إنشاء شركة “بتروشبوة”.. تكرار للفشل أم خطوة نحو الإصلاح؟
انيس منصور
تعيش الشركات الوطنية النفطية في اليمن حالة من الفوضى والفساد، ما يجعل الحديث عن إنشاء شركة جديدة أمراً يثير تساؤلات عدة حول الجدوى والمصير المنتظر لها، خاصة إذا تم استنساخ نفس الاختلالات الهيكلية والإدارية والمهنية التي رافقت تجارب “صافر” و”بترومسيلة”، الشركتين اللتين أصبحتا رمزاً للإخفاق على المستويين الإداري والفني.
الاختلالات الهيكلية.. شركات بلا رقابة
منذ تأسيس “صافر” في مأرب و”بترومسيلة” في حضرموت، ظلتا تعملان ضمن منظومة غير خاضعة للرقابة الفاعلة من الجهات الحكومية المختصة، حيث جرى وضعهما خارج إطار الهيكلة المؤسسية السليمة للدولة، ما جعلهما بمثابة كيانات مستقلة تفتقر إلى الإشراف والمساءلة الحقيقية، وهو ما أكدته التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهيئة النفط، فضلاً عن اللجان المتخصصة في مجلس النواب.
غياب الرقابة لم يكن مجرد تفصيل إداري، بل كان السبب الرئيسي في تحول هذه الشركات إلى “ممالك منفصلة” تدير نفسها بعيداً عن أي مساءلة، ما جعلها بيئة خصبة للفساد المالي والإداري. وفي ظل هذا النموذج، لا يمكن الحديث عن أي إصلاح حقيقي طالما أن هذه الشركات تعمل بمعزل عن منظومة شفافة تتيح محاسبة إداراتها وتقييم أدائها بشكل دوري.
فشل مهني وتقني.. انحدار في الإنتاج وتراجع في الاكتشافات
على الصعيد الفني، لم تحقق الشركات الوطنية النفطية أي إنجاز يذكر منذ استلامها للقطاعات النفطية، بل على العكس، شهدت معدلات الإنتاج تراجعاً مستمراً، ولم يتم الإعلان عن أي اكتشافات جديدة ذات قيمة اقتصادية منذ عقود. هذا التراجع يعكس ضعف الإدارة الفنية والهندسية، وانعدام الكفاءة في إدارة الحقول النفطية، مما أدى إلى استنزاف الاحتياطات دون أي خطط تطويرية أو استكشافية تضمن استدامة الإنتاج.
لم يكن الفشل مقتصراً على الجانب التقني فقط، بل امتد إلى بيئة العمل الداخلية، حيث ساد منطق المناطقية والمحاصصة الحزبية، ما أدى إلى تفشي الإقصاء الوظيفي وغياب العدالة في التوظيف والترقيات، وهو ما انعكس بشكل مباشر على أداء الموظفين ودفع بالكفاءات إلى الهجرة أو الإحباط الوظيفي داخل هذه الشركات.
الفساد ونهب الإيرادات.. الوجه الآخر للأزمة
ما خرج للعلن مؤخراً من قضايا فساد ونهب للإيرادات في “صافر”، وعمليات تهريب النفط الخام، وتكرير النفط بشكل عشوائي، ووجود مكاتب تهريب عبر الحدود في “بترومسيلة”، يعكس حجم الأزمة التي تعاني منها هذه الشركات. فبدلاً من أن تكون رافداً حقيقياً للاقتصاد الوطني، تحولت إلى مراكز نفوذ تدار وفق مصالح خاصة بعيداً عن أي التزام بمعايير الشفافية والمصلحة العامة.
“بتروشبوة”.. استنساخ للفشل أم إصلاح؟
في ظل هذا الواقع، يأتي الإعلان عن إنشاء شركة جديدة تحت مسمى “بتروشبوة”، ليطرح تساؤلات مشروعة حول الهدف من تأسيسها، خاصة في ظل غياب أي تقييم علمي لأداء الشركات الوطنية السابقة. والأخطر من ذلك، أن هذه الشركة يتم الإعلان عنها بنفس الطريقة التي وُلدت بها الشركات الفاشلة السابقة، حيث لا يتم عرضها على مجلس النواب، ولا يصدر بها قرار جمهوري واضح، بل يتم الترتيب لها من خارج البلاد في خطوات تعكس انعدام الشفافية منذ البداية.
إن إنشاء شركات جديدة دون معالجة الاختلالات السابقة يعد بمثابة “تفريخ للفشل”، إذ لا يمكن تحقيق نتائج مختلفة إذا ما استمرت نفس الآليات والسياسات التي أوصلت الشركات القائمة إلى ما هي عليه اليوم. إن الاستمرار في استحداث كيانات جديدة دون رؤية إصلاحية واضحة لا يعدو كونه مجرد توزيع جديد لمراكز النفوذ، وليس خطوة نحو تطوير قطاع النفط والاستفادة من موارده بشكل مستدام.
توصيات وإصلاحات ضرورية
1. إخضاع الشركات الوطنية لرقابة مؤسسية صارمة عبر تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، وإنشاء لجان برلمانية متخصصة لمتابعة أدائها بشكل دوري.
2. إعادة هيكلة الشركات القائمة وفق أسس مهنية بعيداً عن النفوذ الحزبي والمناطقي، بما يضمن توحيد الجهود في شركة وطنية واحدة ذات إدارة مستقلة وشفافة.
3. فرض معايير الكفاءة والمهنية في التوظيف والإدارة لضمان تطوير الحقول النفطية وزيادة الإنتاج واستكشاف حقول جديدة وفق خطط علمية دقيقة.
4. الشفافية في إنشاء أي كيان جديد بحيث يتم تقديم دراسات جدوى معلنة للجمهور وعرضها على الجهات التشريعية قبل اتخاذ أي قرار بإنشاء شركات جديدة.
5. مكافحة تهريب النفط ونهب الإيرادات عبر إنشاء منظومة رقابة رقمية تتيح تتبع الإنتاج والتصدير والإيرادات بشكل دقيق ومعلن.
إن استدامة الفشل في قطاع النفط ليست قدراً محتوماً، ولكنها نتيجة لغياب التخطيط السليم والرقابة الفاعلة، وإذا لم يتم تصحيح المسار، فإن إنشاء المزيد من الشركات لن يكون سوى إعادة إنتاج للأزمات، وتحميل الاقتصاد الوطني مزيداً من الأعباء دون تحقيق أي مردود إيجابي.