يشهد اليمن منذ عام 2014 أزمة اقتصادية خانقة، حيث تتسارع التحديات في مواجهة انهيار إنتاج النفط وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. فعلى الرغم من أنه في عام 2014 كان إنتاج النفط اليمني في ذروته حيث بلغ حوالي 51 مليون برميل، إلا أن هذا الرقم تدهور بشكل غير مسبوق نتيجة الحروب والصراعات الداخلية التي كانت لها آثار كارثية على القطاع النفطي. في نهاية عام 2022، انخفض الإنتاج إلى حوالي 17,000 برميل يوميًا، وهو تراجع حاد من 70,000 برميل يوميًا في عام 2021، ليواجه اليمن تحديات أكثر صعوبة في المحافظة على دخل النفط الذي كان يعد المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.
وتشير التقارير الحديثة للبنك الدولي إلى أن الاقتصاد اليمني قد انكمش بنسبة 1% في عام 2024 للسنة الثانية على التوالي، بعد أن شهد انخفاضًا بنسبة 2% في عام 2023. هذا الانكماش يعكس تدهورًا في مستويات المعيشة ويزيد من حدة أزمة الفقر في البلاد، حيث تراجعت مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. في 2023، سجل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انخفاضًا بنسبة 4.1%، وهو ما يعكس الوضع الاقتصادي المتدهور. وكانت نسبة التراجع أكثر حدة عندما تم حسابه بالقيمة الاسمية حيث بلغ الانخفاض حوالي 23.7%.
التدهور في إنتاج النفط يتزامن مع تزايد النمو السكاني في اليمن، حيث يضغط النمو السكاني المتسارع، الذي وصل إلى حوالي 3% سنويًا، على الموارد المحدودة، مما يزيد من الصعوبات التي تواجه الحكومة في توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. في ظل هذه الظروف، لا تستطيع الحكومة تأمين فرص عمل كافية للشباب ولا توفير الاحتياجات الضرورية للسكان المتزايدين.
إلى جانب ذلك، يُعد قطاع غير النفطي أيضًا من القطاعات المتضررة، حيث انخفض النشاط الاقتصادي في هذا القطاع بنسبة 0.9% بالقيمة الحقيقية. وارتبط ذلك بزيادة حالة عدم اليقين وتجدد الاحتجاجات وأعمال الشغب التي تقيّد الأنشطة التجارية الأخرى، مما يزيد من عمق الأزمة الاقتصادية.
نتيجة لهذه المعطيات، يظل الفقر في مستويات غير مسبوقة، حيث يعيش حوالي 80% من اليمنيين تحت خط الفقر، ويعاني حوالي 16 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي. هذا الوضع ينذر بكارثة إنسانية إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدهور الإنتاج النفطي، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتحسين مستوى المعيشة، وخلق فرص عمل للشباب.
الاقتصاد المعتمد على النفط
يعتبر الاقتصاد اليمني معتمدًا بشكل رئيسي على قطاع النفط، الذي يساهم بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم تراجع إنتاجه بشكل كبير في السنوات الأخيرة. كما أن الصادرات النفطية تمثل أكثر من 90% من إجمالي صادرات البلاد، مما يعكس اختلال هيكلي في الاقتصاد اليمني الذي يعتمد بشكل كبير على هذا المورد الطبيعي. وبالمثل، تشكل الإيرادات النفطية حوالي 70% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، مما يبرز تبعية الاقتصاد اليمني لتقلبات أسعار النفط العالمية ويزيد من تعريضه للأزمات.
هذا الاعتماد المفرط على النفط هو في جوهره السبب في تدهور الاقتصاد اليمني، حيث أدى إلى ضعف التنوع الاقتصادي وتراجع القطاعات الإنتاجية الأخرى.
فضلاً عن أن هذا الاعتماد على مصدر دخل واحد أوجد تحديات عديدة، منها التقلبات الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد اليمني نتيجة لتغيرات أسعار النفط العالمية. كما أن هذا الاعتماد خلق بيئة غير مستدامة، حيث يُستنزف المورد الطبيعي دون الاستعداد لتنويع مصادر الدخل. هذا إلى جانب تفشي الفساد وسوء الإدارة الذي يزيد من تعقيد الوضع.
من أبرز التحديات التي تواجه اليمن أيضًا هو الصراع الداخلي على منابع النفط، حيث تتنازع حالياً الأطراف المختلفة على السيطرة على حقول النفط وإيراداتها، مما يعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
يضاف إلى ذلك فشل وزارة النفط وهيئاتها في الحفاظ على مستوى الإنتاج أو تقليل التراجع الحاد في الإنتاج بسبب نقص الاستثمارات وعدم اكتشاف حقول جديدة، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي ويعزز من حالة الركود.
إجمالاً، إن الاعتماد المفرط على النفط لم يُسهم ولن يسهم في تحقيق تنمية مستدامة، بل أدى إلى هشاشة الاقتصاد اليمني وفضح اختلالاته البنيوية. في ظل الوضع الحالي،
للمتفاوضون .. اليمن يتطلب حلولًا عاجلة لضمان التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط الناضب بشكل تدريجي، من خلال تعزيز القطاعات الإنتاجية الأخرى، وجذب الاستثمارات، وتحقيق الاستقرار السياسي الذي يعزز من فرص التنمية المستدامة.