2025/07/18
جامعة العلوم بصنعاء .. صرح علمي دمرته مليشيا الحوثي (شهادات بلا قيمة)

في مشهد يعكس فصول مأساة التعليم العالي في اليمن، باتت جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء، التي كانت يوماً منارة للعلم والابتكار، ترزح اليوم تحت وطأة عبث ميليشيا الحوثي، لتتحول من صرح أكاديمي إلى واجهة تخدم أجندات طائفية وسياسية. تتصاعد التحذيرات من تداعيات هذا الانقلاب على مستقبل آلاف الطلاب الذين باتت شهاداتهم، الصادرة من جامعة "مختطفة"، بلا قيمة حقيقية في ميزان الاعتراف المحلي والدولي.

 

وفي تحذير شديد اللهجة، جدّدت جامعة العلوم والتكنولوجيا في العاصمة المؤقتة عدن، الأسبوع الماضي، رفضها القاطع لما وصفته بـ"الأكاذيب والمزاعم" المتداولة بشأن إعادة الاعتراف بفروعها الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، مؤكدة أن كل ما يُروّج في هذا السياق "عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلًا"، ولا يعدو كونه محاولة للتضليل والإرباك الأكاديمي للطلاب وأولياء الأمور.

 

وشددت الجامعة في بيان لها، على أن قرار مجلس الأمناء الصادر في سبتمبر 2020، وما تلاه من قرار وزارة التعليم العالي رقم (6) لسنة 2021، قد نصّا بوضوح على نقل المركز الرئيسي للجامعة من صنعاء إلى عدن، وإلغاء الاعتراف بمخرجات المركز السابق في صنعاء، إضافة إلى فروع الحديدة وإب وتعز (الحوبان)، بعد أن استولت عليها مليشيا الحوثي بالقوة.

 

لا صلة قانونية أو أكاديمية بفروع الحوثيين :

 

وأكدت إدارة الجامعة أنها لا تعترف بأي من مخرجات الفروع الخاضعة للحوثيين، وأنها تُخلي مسؤوليتها الأكاديمية والقانونية من أي تعاملات أو شهادات صادرة عنها بعد تاريخ نقل المركز الرئيسي.

 

وأضافت أن هذه الكيانات تعمل خارج إطار القانون، محذرة الطلاب من الانجرار وراء الشائعات التي تروّج لاعتراف مزعوم بتلك الفروع.

 

ولفتت الجامعة إلى أن الشهادات التي تصدر عن فروع صنعاء والحديدة وإب وتعز (الحوبان) غير معترف بها محليًا أو دوليًا، كونها تصدر من جهات تفتقر للشرعية ولا ترتبط بالمركز الرئيسي في عدن بأي صفة قانونية أو أكاديمية.

 

 تسييس العملية التعليمية:

 

الاختطاف الممنهج والتدمير المعلن

لم يكن دخول ميليشيا الحوثي إلى حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء مجرد "استحواذ إداري"، بل كان بداية لمسلسل تدمير ممنهج، وفق ما يؤكده مراقبون وأكاديميون. فمنذ أن امتدت يد الميليشيا إلى الجامعة، بدأ العبث بتغيير المناهج وتسييس البرامج التعليمية، وتحويل القاعات الدراسية إلى "منصات تعبئة وتحشيد للجبهات"، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الأكاديمية والتربوية.

 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالجامعة التي كانت ذات يوم تستقطب آلاف الطلاب الباحثين عن العلم، تحولت مبانيها إلى "مقرات طائفية ومعارض لأسلحة إيرانية"، في مشهد عبثي لا يمت للتعليم بأي صلة. لقد زرعت الميليشيا فكرها الطائفي في قاعات العلم، وأدخلت مواد عقائدية "لا علاقة لها بالمعرفة ولا بالفكر الأكاديمي"، متجاوزة كل الضوابط.

 

*الشهادات أداة للولاء.. والأكاديميون خارج المشهد*

 

الأخطر من ذلك، هو ما وصلت إليه "قيمة" الشهادات الجامعية. فبحسب شهادات داخلية ومصادر موثوقة، تم تحويل الشهادات إلى "أداة للترضية والولاء"، حيث تم توزيع الدرجات العلمية والألقاب الأكاديمية على قيادات الميليشيا "بصورة عشوائية، ودون أي التزام بمعايير الاعتماد أو التحصيل العلمي".

 

أما القرار الأكاديمي، فقد "اختُطف من أيدي التربويين والمختصين، ليُسلَّم إلى شخصيات لا تمتلك أدنى مؤهلات الإدارة أو الفهم الأكاديمي"، مما حول الجامعة إلى أداة بيد الميليشيا، تمارس من خلالها هيمنتها على قطاع التعليم العالي، وتقوض ما تبقى من ثقة بمؤسسات الدولة.

 

*نداءات عدن وصدمة الواقع:*

 

في ظل هذا الواقع المأساوي، أصبح من الطبيعي والمبرر، بحسب مراقبين، إلغاء الاعتراف الداخلي والخارجي بالشهادات الصادرة عن الجامعة. والضحية الأكبر هم الطلاب، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مهب الريح، يواجهون مستقبلًا مجهولًا.

 

لكن الصدمة الأكبر، هي أن هذا الوضع لم يكن مفاجئاً للكثيرين. فجامعة العلوم والتكنولوجيا – المركز الرئيسي في عدن، قد أطلقت نداءات وتحذيرات متكررة، "بوضوحٍ لا يحتمل التأويل"، منذ سنوات. ففي أكتوبر 2021، أعلنت الجامعة الشرعية في عدن تبرأها من كل الشهادات الصادرة من صنعاء، وأتاحت "فرصة نهائية للطلبة للانتقال أو تسوية الأوضاع".

 

وقد جاء هذا التحذير بعدما "حوّلت ميليشيا الحوثي مبنى أكبر جامعة خاصة نهبتها في صنعاء إلى معرض للأسلحة الحوثية المستوردة معظمها من إيران"، في إشارة واضحة إلى تحويل الصرح الأكاديمي إلى ثكنة عسكرية.

 

*خياران ومستقبل معلق*

 

كان أمام الطلاب خياران لا ثالث لهما: "إما النجاة عبر بوابة عدن، حيث المركز الرئيسي والشرعي المعترف به محليًا ودوليًا، أو المضي في طريق الإنكار والانتظار". اليوم، ومع إغلاق الأبواب أمام حاملي شهادات "صنعاء المختطفة"، يرتفع صوت البكاء، لكنه "بكاء بلا صدى"، فـ "التاريخ لا يرحم من يُنكر الحقيقة، ولا يعذر من تجاهل النداء".

 

الجامعة الشرعية في عدن، أكدت أنها "احتضنت طلابًا كثيرين أعادوا بناء مستقبلهم من جديد" بعد أن أعلنت في سبتمبر 2021 نقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن، بعد أن ظلت تخضع للابتزاز والاستيلاء على جزء كبير من مواردها. هذا القرار كان ضرورة لحماية الجامعة والحفاظ على شرعيتها ومكانتها الأكاديمية.

 

*جريمة ضد التعليم والهوية:*

 

التقرير يختتم بالتأكيد على أن ما جرى في جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء ليس مجرد "انحراف إداري"، بل "جريمة متكاملة الأركان ضد التعليم والهوية الوطنية، يجب أن تُحاكم أخلاقيًا وتاريخيًا". ويبقى السؤال معلقاً: هل سيتعلم الطلاب من الدرس، أم أنهم سيستمرون في السير خلف السراب، حاملين شهادات "تئن تحت وطأة الخداع والكذب والتظليل"؟

 

 

 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news86141.html