2025/05/04
معالي السيد حمد بن حمود البوسعيدي .. سيرة رجل دولة في خدمة السلطان والوطن


بقلم: علي الحداد

في تاريخ الأوطان، هناك رجال يُدوِّنون أسماءهم في وجدان الدولة، لا بالخطابات أو الأضواء، بل بالعمل الصامت والتفاني الراسخ. أحد هؤلاء الرجال هو معالي السيد حمد بن حمود بن حمد بن هلال بن محمد بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، رجل الدولة الذي عاصر ثلاثة من سلاطين آل بوسعيد، وأسهم بدورٍ محوري في صناعة النهضة الإدارية الحديثة لعُمان.

جذورٌ ممتدة في عمق الدولة

وُلد السيد حمد في مدينة صور عام 1920م، حين كان والده واليًا عليها في عهد السلطان تيمور بن فيصل. ينحدر من سلالة الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي، من جهة جده السيد محمد بن الإمام، كما أن والدته السيدة جوخة تنتمي إلى ذات الجذور البوسعيدية، مما منح سيرته طابعًا أصيلًا في النسب والدور.

فقد والده في سن مبكرة، فاحتضنه شقيقه الأكبر السيد نصر الذي تولى رعايته في ولاية قريات، حيث نشأ وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم، ورافق أخاه في زياراته الرسمية إلى السلطانين تيمور وسعيد بن تيمور.

كاتب السلطان.. ورجل الثقة

التحق السيد حمد بالعمل في ديوان السلطان سعيد بن تيمور عام 1936م، وهو في السادسة عشرة، ليبدأ مسيرة طويلة من العمل في القصر السلطاني بقصر العلم بمسقط، مساعدًا للسكرتير محمد علي الجمالي. ومن هناك، أصبح من أقرب الشخصيات إلى السلطان، يرافقه في أسفاره وتنقلاته، بما في ذلك سفراته إلى الهند ونزوى إبان أزمة البريمي، ومهامه في الولايات العُمانية الساحلية.

ولم يكن مجرد موظف إداري، بل كان همزة الوصل الدقيقة بين السلطان وشيوخ القبائل والتجار والأعيان. كما شارك في تأسيس أول إذاعة عُمانية في صلالة “إذاعة الحصن”، مع الأستاذ حفيظ بن سالم الغساني.

مع فجر النهضة الحديثة

مع تولي السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – الحكم في 23 يوليو 1970م، انتقل السيد حمد إلى مرحلة جديدة، حيث اصطحبه السلطان في أول رحلة له من صلالة إلى مسقط، وعيّنه سكرتيرًا للديوان السلطاني، ثم رئيسًا له، إلى أن صدر المرسوم السلطاني بتعيينه أول وزير لشؤون الديوان السلطاني في 15 يناير 1973م.

وخلال تلك المرحلة، اضطلع السيد حمد بمهام عديدة مفصلية:
    •    سكرتير مجلس الوزراء،
    •    رئيس مجلس الخدمة المدنية،
    •    مشرف على ديوان شؤون الموظفين،
    •    رئيس اللجنة العليا للتظلمات (نواة المحكمة العليا)،
    •    مشرف على معهد الإدارة العامة،
    •    مسؤول عن ديوان التشريع (وزارة الشؤون القانونية لاحقًا)،
    •    مشرف على شؤون القبائل.

بهذا، كان معالي السيد حمد في قلب التحول الإداري والمؤسسي للدولة، وعقلاً هادئًا خلف البناء المؤسسي لعُمان الحديثة.

مستشار السلطان.. ورحلة العطاء الأخير

في 14 أكتوبر 1986م، صدر مرسوم سلطاني بتعيينه مستشارًا خاصًا لجلالة السلطان، بعد إلغاء وزارة شؤون الديوان السلطاني ودمج اختصاصاتها ضمن ديوان البلاط السلطاني. وواصل أداءه لهذا الدور الرفيع حتى وفاته، مرافقًا لجلالة السلطان قابوس في جولاته الداخلية وزياراته الخارجية، وممثلًا لعُمان في لقاءات رفيعة مع زعماء وملوك الخليج.

عرف عن السيد حمد دماثة الخُلق، وحنكته السياسية، وارتقاءه في التواصل المجتمعي، إضافةً إلى ولعه بالأدب والشعر العربي، ومجالسته للمثقفين.

وسام الدولة وذاكرتها

تقديرًا لعطائه، قلّده السلطان قابوس عدة أوسمة رفيعة منها: وسام نهضة عُمان ووسام النهضة الأعظم، كما نال أوسمة من الملك حسين بن طلال، والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، دلالة على مكانته الرفيعة إقليميًا ودوليًا.

إرث ممتد في الأبناء

خلّف معالي السيد حمد بن حمود ثمانية من الأبناء، أربعة من الذكور وأربعة من الإناث. ومن أبنائه الذكور:
    •    المغفور له السيد سامي بن حمد بن حمود،
    •    معالي السيد بدر بن حمد بن حمود، وزير الخارجية،
    •    سعادة السيد خالد بن حمد بن حمود،
    •    سعادة السيد أيمن بن حمد بن حمود.

وقد ساروا على نهج والدهم في خدمة الوطن، واضعين بصمتهم في مختلف مؤسسات الدولة.

رحيل رجل الدولة

توفي معالي السيد حمد بن حمود في 7 شعبان 1423هـ الموافق 14 أكتوبر 2002م، بعد مسيرة امتدت لأكثر من ستة عقود في قلب الدولة، حاملاً ذاكرة عمان، ومؤسسًا لصروحها، وناقلًا للحكمة بين السلاطين والأجيال.

رحم الله معالي السيد حمد بن حمود البوسعيدي، فقد كان رجلًا للوطن، وصوتًا للحكمة، وأحد أعمدة الدولة العُمانية في مهد نهضتها الحديثة


الخاتمة:
في سيرة معالي السيد حمد بن حمود البوسعيدي، لا نقرأ فقط قصة رجلٍ من رجالات الحكم، بل نلمس حكمة جيلٍ اختزن مفاتيح الدولة في قلبه، ومضى بصمت الكبار دون أن يطلب ضوءًا أو شهرة. كان حمد بن حمود نموذجًا للدبلوماسية الداخلية، للرجل الذي يقود من الخلف، ويصنع القرار بهدوء وثقة، دون صخب ولا ضجيج.

لقد شكّل مع السلاطين الذين خدمهم، جسراً بين ماضٍ تقليدي قائم على الحكمة القبلية والمكانة التاريخية، وحاضرٍ إداريٍّ حديث يتطلب الحوكمة والتنظيم والمؤسسية. وفي هذا الجسر، وُلدت الدولة العُمانية الحديثة كما نعرفها اليوم.

سيبقى اسم معالي السيد حمد بن حمود البوسعيدي محفوراً في ذاكرة الدولة والشعب العماني ، ليس فقط بوصفه مستشاراً وسكرتيراً ووزيراً، بل بوصفه رجلاً أسّس بصبر، وربّى بصمت، وخدم بولاء لا يُشترى

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news85217.html