2025/07/12
الإمارات وخططها العدوانية في أفريقيا: نفوذ دموي تحت ستار “التنمية”

لم تعد التقارير الدولية بحاجة إلى كثير من الجهد لكشف ما تحيكه أبوظبي في ظلال النزاعات والحروب الممتدة في أفريقيا، إذ أزاحت وكالة بلومبيرغ الستار عن جوانب خطيرة من المشروع الإماراتي في القارة السمراء يقوم على نفوذ دموي تحت ستار “التنمية”.

وقالت الوكالة إن مشروع أبوظبي بات يتجاوز حدود الاستثمار أو “المساعدات الإنسانية” المزعومة، ليتحول إلى شبكة لوجستية وعسكرية متكاملة، هدفها تعميق الانقسامات الداخلية في الدول الأفريقية، وفرض نفوذ إماراتي دموي على حساب دماء الشعوب ومستقبلها.

ونقل تقرير بلومبيرغ عن دبلوماسيين ومسؤولين إماراتيين تأكيدهم أن أبوظبي شرعت بالفعل في إنشاء شبكة لوجستية متعددة الأذرع حول السودان، تشمل مهابط طائرات ومستشفيات ميدانية، تُستخدم كغطاء لدعم عمليات قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الخصم اللدود للجيش السوداني في الحرب التي تطحن البلاد منذ أكثر من عام.

وإذا كان البعض يتساءل عن سر الإصرار الإماراتي على التدخل في السودان، فإن الإجابة باتت واضحة: السيطرة على مفاتيح النفوذ في واحد من أهم الممرات الجغرافية في أفريقيا، والتحكم في ثروات هائلة من الذهب والمعادن والزراعة والموانئ، وأيضاً توظيف النزاعات المحلية كورقة ضغط في التوازنات الإقليمية والدولية.

نفوذ إماراتي بوجه استثمارات

ما كشفه التقرير عن لقاء الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى ليس مجرد حوار دبلوماسي عابر.

فالصفقة التي عرضتها أبوظبي، وتتعلق باستثمارات ضخمة في قطاعات الدفاع والتعدين والزراعة، مقابل الحصول على حق استخدام مهابط الطائرات في المناطق الشرقية من البلاد، تؤكد أن الإمارات لم تعد تكتفي بتقديم المال أو بناء الطرق، بل تريد أقداماً على الأرض وقواعد جوية تمكنها من نقل الإمدادات سريعاً وسرياً، سواء كانت مساعدات عسكرية أو لوجستية أو حتى تهريباً للذهب والموارد.

الأخطر في الأمر أن هذه الاتفاقيات تُوقّع في دول ضعيفة المؤسسات، غارقة في الصراعات أو في قبضة أنظمة هشّة تحتاج إلى الدعم المالي والسياسي، ما يجعلها لقمة سائغة أمام نفوذ أبوظبي.

وتوقيع اتفاقية شراكة اقتصادية بين الإمارات وجمهورية أفريقيا الوسطى في مارس الماضي ليس سوى حلقة من مشروع أوسع يهدف إلى تحويل هذه الدول إلى نقاط ارتكاز لوجستية لخدمة أجندة الإمارات في السودان وفي منطقة الساحل والقرن الأفريقي برمته.

المستشفيات الميدانية: ستار للنفوذ العسكري

تقرير بلومبيرغ أشار إلى إنشاء الإمارات مستشفيات ميدانية على الحدود السودانية مع تشاد وجنوب السودان، في مشهد يبدو إنسانياً للوهلة الأولى، لكنه في حقيقته جزء من بنية تحتية لوجستية تغذي قوات الدعم السريع، سواء عبر تهريب أسلحة أو علاج جرحاهم أو تأمين مسارات تهريب الذهب والمعادن التي تسيطر عليها ميليشيا حميدتي في دارفور ومناطق أخرى.

ما تفعله أبوظبي ليس مجرد “تدخل خارجي” عادي، بل هو إصرار على ترسيخ مشروع نفوذ طويل الأمد، مبني على استخدام الفوضى والحروب كورقة سياسية واقتصادية. وهذا النموذج سبق أن رأيناه في ليبيا واليمن، حيث خلقت الإمارات ميليشيات موازية للجيوش الوطنية، تغذيها بالسلاح والمال، وتغطي على تحركاتها بشعارات “التنمية” و”مكافحة الإرهاب”.

وفي خضم هذه التحركات، تشهد العلاقات السودانية-الإماراتية تدهوراً غير مسبوق، بعد اتهامات رسمية من الخرطوم لأبوظبي بالتدخل في شؤونها الداخلية، والعمل على تبييض صورة قوات الدعم السريع أمام المجتمع الدولي، ومنع إدانتها كطرف متمرد ضد الدولة السودانية.

أشد ما يثير الريبة في سلوك الإمارات أنها تحاول تحريك المواقف الدولية، حتى داخل المنظمات متعددة الأطراف مثل حركة عدم الانحياز، لحذف أي إشارات تدين الدعم السريع أو تعبر عن التضامن مع الحكومة السودانية.

هذا ما كشفته وزارة الخارجية السودانية، التي اتهمت الإمارات صراحة بمحاولة تشكيل حكومة موازية خاضعة لحميدتي، ما يعني ببساطة تقسيم السودان إلى بلدين على غرار ما حدث في ليبيا واليمن بدعم إماراتي مماثل.

والأدهى أن الإمارات تحاول تسويق نفسها كفاعل “محايد” في السودان، رغم أن يدها غارقة في الصراع حتى العظم. فهي تواصل نفي تقديم أي دعم عسكري لطرف على حساب الآخر، لكن الواقع والتقارير الدولية يفندان ذلك النفي، إذ بات واضحاً أن كل منشأة إماراتية في محيط السودان قد تكون نقطة إمداد أو نقل لصالح الدعم السريع.

طموح إماراتي يتجاوز السودان

لا يقف الطموح الإماراتي عند حدود السودان أو جمهورية أفريقيا الوسطى. فالإمارات تشن حملة توسع غير مسبوقة في القارة الأفريقية، تستغل فيها حالة السيولة الأمنية وضعف الدول والمؤسسات، لكي تتحول إلى رقم صعب في معادلات الثروات الطبيعية، وخطوط الممرات الملاحية، والنفوذ العسكري.

ما تسميه الإمارات “استثمارات” ليس سوى أداة ناعمة لإحكام قبضتها على القرار السيادي لدول أفريقيا. إذ تُضخ مليارات الدولارات في قطاعات الطاقة والعقارات والخدمات، لكن الوجه الآخر لتلك الأموال هو بناء قواعد نفوذ عسكري واستخباراتي، تتيح لها التدخل في الصراعات أو تأجيجها أو إطالة أمدها متى اقتضت مصلحتها.

وما يحدث في السودان اليوم هو برهان دامغ على تلك الاستراتيجية: فبينما يُقتل آلاف المدنيين ويُهجّر الملايين، تعمل الإمارات على تحويل تلك المأساة إلى فرصة للاستثمار في النفوذ والذهب والموانئ، حتى لو كان الثمن تقسيم السودان وتحويله إلى دولة فاشلة.

وعليه باتت الإمارات لاعباً بالغ الخطورة في أفريقيا، يخلط بين المال والميليشيات، بين المساعدات الإنسانية والأسلحة، وبين الاستثمار والسيطرة السياسية. وما كشفته بلومبيرغ ليس سوى قمة جبل الجليد في مشروع إماراتي يريد تحويل القارة السمراء إلى ملعب نفوذ إماراتي، ولو على حساب الدماء والجثث والخراب.

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news86067.html