قد يُبشّر اكتشافٌ ثوريٌّ في كلية الصحة بجامعة يورك في كندا، بعهدٍ جديدٍ في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي؛ وهو مرضٌ مناعيٌّ ذاتيٌّ مُنهكٌ يُصيب نحو 1 في المائة من سكان العالم. وقد حدد الباحثون طفرةً في بروتينٍ يُسمى «TRAF1» الذي يُثبِّط الاستجابة الالتهابية، وهو اكتشافٌ قد يُؤدي إلى تطوير فئةٍ جديدةٍ من الأدوية القادرة على علاج التهاب المفاصل الروماتويدي بفعاليةٍ كبرى.
ويُعرَف التهاب المفاصل الروماتويدي «Rheumatoid arthritis» بأنه يُسبب تصلباً وتورماً وألماً مُزمناً في المفاصل، وينتج عن مُهاجمة الجهاز المناعي أنسجته عن طريق الخطأ. ومع مرور الوقت يمكن أن يُسبب المرض تلفاً لا رجعة فيه للمفاصل والغضاريف والعظام، ما يُؤثر سلباً على الحياة اليومية. وعادةً ما تتضمن العلاجات الحالية مُثبِّطاتٍ مناعيةً واسعةَ الطيف مثل الستيرويدات أو المُستحضرات البيولوجية التي تستهدف سيتوكيناتٍ مُحددة. ومع ذلك، غالباً ما تفقد هذه الأساليب فاعليتها، وتنطوي على مخاطر مثل زيادة قابلية الإصابة بالعدوى، وغيرها من الآثار الجانبية الخطيرة.
نتائج واعدة
وفي دراسةٍ قادها الأستاذ المشارك علي عبد الساتر، رئيس قسم أبحاث في كلية علم الحركة وعلوم الصحة بجامعة يورك كندا، ونُشرت في مجلة «Journal of Autoimmunity» في مارس (آذار) 2025، استخدم الباحثون تقنيةً متقدمةً لتعديل الجينات لدراسة دور بروتين «TRAF1» في تنظيم المناعة. واكتشف الفريق أن طفرةً واحدةً في موقع الفالين 196 (V196) على بروتين «TRAF1» يمكن أن تُقلل الالتهاب بشكلٍ كبيرٍ لدى الفئران، إذ إن هذه الطفرة تُعطّل تفاعلاً جزيئياً بالغ الأهمية للحفاظ على استجابة (رد فعل) الجهاز المناعي المفرطة، ما يُؤدي فعلياً إلى «إيقاف» سلسلة الأحداث التي تُسبب عادةً الالتهاب المفرط. وأوضح عبد الساتر أن التهاب المفاصل الروماتويدي يُعد حالةً صحيةً شائعةً يمكن أن تُؤثر على عدد من جوانب الحياة اليومية، وبناءً على الفاعلية المحدودة للعلاجات الحالية هناك حاجةٌ إلى مناهج جديدة. وأضاف أنهم توصلوا في هذه الدراسة إلى اكتشافٍ قد يُمهد الطريق لعلاجاتٍ أكثر فاعليةً لالتهاب المفاصل الروماتويدي وغيره من الأمراض الالتهابية. ويُعرَف بروتين «TRAF1» بدوره المزدوج في الإشارات المناعية، ففي بعض السياقات يُضخّم هذا الجين الإشارات الالتهابية، بينما في سياقات أخرى يعمل بصفته كابحاً لمنع رد الفعل المفرط للجهاز المناعي. وقد جعلت هذه الوظيفة المتناقضة من بروتين «TRAF1» هدفاً صعباً للتدخل العلاجي حتى الآن. ومن خلال تحديد تأثير الطفرة على تفاعل «TRAF1» مع بروتين آخر، يُقدّم البحث رؤى جديدة حول كيفية تعديل المسارات الالتهابية بدقة أكبر. ثم إن هذه الطفرة تُوقف بفاعليةٍ سلسلة من الأحداث الجزيئية التي تُسبب التهاباً مفرطاً، ولا يقتصر هذا النهج المُستهدف على تخفيف أعراض التهاب المفاصل الروماتويدي، بل يمكنه أيضاً معالجة الآليات الكامنة وراء المرض، مما يُعطي أملاً للمرضى الذين لا يستجيبون جيداً لخيارات العلاج الحالية.
وتُمثّل هذه الدراسة قفزة نوعية في فهمنا للتنظيم المناعي وآثاره على الأمراض الالتهابية. فمن خلال تسخير قوة تقنية تحرير الجينات أثبت فريق البحث إمكانية تعديل التفاعلات الجزيئية الرئيسية، مما يمهد الطريق لتطوير استراتيجيات علاجية أكثر دقة.
علاجات جديدة
وإذا أمكن تطبيق هذه النتائج بنجاح على الفئران والبشر، فقد تكون الآثار المترتبة عميقة. وقد توفر الأدوية المستقبلية القائمة على هذا الاكتشاف علاجاً أكثر ملاءمة لالتهاب المفاصل الروماتويدي، ما قد يقلل الاعتماد على مثبّطات المناعة واسعة النطاق، ويقلل خطر الآثار الجانبية مثل العدوى والسرطان. علاوة على ذلك، يمكن أن تمتد المبادئ التي كشف عنها هذا البحث لتشمل حالات التهابية أخرى، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الأمراض التي يكون فيها الجهاز المناعي عاملاً محورياً.
ويُعدّ هذا الاكتشاف شهادة على الروح الابتكارية لفريق البحث، ويؤكد الدور الحاسم للبحوث الجينية في الطب الحديث. ومع تقدم الدراسات والتجارب السريرية، قد يتمكن مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي قريباً من الحصول على علاجات لا تخفف الأعراض فحسب، بل تستهدف أيضاً الأسباب الجذرية للالتهاب. ويتابع مجتمع البحث والأطباء والمرضى من كثب هذا العمل الرائد وهو ينتقل من المختبرات إلى التطبيق السريري، مما قد يُعيد تشكيل المشهد العلاجي لالتهاب المفاصل الروماتويدي.
وبالنسبة لـ18 مليون شخص حول العالم يُعانون التهاب المفاصل الروماتويدي، والذين يُعاني كثيرون منهم الألم والإعاقة يومياً، فإن هذا الاكتشاف يُشعل الأمل في مستقبلٍ تكون فيه العلاجات أكثر فاعلية وألطف أيضاً.
ومع تقدّم الأبحاث يُبرز عمل فريق البحث قدرة الرؤى الجينية على اكتشاف علاجات ثورية في مجالٍ تشتد فيه الحاجة إلى الابتكار، يُقدّم هذا الاكتشاف أكثر من مجرد وعدٍ علمي، بل يُقدّم رؤيةً لحياةٍ مُستعادة من الأمراض المزمنة.