2025/07/01
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تكشف دور منصور بن زايد شقيق رئيس الإمارات في نشر الفوضى وتأجيج الحروب الأهلية

نشرت صحيفة *نيويورك تايمز* الأمريكية تقريرًا شاملاً حول منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. وصف التقرير منصور بأنه المهندس الخفي وراء حملات الفوضى والحروب التي استهدفت قطر وليبيا والسودان. وذكرت الصحيفة أنه بينما يُعرف في الغرب بشكل أساسي كمالك لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي، فإن خلف الكواليس، تؤكد مصادر أنه يلعب دور المنسق الذي يدير التدخلات الخارجية لبلاده.

قبل أسابيع قليلة من اندلاع الحرب الأهلية في السودان، استضاف الشيخ منصور، أحد أغنى رجال الشرق الأوسط، قائدًا سودانيًا سيئ السمعة في قصره المطل على الخليج وفقًا للتقرير. يُعرف منصور بجمعه لليخوت الفاخرة والخيول النادرة؛ لكنه، بحسب الصحيفة، ساهم بشكل مباشر في دعم قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو (المعروف بـ”حميدتي”). ورغم موقف الإمارات العلني الذي ينفي تسليح أي أطراف في الصراع، أظهرت تقارير استخباراتية أمريكية مكالمة هاتفية متكررة بين حمدان ومسؤولين إماراتيين، من بينهم منصور.

وتطرق التقرير إلى أن الجمعيات الخيرية، التي تقع تحت إدارة الشيخ منصور، أقامت مستشفيات لعلاج المدنيين في السودان خلال الصراع، لكن مسؤولين أمريكيين وأمميين يرون أنها كانت واجهة لتهريب الطائرات المسيّرة والأسلحة لدعم حمدان. وقد تفاقمت الاتهامات بعد ظهور أدلة على ارتكاب قوات الدعم السريع مجازر وجرائم إنسانية.

وفي الوقت الذي يُعرف فيه منصور داخل الأوساط الرياضية كرجل يقف وراء نجاحات نادي مانشستر سيتي بإنشاء مشاريع ضخمة ضمن كرة القدم، فإنه أيضًا يلعب دورًا أقل ظهورًا كجزء من سياسة أوسع للإمارات للتوسع في مناطق استراتيجية، مثل إفريقيا والشرق الأوسط، وتعزيز نفوذها الإقليمي.

ووفقًا لمقابلات أجريت مع مسؤولين أمريكيين وأفارقة وعرب، فإن منصور يُعتبر العقل المدبّر لدعم حكومات ومجموعات مسلحة في ليبيا والسودان، ضمن استراتيجية تشمل السيطرة على الموانئ والثروات المعدنية ومواجهة الحركات الإسلامية في تلك المناطق. بينما يتولى شقيقه الأكبر محمد بن زايد قيادة هذه الأنشطة بشكل مباشر، في حين يشكل منصور ضلعًا هامًا في تنفيذ هذه السياسات.

وأشار التقرير كذلك إلى فضائح مالية سابقة طالت مشاريع مرتبطة بمنصور، بما في ذلك قضايا فساد دولية تتعلق بصندوق 1MDB الماليزي وتورطه في محاولات للاستحواذ على وسائل إعلام غربية كبرى. وبرغم ذلك ظل بعيدًا عن دائرة الضوء لفترة طويلة، غير أن الضغوط الأخيرة تسلط الضوء على دوره بشكل غير مسبوق.

من جهة أخرى، نادي مانشستر سيتي الذي يعتبر الواجهة الأكثر إشراقًا لمنصور بات يواجه تحقيقات واسعة النطاق حول مزاعم بالتلاعب المالي قد تؤدي إلى عقوبات كبرى على النادي إذا ثبتت صحتها. ومع أن النادي ينفي تلك الاتهامات، إلا أن التحقيقات المستمرة تضع سمعة النادي والشيخ منصور تحت المجهر.

هذه التطورات المتسارعة قد تُغير الوضع الآمن الذي أحاط بمنصور لعقود. وما إذا كانت هذه المراجعات ستؤدي إلى محاسبته أو الحد من نشاطاته يظل سؤالاً مفتوحًا أمام المشهد الدولي والإقليمي.

شيخ كرة القدم

قبل نحو جيلين، كان معظم سكان الإمارات الحالية يعيشون حياة بسيطة، حيث كانوا يعملون في الزراعة وتربية الإبل وصيد اللؤلؤ. ومع اكتشاف النفط في ستينيات القرن الماضي، انطلق مسار تحوّل جذري بدأ من دبي، التي أصبحت رمزًا للتطوير السريع والمظاهر الفاخرة، حيث نجد ناطحات السحاب الزجاجية ترتفع وسط الصحراء ومنحدرات التزلج تُقام داخل مراكز التسوق. أما أبوظبي، العاصمة الأكثر تحفظًا، فقد تحولت إلى مركز مالي عالمي ومحور صاعد للذكاء الاصطناعي، لتسوق نفسها كعاصمة للاستثمار العالمي.

في قلب هذه الديناميكية، تقف عائلة آل نهيان، التي تُعتبر واحدة من أغنى عائلات العالم بعد عائلة والتون الأمريكية، وفقًا لبعض التقديرات. تمتلك هذه العائلة زمام الحكم في الإمارات منذ عام 1971، ويتركز نفوذها في أبناء “بني فاطمة”، وهم ستة أبناء للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المؤسس الراحل للدولة. من بين هؤلاء، يتصدر المشهد ثلاثة إخوة رئيسيون.

محمد بن زايد، أو كما يُعرف اختصارًا بـ MBZ، يعد الحاكم الفعلي للإمارات منذ أكثر من عقدين بعمر 64 عامًا. يليه طحنون بن زايد البالغ من العمر 56 عامًا، الذي يُلقب بـ”شيخ التجسس”، ويشغل منصب مستشار الأمن الوطني. يتميز طحنون بشغفه باللياقة البدنية ولعبة الشطرنج التي يمارسها حتى على متن يخته الخاص، كما يرتبط بعلاقة وثيقة بمؤسس شركة ميتا مارك زوكربيرغ بفضل اهتمامه برياضة الجوجيتسو.

أما منصور بن زايد، الأخ الثالث ذو النفوذ الواسع والظهور المتحفظ، فهو نائب رئيس الدولة ونائب رئيس الوزراء ويسيطر على مؤسسات حيوية مثل البنك المركزي وشركة النفط الوطنية. يدير كذلك صندوق الثروة السيادي “مبادلة”، الذي تتجاوز قيمته 330 مليار دولار ويركز استثماراته في التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وسياحة الفضاء.

دور منصور لا يتوقف عند الإدارة المالية؛ فقد ساهم بشكل بارز في بناء القوة الناعمة لدولة الإمارات عبر الإعلام والرياضة. عمل مع قنوات مثل سكاي وسي إن إن لإطلاق شبكات عربية واستثمر مليار دولار لجيف زوكر للاستحواذ على منافذ إعلامية دولية. وفي الجوانب التقليدية، يتمتع بحضور رسمي خلال فعاليات محلية مثل سباقات الهجن ومهرجانات التمور.

رغم ذلك، يعد المجال الرياضي وخاصة كرة القدم أبرز مجالات تأثير منصور على الساحة الدولية. ففي 2008 اشترى نادي مانشستر سيتي الإنجليزي مقابل 330 مليون دولار وأعاد تشكيله باستثمارات تجاوزت 3.5 مليار دولار. هذا النهج أدى لتحويل النادي إلى إحدى القوى الكروية الكبرى التي حصدت بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز ثماني مرات وحققت لقب دوري أبطال أوروبا. كما سجل النادي أرباحًا قياسية وصلت إلى 100 مليون دولار عام 2023 من إيرادات بلغت نحو مليار دولار.

إضافة إلى مانشستر سيتي، وسّع منصور نطاق استثماراته الرياضية بشراء أندية في ملبورن ومومباي ويوكوهاما وغيرها. ويشرف على بناء ملعب جديد لفريق نيويورك سيتي يُطلق عليه “اتحاد بارك”، مستلهمًا اسم ملعب سيتي الرئيسي.

لكن طموحات منصور الرياضي تخدم أحيانًا أجندات سياسية لدولته. ففي عام 2014، أجرى فريق مانشستر سيتي جلسة خاصة للصحفيين برعاية مستشارين إماراتيين، ركزت على مزاعم تربط قطر بالإرهاب بدلًا من الحديث عن الرياضة، مما عكس استخدام النادي كأداة سياسية.

ومع ذلك تظل طبيعة علاقة منصور الشخصية بكرة القدم غير واضحة تمامًا؛ فقد حضر مباراتين فقط لناديه منذ شرائه قبل 17 عامًا. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، مرت أولويات دولة الإمارات بتحوّل كبير من القوة الناعمة نحو القوة الصلبة، وهو تحوّل رافقه منصور بخطوات متسارعة على كل الجبهات.

المنسق

في عام 2011، شهدت منطقة الشرق الأوسط ارتفاع موجة التحولات السياسية التي اصطلح على تسميتها بالربيع العربي، وكان لهذا العام تأثير كبير على سياسات عائلة آل نهيان في الإمارات. مع سقوط أنظمة حكم استبدادية في عدد من الدول العربية، تزايدت المخاوف لدى القيادة الإماراتية من انتشار هذه الموجة ووصول صداها إلى بلادهم. محمد بن زايد، حاكم الإمارات آنذاك، أعرب عن قلقه للمسؤولين الغربيين من تصاعُد نفوذ الحركات الإسلامية السياسية، مثل الإخوان المسلمين، وتعهد بمواجهتها بكافة السبل.

هذا التوجه الإماراتي انعكس بشكل مباشر من خلال تدخلات حاسمة في دول كمصر وليبيا واليمن، عبر دعم انقلابات عسكرية، تسليح جهات معارضة، أو عقد تحالفات مع شخصيات فاعلة على الأرض. وللقيام بإدارة هذه التحركات الدقيقة والمعقدة، كان يتطلب الأمر وجود شخصية ذات مهارات بارعة وقراءة متأنية للمشهد السياسي، وهنا برز دور منصور بن زايد.

منصور تم تكليفه من أخيه بقيادة العلاقات مع “شخصيات نافذة لكنها مثيرة للجدل” وفقًا لما وصفه أحد المسؤولين الأمريكيين البارزين. في ليبيا، تمدد نفوذه عبر علاقاته مع خليفة حفتر، الشخصية العسكرية الجدلية الذي كان يعد مناوئًا شرسًا للجماعات الإسلامية. حفتر، وهو عميل سابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وعد بترسيخ سيطرته في ليبيا وتقديم رؤية قوية بعد سقوط نظام القذافي.

بحسب تقارير أمريكية، بدأ منصور بالتواصل مع حفتر وإدارة العلاقة معه منذ عام 2015 بشكل منتظم وهادئ. تدريجيًا، بات واضحًا لدى المراقبين أن الإمارات تراهن على حفتر كنقطة ارتكاز سياسية وعسكرية. غير أن هذا التحالف أثار بعض التوترات مع واشنطن، حيث دفعت أبوظبي أسلحة إلى داخل ليبيا مخالفةً الحظر الدولي. كما ظهرت تقارير عن وصول أسلحة أمريكية، كانت قد بيعت للإمارات مسبقًا، إلى الساحة الليبية. وفي عام 2020، أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى احتمال وجود دعم إماراتي مالي لمرتزقة مجموعة فاغنر الروسية الداعمة لحملة حفتر باتجاه العاصمة طرابلس.

في الوقت ذاته، وجهت القيادة الإماراتية أنظارها إلى السودان باعتباره أحد المحاور الاستراتيجية الهامة. عمر البشير، الذي شكل حلفًا مع إيران – الخصم الإقليمي لدول الخليج – برز كهدف للتحالف بجذبه نحو المعسكر الإماراتي. منصور قاد هذا الملف بتوجيهات واضحة من القيادة العليا. ووفقًا لمسؤولين سودانيين وأمريكيين، قاد منصور اجتماعات سرية عام 2017 انتهت بزيارة ملفتة للبشير إلى أبوظبي.

نتج عن هذا التقارب تدفق مساعدات إماراتية بمليارات الدولارات إلى السودان، كما أظهرت تقاريرٌ رسمية. ومع ذلك، لم تكن هذه التحركات خالية من الجدل؛ فقد رُفعت شكوك أمريكية حيال التعامل مع شخصية مثل البشير المطلوب دوليًا بسبب اتهامات تتعلق بالإبادة الجماعية في دارفور. غير أن الإمارات انتهجت منظورًا براغماتيًا؛ إذ قوبلت المساعدات السودانية بإرسال قوات للقتال بجانب التحالف الإماراتي-السعودي ضد الحوثيين في اليمن.

الخلافات السياسية السودانية الداخلية أظهرت لاحقًا أسماء جديدة على الساحة مثل الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع حديثة النشأة آنذاك. تطورت العلاقة بين منصور وحميدتي سريعًا ليصبح الجنرال أحد أبرز حلفائه.

في تعليق حول هذا الدور البارز لمنصور بن زايد، أكد جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي السابق للقرن الأفريقي، أن منصور كان دائمًا الشخصية المحورية المؤثرة خلف الكواليس في ملف السودان.

“غاتسبي الخليج”

عندما لا يكون منصور غارقًا في إدارة شؤون أمراء الحرب أو إشرافه على فرق كرة القدم، تجده يعيش حياة فارهة لا يقدر عليها سوى أصحاب الثروات الطائلة.

بحسب العديد من الروايات، يمتلك منصور مجموعة من أضخم وأفخم اليخوت في العالم، والتي توصف بأنها كقصور عائمة تحمل ديكورات داخلية شديدة الفخامة. وكان آخر ما أضافه إلى مجموعته، وفقًا لتقارير من قطاع صناعة اليخوت، يختًا فائق الفخامة باسم “بلو”، بقيمة تصل إلى 600 مليون دولار. البعض يرى أن الاسم مستلهم من ألوان فريق مانشستر سيتي الذي يملكه منصور، مع طولٍ يصل إلى 525 قدمًا، وهو يزيد كثيرًا عن أي ملعب كرة قدم لعب عليه الفريق.

اهتمام منصور الشديد باليخوت لفت أنظار القضاء الأمريكي، الذي قدّم في إحدى ملفات التحقيقات قبل نحو عقد اتهامات عن دوره في تمويل يخت آخر باسم “توباز” من الأموال المختلسة عبر فضيحة 1MDB الماليزية سيئة الصيت. لوريتا لينش، وزيرة العدل الأمريكية آنذاك، وصفت القضية عام 2016 بأنها أكبر عملية فساد مالي تُسجل في تاريخ الولايات المتحدة، مؤكدًة تورط أكثر من 4.5 مليار دولار من الأموال العامة الماليزية في مخطط فساد معقد.

تلك التحقيقات أدت إلى إدانة وسجن رئيس وزراء ماليزيا، نجيب رزاق، إلى جانب عدد من المسؤولين الماليين في “وول ستريت”، بما في ذلك أحد الأسماء التي أدينت مؤخرًا. ومع ذلك، ركّزت وسائل الإعلام العالمية بداية على الحياة الباذخة والهاربة للممول الماليزي “جو لو”، المتهم الرئيسي بتنظيم الفضيحة. شملت أفعاله حفلات استعراضية ضخمة في لاس فيغاس، وشراء قصور فاخرة في بيفرلي هيلز، واقتناء أعمال فنية مثل لوحات بيكاسو ومونيه.

لكن فضيحة 1MDB فتحت ملف تحقيقات على مستويات دولية امتدت عبر حوالي 12 دولة، لتكشف لاحقًا أدلة خطيرة تورط كبار المسؤولين الإماراتيين. وتشير وثائق أميركية قُدمت خلال محاكمة في نيويورك عام 2022 إلى أن يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى واشنطن، تلقى رشوة بقيمة 40 مليون دولار، فيما بلغت مبالغ التحويل لخديم القبيسي – الرئيس السابق لإحدى الشركات التابعة لمنصور – نصف مليار دولار تقريبًا.

منصور نفسه لم يتم تحديد قيمة الأموال التي استفاد منها بشكل مباشر وفق الادعاء العام الأمريكي، لكنه أُدرج على رأس “هرم الرشاوى”، كما وصفه جو لو. وقد تم تقديم أدلة خلال التحقيقات تؤكد أن 161 مليون دولار استخدمت لسداد قرض ليخت توباز الذي بلغت قيمته الأصلية نحو 688 مليون دولار.

وشهدت إحدى جلسات المحاكمة إفادات عن قضاء منصور ونجيب رزاق عطلة على متن ذلك اليخت عام 2013 في جنوب فرنسا. ومن المفارقات، أن الممثل ليوناردو دي كابريو استخدم نفس اليخت خلال حضوره كأس العالم في البرازيل عام 2014.

وعلى الرغم من عدم توجيه أي اتهام شخصي مباشر ضد منصور بخصوص فضيحة 1MDB، وافقت اثنتان من شركاته عام 2023 على تسوية مالية مع ماليزيا بلغت 1.8 مليار دولار نتيجة الاتهامات بتسهيل عمليات الاحتيال.

أما يوسف العتيبة فلا يزال يشغل منصبه ويتمتع بحصانة دبلوماسية تحول دون ملاحقته قانونيًا. وفي المقابل، أدين خديم القبيسي في الإمارات بتهم تتعلق بالاحتيال ويقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة 15 عامًا. القبيسي كان قد شكى في مقابلة سابقة كيف أُلقيت عليه المسؤولية وحده، واصفًا نفسه بأنه مجرد “كبش فداء”.

ورفض كل من منصور والعتيبة والممثل ليوناردو دي كابريو الرد على أي أسئلة تتعلق بهذه الفضيحة. من جانب آخر، أبدى مسؤولون أميركيون شاركوا في التحقيقات إحباطهم بسبب تعثر التعاون القانوني مع الإمارات وعجزهم عن مساءلة منصور.

تؤكد كلير ريكاستل براون، مؤلفة كتابين حول فضيحة MDB1، أن الأدلة المتوفرة تُشير بوضوح إلى تورط منصور، لكنها ترى أن الجميع يتجنب التعامل معه أو الاقتراب من القضية.

وقد اعتبر منتقدون هذه الواقعة مثالًا واضحًا على الامتيازات التي يتمتع بها قادة الإمارات، حيث تتيح لهم ثرواتهم الهائلة غالبًا التهرب من مواجهة العواقب. كما أشارت ستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية المخضرمة التي ترأست بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، إلى سلوكهم بمقارنة أدبية مع الشخصيات الرئيسية في رواية “غاتسبي العظيم”.

وعلّقت ويليامز مستشهدة بمقتبس من الرواية الكلاسيكية الأمريكية: “يأتون لينشروا الفوضى بأموالهم ولامبالاتهم، ثم يتركون العبء على الآخرين لترتيب الفوضى التي خلفوها وراءهم.

كلمة السر: الخرطوم

عندما ساهم منصور في تمكين الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) من الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب السودان في عام 2021، أصيب المسؤولون الأميركيون بخيبة أمل كبيرة. كانوا قد تلقوا تأكيدات بأن المدنيين، وليس العسكريين، سيتولون زمام الحكم في البلاد. ومع ذلك، أيّدت الإمارات هذا الانقلاب واستقبلت الجنرال حميدتي بحفاوة رسمية في أبو ظبي.

كانت الإمارات تسير بخطى متسارعة لتصبح أحد أبرز اللاعبين الاقتصاديين في إفريقيا، متجاوزة حتى الصين في حجم الاستثمارات والصفقات. شركات مرتبطة بالعائلة الحاكمة ضخت مليارات الدولارات في مشاريع مثل المناجم، ومراكز البيانات، وائتمانات الكربون، ضمن استراتيجية لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط. وفي بعض دول إفريقيا ذات الأهمية الجيوسياسية، لعبت الإمارات دورًا خفيًا كمزوّد للأسلحة وصانع قرارات سياسية مؤثرة.

على سبيل المثال، دعمت محمد بن زايد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في عام 2021 عبر تزويده بطائرات مسيّرة، مما ساهم في تغيير مسار الحرب الأهلية لصالحه. وعندما انزلقت السودان إلى أتون حرب أهلية عام 2023، اختارت الإمارات دعم الجنرال حميدتي، حليف منصور، بشكل واضح.

وعلى الرغم من نفي الإمارات أي دعم مباشر لأي طرف في السودان، إلا أن دلائل ظهرت منذ الأيام الأولى للنزاع تشير إلى أن أبو ظبي كانت تقدم مأوى للجنرال حميدتي وتسلّح قواته. وفقًا لمسؤولين أميركيين، بدأ حميدتي رحلته في الإمارات حيث أقام في مكان آمن، مسجلاً خطابات مصوّرة لأنصاره في السودان. وفي مرحلة لاحقة، بُدئ مخطط سري لتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة عن طريق قاعدة جوية صحراوية في شرق تشاد.

يرى المسؤولون الأميركيون أن العلاقة بين حميدتي والإمارات تستند لثلاثة أسباب رئيسية: مشاركته إلى جانب القوات الإماراتية في اليمن؛ قيامه بأعمال تجارية مقرها الإمارات تتضمن بيع الذهب وشراء الأسلحة؛ وادعائه أنه خصم للجماعات الإسلامية.

وكشفت وكالات الاستخبارات الأميركية عبر تنصت هاتفي أن حميدتي كان على اتصال مباشر مع محمد بن زايد ومنصور، كما أشارت إلى مسؤول إماراتي ثالث كان يدير شبكة من الشركات الوهمية لتأمين التمويل والأسلحة لقوات الدعم السريع.

ورغم أن منصور بدا وكأنه قطع علاقاته العلنية مع حميدتي بعد اندلاع الحرب، إلا أن التواصل غير المباشر استمر. الإمارات نقلت أسلحة لقوات الدعم السريع عبر قاعدة جوية في تشاد تحت غطاء مستشفى ميداني تموله منظمتان خيريتان تخضعان لإشراف منصور بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعندما طُرحت تساؤلات حول هذه الادعاءات، رفضت المؤسستان الرد، فيما وصف المسؤولون الإماراتيون تلك المزاعم بأنها “طائشة ومؤذية”.

الإمارات ليست اللاعب الوحيد الذي يساهم في تغذية النزاع بالسودان. دول أخرى وقفت إلى جانب الجيش السوداني، الذي بدوره واجه اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب.

في عام 2024، حاول المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيريلو، مواجهة منصور بشأن دعمه لحميدتي خلال اجتماع عُقد في الإمارات بغرض تقليص التدخلات الخارجية. لكن منصور رفض الاتهامات قائلاً إن السعي لتحقيق السلام مسؤولية تقع على عاتق خصومه، بحسب مصادر أميركية.

محاكمة القرن

في أواخر عام 2023، وفي خطوة تعكس طموح الإمارات لتعزيز حضورها في الإعلام العالمي، أتمّ منصور صفقة بقيمة 600 مليون دولار للاستحواذ على صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية ذات التوجه المحافظ. ومع ذلك، سرعان ما تدخلت الحكومة البريطانية وأوقفت الصفقة بعد أقل من ستة أشهر من خلال تشريع جديد يحدّ من ملكية الصحف من قبل جهات أجنبية.

وأثار هذا القرار موجة من الجدل، حيث عبّر أحد النواب علنًا عن استحالة فصل بعض المصالح الإعلامية عن الدولة، بينما أبدت وزيرة الثقافة البريطانية، لوسي فرايزر، قلقها بشأن حرية التعبير ودقة تناول الصحف للأخبار.

وفي السياق ذاته، واجه منصور تحديات أخرى، أبرزها القضية الكبرى التي طالت نادي مانشستر سيتي في سبتمبر. حيث مثل النادي أمام لجنة تحكيم بلندن بشأن مزاعم مثيرة ارتبطت بسلسلة نجاحاته. تتهم رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز النادي بارتكاب 130 مخالفة لقواعد الدوريات، منها ضخ مئات الملايين من الدولارات من شركات إماراتية إلى خزائن الفريق، مع إخفاء تلك الأموال تحت غطاء صفقات رعاية وهمية. وقد وصفت وسائل الإعلام الرياضية البريطانية القضية بأنها “محاكمة القرن”.

تكتسب هذه القضية طبيعة حساسة على اعتبار أن الدوري الإنجليزي الممتاز يُعد من أهم الصادرات الثقافية لبريطانيا. وبالتالي فإن النزاع مع فريق منصور لا يقتصر على الجانب الرياضي فحسب، بل يمتد ليحمل أبعادًا سياسية واقتصادية واسعة.

التوترات بين الإمارات وبريطانيا حول تلك القضايا انعكست في اللقاءات الدبلوماسية. فخلال زيارة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، للإمارات العام الماضي، تمت مناقشة ملف القضية وفقًا لمصادر مطلعة. وأشار إيدي ليستر، المبعوث البريطاني السابق إلى الخليج، إلى أن المسألة أصبحت نقطة خلاف بارزة بين البلدين.

أما على الساحة الدولية، فقد زادت الانتقادات الموجّهة للإمارات في واشنطن بسبب دورها المزعوم في تأجيج الصراع السوداني. فقد أعرب الكونغرس الأمريكي عن قلقه المتزايد بشأن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال حميدتي. وأثناء جلسة تثبيت ماركو روبيو وزيرًا للخارجية في يناير، وجّه انتقادات حادة للإمارات واصفًا دعمها للجنرال بأنه خطر يؤدي إلى “إبادة جماعية”. كما طالب عدد من الديمقراطيين البارزين بفرض حظر على مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات حتى توقف دعمها للقوات المسلحة المرتبطة بحميدتي.

جاءت ذروة المخاوف الدولية في مايو بعدما استهدفت قوات الدعم السريع مستودعات الوقود ومحطات الكهرباء وآخر مطار دولي بالسودان باستخدام طائرات مسيّرة قوية. وأفاد مسؤولان أمريكيان بأن تلك الطائرات كانت مقدّمة من الإمارات.

لكن مع تصاعد الانتقادات ضد الإمارات، شهد الوضع تغيرًا مفاجئًا بعد أيام قليلة حين قام الرئيس ترامب بزيارة رسمية إلى البلاد. حظي ترامب بترحيب حافل في قصر الرئاسة بأبوظبي، ووقّع على صفقة ضخمة للذكاء الاصطناعي بقيمة 200 مليار دولار. وتضاف إلى ذلك تعهدات إماراتية باستثمارات تبلغ 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة.

وفي لقاء جمعه بالشيخ محمد بن زايد، وصف ترامب نظيره الإماراتي بأنه “رجل عظيم”، مشيرًا إلى شرفه لوجوده معه. وبينما جلس منصور بجانبهما خلال اللقاء، أعلنت شركة مبادلة التابعة لمنصور عن صفقة عملات رقمية مملوكة لعائلة ترامب بقيمة ملياري دولار، وهو مشروع من المتوقع أن يحقق أرباحًا هائلة للطرفين.

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news85926.html