�نا عدن | متابعات
يفسر المحلل والخبير الاقتصادي اليمني “محمد الجماعي” في هذا الرد المطول على تساؤل “يمن ديلي نيوز” الأسباب التي تقف وراء التدهور المستمر لأسعار العملة، وفشل كل الجهود والمحاولات والحلول لإنقاذه ساردا بالتفصيل جملة من الإخفاقات والأخطاء، والحلول المفترض السير فيها.
يؤكد الجماعي على المسؤولية المشتركة فيما وصلت إليه البلاد اقتصاديا بين الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي وتحالف دعم الشرعية، مشيرا إلى أخطاء، وعمليات هدر، وحلول ممكنة لم يتم التطرق إليها، مشددا على أن الحكومة وحدها لن تستطيع السير في تلك الحلول مالم تكن مدعومة من التحالف.
في البداية يعرج الاقتصادي “الجماعي” للحديث عن الوضع الذي تعيشه الحكومة حاليا، حيث تعاني “خزينة الحكومة من نقص حاد في الإيرادات وعجز متراكم في الانفاق، ما يجعلها في موقف حرج إزاء فاتورة الالتزامات الأساسية لتأمين احتياجات الشعب وضمان الحد الأدنى من تماسك المنظومة الاقتصادية الذي يحد من الانهيار الكامل”.
تغطية عجز
وقال إن “المسكنات التي تأتي من هنا وهناك بين حين وآخر مع أهميتها، لكنها لا تعدو كونها تغطية لعجز جزئي واستحقاقات سابقة، وليست لإدارة فترة قادمة من الالتزامات والاستحقاقات”.
وتابع: برأيي أن الحكومة هي الحلقة الأضعف في منظومة الفشل الاقتصادي فهناك “مجلس رئاسي” و”تحالف عربي” يتقاسمون مسئولية الفشل في إدارة الشأن الاقتصادي مع الحكومة.
وأردف: عموما تعتبر قراءة الوضع الاقتصادي من زاوية العملة وتذبذباتها قراءة مجتزأة وتقييم مبتور يقصد منه إثبات الفشل وتعميمه على كافة القطاعات والأداءات الحكومية في كافة المجالات.
وتابع: بغض النظر عن الذباب الدعائي الذي تستخدمه أطراف خارجية وداخلية بغرض إسقاط الفشل على جانب دون جانب، فإننا ينبغي أن ننظر إلى هذا التراشق نظرة فاحصة وجادة؛ إذ من غير المعقول ومن غير الطبيعي أن تترك الشرعية مهامها الرئيسية وأهدافها الموجهة والمركزة على تحرير كامل للبلد؛ وتذهب بعض المكونات للتراشق وتحميل المسئولية على جهة أخرى، لأن ذلك يعني أن هناك رغبة خفية في إزاحة الهدف الرئيسي وهو التحرير الكامل للبلد وليس فقط حل مشكلة العملة.
وقال: يمكن القول إن “منظومة الفشل” برمتها لم تقم بما يجب عليها إزاء معضلة العملة وتأمين الرواتب وتسوية المنظومة الاقتصادية برمتها، وهو ما أدى بالوضع إلى ماهو عليه.
وتحدث “الجماعي” عن إغفال من وصفها “منظومة الفشل” مسؤولية “وضع وإعداد الدراسات والخطط لمرحلة ما بعد التحرير لمواجهة “شظايا” تداعي وسقوط وتفكك منظومة النهب المليشياوي الحوثي وشبكات مصالحها السلالية القادم لا محالة”.
وتابع: هناك كثير من الإجراءات كان ينبغي العمل عليها استغلالا لفراغ قاتل بسبب الوضع على الجانب العسكري شبه المتوقف. هناك فاقد من الوقت والجهد والنية كان يجب استغلاله لتحسين الوضع في مناطق الشرعية وصناعة ما سمي “نموذج إدلب” الحكومي. وتلك الإجراءات معظمها بأثر رجعي، كما يعرف ذلك أبسط مواطن يمني ويمكنه محاكمة أداء الشرعية وفقا لذلك.
فاقد الإيرادات
الاقتصادي “الجماعي” تطرق في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” إلى جملة أخطاء وعبث وسياسات أسهمت في هذا الوضع الذي يعيشه الاقتصاد اليمني.
وقال: “إيرادات قطاع الاتصالات” ما تزال في حكم الفاقد وتشكل ثقبا أسودا تتسرب عبره الأموال إلى صنعاء، بالعملتين المحلية والصعبة.
وحمل الحكومة المعترف بها والتحالف مسئولية تعثر البديل الحقيقي والمهم لهذا الفاقد، وهو “شركة عدن نت” وملحقاتها، ومحاربة الشركات التي نقلت مراكزها الرئيسية أو تنوي نقلها إلى عدن.
كما حملها مسؤولية تباطؤ وتيرة الاستفادة من خدمات “شركة استار لينك”. مضيفا: الحكومة والرئاسي والتحالف معنيون بهذه الخطوة مجتمعين لا متفرقين.
وأشار إلى سحب بساط الموانئ على الشرعية وتحويله إلى ميناء الحديدة الذي أصبح مصدر خطر عالمي من جهة، وشفط عائدات الصادرات والواردات وسحب بساطها من تحت الشرعية وموانئها.
وقال: بالتأكيد الحكومة لا تستطيع بمفردها اتخاذ قرار إيقاف الملاحة إغاثيا وتجاريا عبر موانئ الحديدة وتحويلها عبر موانئ الشرعية.
وتحدث عن “عرقلة البنك المركزي اليمني” عن إمضاء قراراته لإصلاح خلل السياسة النقدية، وإعادة دورة الجهاز المصرفي باعتباره واحدة من الأخطاء التي أسهمت في هذا الوضع.
وقال إن عرقلة قرارات البنك المركزي لا يتحمل وزرها طرف واحد في الشرعية كما يعلم الجميع، ولو أن المركزي استطاع تمرير بعض قراراته (نقل عمليات مراكز البنوك، إلغاء الطبعة القديمة)، وليس كلها على الأقل، لاستطاع معالجة آثار فوارق الصرف القاتلة وفوارق التحويلات بين المناطق اليمنية وفرملة تصاعد أسعار الصرف والسلع، وبالتالي تسيير الأمور بالممكن والحاصل.
ودعا الاقتصادي الجماعي تحريك ملف إعادة الاعمار الذي سيوفر العملة الصعبة داخل البلاد ويقلص معدلات البطالة، ويرسم صورة إيجابية عن الوضع في مناطق سيطرة الحكومة، بل ويوفر الأسباب للراغبين محليا بنقل استثماراتهم، والمنتظرين خارجيا لفتح الأسواق اليمنية أمام مشاريعهم.
وأعرب عن أسفه أن هذا الملف تديره لجنة برئاسة السفير محمد آل جابر سفير السعودية لدى اليمن، عبر مسطرة متناهية الدقة والحوكمة والرقابة، ليس وفقا للأولويات الرئيسية، بل وفقا للدرجات الدنيا للاحتياجات والترميمات المحرجة وفي إطار ضيق جدا. حد تأكيده.
ومن الموارد المهدرة وفقا للجماعي: “مساعدات المنظمات النقدية” وحوالات المغتربين اليمنيين في الخارج التي قال إنها ما تزال مسألة غير منظورة على طاولة الإقليم ورعاة القضية.
وقال: المسئول الأممي ينظر إلى الأمر وفق منظوره الخاص الذي يعطي الأولوية للعائد المادي والنسبة المئوية الباهظة للنفقات التشغيلية لدكاكينه الأربعين؛ ثم إنه ينظر إلى الأمر من زاوية رؤية التحالف العربي الذي يبدو أن مسألة تقوية سواعد الشرعية كدولة مسيطرة، ما تزال خطوة متأخرة في أحسن أحوال “حسن الظن”.
الثقف الأسود
الاقتصادي “محمد الجماعي” تحدث عن “الثقب الأسود للعملة الصعبة” الذي إنه ما يزال يتسع يوما بعد آخر، والمواطن اليمني وحده من يتحمل فاتورة عمليات “شركة النفط – كهرباء عدن – التهريب – غسيل الأموال – شركات الصرافة – الإعاشات – السلك الدبلوماسي” وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك – يقول الجماعي – ما تزال أطراف خارجية تدعم وكلاءها في الداخل وتمنع سحب إيرادات بعض الجهات الإيرادية التي تصب في خزائنها، ولا تذهب إلى خزينة الدولة، التي تتحمل شهريا نفقات ورواتب قواتها على الأرض.
وأشار إلى إمكانية استيراد المشتقات النفطية من دول الجوار بالدفع الآجل أو بالمقاصصة من مستحقات أخرى للحكومة، حيث يمكن لهذا الحل أن يوقف مؤقتا هلع المستوردين الذين ليس أمامهم من وسيلة للحصول على العملة الصعبة إلا عبر المضاربة في الأسواق المحلية المطحونة أصلا.
وتابع: أغلب المستوردين قادمون من مناطق الحوثي بسبب عجز الأخير عن تغطية فاتورة الاستيراد لهم من جهة، ومنعهم من المشاركة في مزادات المركزي في عدن من جهة اخرى. وسواء كانوا موردين للمشتقات أو حتى السلع الرئيسية، فلا طريق أمامهم سوى المضاربة في مناطق الشرعية.
غياب الاستثمارات
الاقتصادي الجماعي تحدث عن غياب للاستثمارات السعودية والاماراتية في اليمن رغم أهميتها، ورغم جاهزية المناطق المحررة لأي استثمارات مهما كان حجمها.
وقال: حتى الآن لا مشاريع سعودية ولا إماراتية ولا أي من دول التحالف التي في الأساس تبحث عن أسواق كبيرة مثل اليمن لمنتجاتها، وهنا يبرز تساؤل مهم: هل هناك خطوط حمراء تحول دون منح اليمن هذه الميزة في الوقت الحالي؟ أم أن أسواق اليمن غير جاهزة لذلك إلا “عبر التهريب وإغراق الأسواق” بالمنتجات الخارجية التي تهدد المنتج المحلي الوطني الصامد بأعجوبة؟.
وتساءل: لماذا لم تسند جهود السلطات المحلية، مأرب، تعز، حضرموت، شبوة، المخا، وقبل ذلك العاصمة الحبيبة عدن في صنع نموذج اقتصادي يستقطب رؤوس الأموال المحلية ويقنعها بعدم الهجرة إلى الخارج!
هل وحدها الحكومة تستطيع فرض هذا الواقع دون مصفوفة إسناد تشترك في فرضها كل الأطراف في “منظومة الفشل”.
واختتم: من الأخير، لا يوجد حل للأزمة الاقتصادية الجارية أفضل من إعادة تصدير “النفط والغاز”.. الأول غريمه مليشيا الحوثي والثاني “جيران صديقة”! فإما أن تحارب الأول وتتخارج منه، وإما أن تتخارج من الثاني أو تطلب منه التعويض أو الإسناد، وهذا من أبسط التزامات الحليف منطقيا وأخلاقيا ومسئولية.
وقال: ما سوى ذلك لا يعد سوى استمراء ممنهج لرؤية الوضع النفسي والمعنوي للمرابطين ينهار وللأمل بتحرير البلاد يتلاشى يوما بعد يوم، وللمواطن أن تنحرف بوصلته عن معركته الحقيقية التي قدم لأجلها أثمانا غالية وما تزال أصابعه على الزناد!.
المصدر | يمن ديلي نيوز