عُمان والجزائر… جسور الأخوّة المتجذّرة ومواقف العزّة المستقلة
بقلم: علي الحداد
في زمن التغيّر السريع والتحولات المعقّدة، لا تزال بعض العواصم العربية تحتفظ بنقائها، وبقدرتها على صياغة نموذج ناصع من العلاقات الدولية قائم على الأخوّة، والاحترام، والسيادة. هذا ما تجلّى بوضوح في الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق إلى الجمهورية الجزائرية، والتي شكّلت لحظة فارقة في تاريخ العلاقات العمانية الجزائرية، ودفقة ضوء في واقع عربي يفتقر إلى التوازن والثقة.
علاقة نادرة في هندسة السياسة العربية
العلاقة العمانية الجزائرية ليست وليدة الظروف أو التحولات اللحظية، بل هي امتداد لتاريخ من الاحترام المتبادل والتضامن النقي، تُرجِم إلى مواقف ثابتة، وتفاهمات عميقة، ورؤية مشتركة في ملفات السيادة، الاستقلال، والدعم المطلق للقضية الفلسطينية.
هي علاقة لا تقوم على الاصطفاف، بل على التنسيق الذكي؛ لا تذوب في المحاور، بل تؤمن بتعدد الزوايا دون التفريط بالمبدأ.
ثنائية السيادة: عندما تتقاطع الأخوّة مع الاستقلال
حين قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور زهير بو عمامة: “سلطنة عُمان والجزائر دولتان عريقتان قاومتا الاستعمار وحرصتا تاريخيًا على استقلال القرار ورفض التبعية”, فإنه لخص جوهر هذه العلاقة. ليست علاقة مصالح طارئة، بل شراكة تقوم على الكبرياء السياسي والاستقلال في اتخاذ القرار، وهي صفة نادرة في المشهد العربي الحالي.
من التعليم إلى الاستثمار: بنية تكامل لا تبعية
الزيارة لم تكن مناسبة رمزية، بل حدثًا سياسيًا واستراتيجيًا ترك بصمته من خلال توقيع مذكرات تعاون شملت التعليم، الإعلام، والاستثمار، بما في ذلك صندوق مشترك يعكس إيمان الطرفين بضرورة بناء اقتصادات قائمة على المعرفة، والموارد الذاتية، والشراكات العادلة.
هذه ليست مجرّد اتفاقيات، بل خارطة طريق نحو تكامل عربي يحترم التنوّع، ويعزّز النهوض الذاتي بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
فلسطين أولاً: موقف لا يُساوَم عليه
في ظل موجة التخلّي والتطبيع بلا شروط، تقف مسقط والجزائر كتوأم سياسي مبدئي، لا يزايد، ولا يتنازل. دعمهما للقضية الفلسطينية ليس شعاراتيًا، بل جزء من رؤية أخلاقية للعالم، حيث لا يمكن بناء شرق أوسط مستقر دون دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
بين الضفتين: وطن عربي يحلم من جديد
حين تلتقي جوهرة الخليج – عُمان – مع قارة الكبرياء العربي – الجزائر – فإننا لا نتحدث عن زيارة، بل عن رسم ملامح جديدة لعالم عربي أقل صخبًا وأكثر عمقًا. علاقة عُمانية جزائرية نادرة، تحمل في تفاصيلها ما هو أوسع من التوافق السياسي، وأسمى من المصلحة، إنها حالة نضج استثنائية.
من وحي الرسالة إلى قلب الأمة
إن الزيارة التاريخية لجلالة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل هي إعلان أخلاقي بأن العروبة لا تزال قادرة على التنفّس حين تلتقي العقول الحرة والقلوب الصادقة.
وفي زمن غابت فيه البوصلة، تذكّرنا مسقط والجزائر بأن الاستقلال ليس مجرد شعار، بل التزام يومي، ومسؤولية أخلاقية، وموقف لا يتغير بتغيّر الفصول.
فهذه ليست فقط علاقة حميمة بين بلدين، بل إشراقة أمل لأمةٍ تبحث عن طريق العودة .