2025/04/16
"تيار التغيير والتحرير" المعلن في حضرموت: بين طموح الإعلان وتعقيدات التشكّل

هنا عدن | خاص
عبدالعزيز الحمزة
كاتب واكاديمي|

قراءة تحليلية أولية في السياق والمضمون والدلالات

في توقيت سياسي بالغ الحساسية، أُعلن عن تشكيل "تيار التغيير والتحرير"، ككيان وطني شعبي يسعى ـ كما جاء في بيانه التأسيسي ـ إلى إنقاذ اليمن من واقعه المأزوم، وتحقيق إصلاحات شاملة على طريق بناء دولة عادلة وحديثة.
ورغم أن الخطاب حمل في طيّاته لهجة ثورية طموحة وشعارات إصلاحية مطلوبة، إلا أن البيئة السياسية والاجتماعية المصاحبة لهذا الإعلان، ومكان انعقاده، وسرعة تشكيله، ومضمونه اللفظي والدلالي، كلها تطرح تساؤلات جدية عن طبيعة هذا التيار، ومدى جاهزيته، وما إن كان يشكل استجابة حقيقية لنبض الشعب أم هو مشروع معدّ سلفًا بتوجيه من جهة خفية أو خارجية.

الملخص السياسي

في الثالث عشر من أبريل 2025، برز إلى السطح كيان سياسي جديد تحت مسمى "تيار التغيير والتحرير" في محافظة حضرموت، في خطوة مفاجئة من حيث التوقيت والمكان، ومثيرة للانتباه من حيث اللغة المستخدمة في البيان التأسيسي وطبيعة الشخصيات الحاضرة. ورغم محدودية المشاركة والزخم، إلا أن الظروف المحيطة بالإعلان تشير إلى أبعاد سياسية غير معلنة، قد ترتبط بإعادة توزيع النفوذ في حضرموت، وربما بأجندات إقليمية أو محلية تتقاطع مع مصالح قوى قائمة في المشهد اليمني، وفي مقدمتها جماعة الحوثي.

أولًا: الخلفية السياسية للإعلان

جاء الإعلان بعد تحضير سريع لم يتجاوز ثلاثة أيام، وفي موقع جغرافي ناءٍ عن مراكز القرار والنشاط السياسي، ما يعكس طبيعة استثنائية للتحضير والإشهار. كما أن غياب المشاورات السياسية مع الأطراف الفاعلة في المحافظة، وصدور بيان يتبنى خطابًا سياديًا عامًا دون تحديد المواقف من الأطراف الرئيسية في النزاع، يثير علامات استفهام حول الأجندة الفعلية لهذا التيار.

ثانيًا: مؤشرات على ارتباط محتمل بجماعة الحوثي

ثمة مجموعة من الإشارات التي توحي بتقاطع هذا الكيان الجديد مع الخطاب السياسي لجماعة الحوثي، ومنها:

تغييب الإشارة للانقلاب الحوثي في بيان التأسيس، رغم الحديث عن “التحرير” و”استعادة القرار الوطني”.

استخدام مفردات ذات حمولة أيديولوجية مألوفة في خطاب صنعاء كـ “رفض الوصاية” و”السيادة الوطنية”.

اختيار حضرموت، كمنطقة بعيدة عن خطوط التماس المباشر، يعزز فرضية إنشاء ورقة ضغط سياسية من العمق الحضرمي.

تزامن الإعلان مع تصعيد دولي ضد الحوثيين، ما قد يشير إلى محاولة خلق انطباع بوجود تيارات تتماهى مع مواقف الجماعة.

إمكانية استخدام التيار لتفكيك تحالفات الحكومة الشرعية المهيأة لمعركة فاصلة مع الحوثي.

ثالثًا: الأهداف السياسية المحتملة

تشويش المشهد : عبر خلق تيار جديد يربك الحسابات التقليدية في حضرموت، ويعمّق التباينات داخل مكونات الحكومة الشرعية.

تفتيت التركيز الاستراتيجي: تحويل الاهتمام من التحضيرات العسكرية إلى صراعات داخلية تستنزف الأطراف الشرعية.

منح غطاء سياسي لخطاب الحوثي: عبر الإيحاء بوجود قوى  تتبنى خطابًا مشابهًا، ما يضعف السردية الوطنية الجامعة.

تهيئة منصة للحركة السياسية الخفية: خارج الاصطفافات التقليدية، تتيح المجال لأجندات غير معلنة للعمل تحت غطاء شعبي.

رابعًا: السياق المحلي في حضرموت

يأتي هذا الإعلان في بيئة سياسية مشحونة، وسط تصاعد التوتر بين المحافظ مبخوت بن ماضي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وحلف حضرموت بقيادة بن حبريش. كما يسبق اجتماعًا مرتقبًا للانتقالي في المكلا، وهو ما يعزز فرضية أن التوقيت لم يكن عفويًا، بل جزء من مسعى مدروس للتأثير على توازنات القوى في  حضرموت.

خامسًا: البعد الجغرافي والأمني

اختيار منطقة صحراوية نائية قرب الحدود السعودية كموقع للإشهار يعكس رغبة في تجنب الرصد الإعلامي والعسكري، وربما يشير إلى وجود ترتيبات لوجستية مع جهة ذات قدرة على الحماية أو التمويه. كما أن غياب ردود فعل سريعة من قبل الأطراف العسكرية والسياسية قد يكشف عن تنسيق خفي أو على الأقل انتظار لتبيّن حقيقة هذا التيار.

سادسًا: السيناريوهات المطروحة

1. السيناريو الحوثي: التيار أداة ناعمة لتوسيع النفوذ الحوثي في الجنوب، إعلاميًا وسياسيًا.

2. السيناريو الإقليمي: جهة إقليمية أخرى تسعى إلى خلخلة الهيمنة السعودية على حضرموت عبر تحريك قوى بديلة.

3. السيناريو المحلي: أحد أطراف الداخل يستخدم التيار كورقة ضغط في معادلات التفاوض المحلي.

4. السيناريو التكتيكي المؤقت: تشكيل سريع ومؤقت يهدف إلى صرف الأنظار عن تحركات أكبر قيد التنفيذ.

الخلاصة
يُظهر "تيار التغيير والتحرير" كمشروع سياسي غير ناضج لكنه يحمل دلالات استراتيجية عميقة، إذ يبدو أقرب إلى أداة في معركة نفوذ إقليمية ومحلية متشابكة، أكثر من كونه تجسيدًا لتطلعات شعبية حقيقية. وعلى ضوء طبيعة التوقيت والموقع والخطاب، يُرجّح أن يكون جزءًا من تكتيك أكبر لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في حضرموت، وربما الجنوب عمومًا، بما يخدم أطرافًا تتقاطع مصالحها مع تعطيل أي مشروع وطني جامع في هذه المرحلة الحرجة.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news84986.html