشفاء ضئيلة للغاية للأسف"، كما تحذر كارول يان.
في الحالات الشديدة، يمكن وصف العلاج المضاد للالتهابات. توصي كارول يان، على سبيل المثال، باستعمال "البوديزونيد" (Budesonide) للجيوب الأنفية، وهو ستيرويد موضعي قوي أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أنه يحسن نتائج الأشخاص الذين فقدوا حاسة الشم لأكثر من 6 أشهر بعد الإصابة بالأنفلونزا. لكن باعتراف هذه المختصة، فإن النتائج ليست مذهلة.
بالنسبة لمعظم المرضى، يتمثل العلاج الرئيسي في "تدريب" حاسة شمهم، على سبيل المثال باستعمال الزيوت الأساسية والصابون وخليط من الروائح أو عن طريق تذوق نكهات مختلفة (شوكولاتة، ليمون الجنة، نعناع..). ينصح جيروم ليتشين قائلا "درب نفسك عدة مرات في اليوم على تجميع الروائح عن طريق شم القهوة أثناء النظر إلى الكوب. حتى إذا لم تشم أي شيء في البداية، فإن ذلك يسمح لنظامك الشمي بالتعرف مجددا على الروائح وإنشاء روابط في الدماغ"، وهنا ربما تكون الفواكه والخضروات الغنية بمضادات الأكسدة والفيتامينات بي9 و بي12 معنية على استعادة حاسة الشم لديك بشكل أفضل.
نعم، أصبت بفيروس كورونا بعد تلقي التطعيم، ولكنني أعلم أنه دون اللقاح فإن هناك احتمالا أكبر بأن تكون الأعراض أشد، وأن يتطور المرض لحالة أكثر خطورة.