2025/05/03
من استقالة "بن مبارك" إلى تعيين بن بريك.. "انفجار" في قلب السلطة.. هل نحن أمام تجديد حقيقي أم تدوير للأزمة؟

هنا عدن | خاص
عبدالعزيز الحمزة
السبت ٣ مايو ٢٠٢٥م |

مقدمة|
 انفجار في قلب السلطة... هل نحن أمام تجديد حقيقي أم تدوير للأزمة؟

شهدت الساحة اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية واحدة من أكثر اللحظات السياسية حساسية منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تمثّلت في استقالة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك، وما تبعها سريعًا من تعيين سالم بن بريك خلفًا له.
لم تكن الاستقالة مجرد مغادرة منصب، ولا التعيين مجرد ملء شاغر إداري، بل إنّ ما جرى يمثل تجسيدًا لصراع داخلي عميق داخل بنية السلطة الشرعية، ومحاولة مكشوفة لاحتواء انفجار سياسي لا تزال ارتداداته تتفاعل.
القرار الرئاسي بتعيين بن بريك جاء بصفته "ما تقتضيه المصلحة العليا"، لكنه في الواقع يعكس لحظة ارتباك في أعلى هرم السلطة التنفيذية، في توقيت يُفترض أنه يمثل فرصة تاريخية لإعادة توحيد الصف الجمهوري في مواجهة جماعة الحوثي، وسط إجماع دولي نادر وبيئة إقليمية مواتية.
أولاً: استقالة بن مبارك، صوت الانهيار من الداخل

عندما اختار بن مبارك تقديم استقالته، لم يكن يعلن انسحابه من مهمة تنفيذية، بل يُدين عجز السلطة عن إنقاذ ما تبقى من الدولة.
 خطابه تضمن إشارات واضحة إلى صراع مراكز القوى داخل الحكومة، وشلل القرار الوطني، وانهيار منظومة التوافق.
لقد حملت الاستقالة صدمة سياسية لأنها جاءت في لحظة بدت مواتية لإعادة ضبط إيقاع السلطة، لكنها بدلًا من ذلك كشفت هشاشتها، وقدمت صورة قاتمة عن مأزق الشرعية التي تواجه خصمًا موحدًا وهي تتفكك من الداخل.
ثانياً: تعيين بن بريك، احتواء أم إعادة إنتاج؟
قرار رئيس مجلس القيادة بتعيين سالم بن بريك، الشخصية التكنوقراطية الهادئة القادمة من خلفية مالية، يعكس محاولة لاحتواء الموقف بأقل كلفة سياسية.
 لكن التعيين لم يترافق مع تعديل وزاري أو إعادة بناء للمنظومة التنفيذية، بل أبقى على نفس الوزراء، ونفس التركيبة، ونفس مسار التعثر.
هذا يُثير تساؤلات حقيقية:
 هل التغيير كان هدفه فقط امتصاص الصدمة؟
 أم أن تعيين بن بريك يُمثّل تسوية داخل مجلس القيادة تضمن توازنًا حساسًا بين القوى المتنافسة.
ثالثاً: مجلس القيادة، إدارة هادئة لأزمات متفجرة
مجلس القيادة الرئاسي، منذ إعلان تشكيله، يعاني من تباين الولاءات والرؤى السياسية بين أعضائه.
 استقالة بن مبارك كشفت هذا الخلاف، وجاء قرار التعيين كخطوة لاحتواء الانفجار دون معالجته.
 اللافت أن المجلس يتصرف بردود أفعال أكثر مما يقود مبادرات استراتيجية، ويعتمد على التوازن الهش بدلًا من الحسم البنيوي.
رابعاً: توقيت سياسي حرج، والفرصة تضيع
ما يجعل هذا التحول أكثر خطورة هو توقيته:
 فالمجتمع الدولي بدأ يزداد قناعة بخطورة التهديد الحوثي  على استقرار المنطقة ، و بدأ أكثر استعدادًا لإعادة هندسة مسار السلام بالقوة إن لزم الأمر.
 لكن بدلاً من أن تلتقط الشرعية هذه اللحظة، انفجرت من داخلها، وتغيّرت الحكومة، لا لتعزيز الموقف الوطني، بل لإخماد نار داخلية.
وبذلك، فإن فرصة الضغط على الحوثي تراجعت بفعل اهتزاز صورة الحكومة التي يُفترض أن تمثّل اليمن.
خامساً: القوى السياسية، تذوب في مشهد مائع
الأحزاب السياسية لم تعد فاعلاً في رسم المشهد، بل باتت تلهث خلف مراكز النفوذ داخل المجلس أو تتماهى مع مرجعيات إقليمية.
 حتى اللحظة، لم يصدر عن القوى الحزبية موقف موحد تجاه الاستقالة أو التعيين، ما يعكس حالة الشلل الفكري والتنظيمي الذي تعاني منه النخبة السياسية اليمنية.
سادساً: الحوثي، انتصار دون طلقة
جماعة الحوثي لم تُطلق رصاصة واحدة، لكنها حصدت انتصارًا سياسيًا صامتًا.
 فاستقالة رئيس الحكومة، ثم التعيين العاجل لشخصية جديدة دون رؤية إصلاحية، أرسل رسالة للمجتمع الدولي أن خصم الحوثي يتآكل ذاتيًا، ولا يمتلك إرادة التغيير أو أدوات الصمود.
وهذا يعزز رواية الحوثي أمام العالم بأنه الطرف "المتماسك"، ولو بالقوة، مقابل خصم منقسم، لا يستطيع حتى الحفاظ على حكومته.
سابعاً: الشعب، بين الاستقالة والتعيين، أين الوطن؟
وسط كل هذا الصراع، يبقى المواطن  هو الضحية الغائبة عن مشهد صناعة القرار.
 الشارع  لم يعد يُعوّل على التغيير الشكلي، ولا يستبشر بحكومة جديدة لا تختلف عن سابقتها، ما دامت تُبقي ذات المنظومة، وتُكرر ذات العجز.
والنتيجة: انعدام ثقة تام في السلطة، وغياب أفق وطني جامع يعيد الاعتبار لمفهوم الدولة.
هل فاتت فرصة الإنقاذ؟
من استقالة بن مبارك إلى تعيين بن بريك، لم يخرج اليمن من أزمته، بل عمّقها بتغيير الوجوه دون تغيير المنهج.
 السلطة التنفيذية بحاجة إلى مراجعة عميقة لطبيعتها وبنيتها ومشروعها الوطني، لا إلى تعيينات تُعيد تدوير الأزمة.
اللحظة الراهنة كانت فرصة لإعادة صياغة الشرعية، وتوحيد الصف الجمهوري، واستثمار دعم دولي واضح ضد الحوثي.
 لكن استبدال رئيس الحكومة دون مساس ببنية الفشل، يهدد بتحويل الفرصة إلى عبء، ويُفقد اليمن ما تبقى من رصيد الأمل.

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news85202.html