2025/09/16
اليمن والانفصاليون: حين تتخلى الشرعية عن شرعيتها!

 

عادل الشجاع 

في الوقت الذي تقف فيه الدول التي تحترم نفسها حزما وصلابة أمام كل محاولة لتفتيت وحدة أراضيها، نجد ما يسمى بـ”الشرعية اليمنية” تمارس النقيض تماما: تتحالف، تتفاوض، وتمنح الشرعية السياسية والعسكرية لحركات انفصالية مسلحة، في خيانة واضحة للدستور، وابتعاد تام عن دورها الأساسي كسلطة مؤتمنة على وحدة الوطن وسلامة أراضيه!.

 إسبانيا: مثال لدولة تحمي دستورها

حين أعلنت حكومة كتالونيا نيتها إجراء استفتاء على الانفصال عام 2017، لم تتوان الدولة الإسبانية لحظة واحدة عن اتخاذ موقف قانوني صارم، فالمحكمة الدستورية أبطلت الاستفتاء قبل أن يُجرى، والسلطات المركزية أوقفت العملية السياسية بقوة القانون، وقادة الانفصال حوكموا بتهم مثل العصيان وسوء استخدام المال العام، والدولة رفضت الاعتراف بأي نتيجة للاستفتاء..

لم يكن ذلك تشددا سياسيا كما يروج البعض، بل كان تنفيذا واضحا لما نص عليه الدستور الإسباني في مادته الثانية: “إسبانيا دولة موحدة، لا تقبل التجزئة”، لقد تصرفت إسبانيا كدولة تعرف ما تعنيه السيادة والدستور والشرعية..

 في المقابل، ننظر إلى “الشرعية” اليمنية، فنجد موقفا يثير الاشمئزاز، لا الحيرة فقط، حركة المجلس الانتقالي الجنوبي، التي:
 ترفع علما غير علم الجمهورية اليمنية،
 تطالب بانفصال الجنوب صراحة،
 تملك ميليشيات مسلحة خارج مؤسسات الدولة،
 سيطرت بالقوة على العاصمة المؤقتة عدن في انقلاب واضح عام 2019، وتحولت، بقدرة قادر، إلى شريك في الحكومة!.

وذلك بموجب ما يسمى “اتفاق الرياض”، الذي لم يعرض على الشعب، ولا على البرلمان، ولا على أي مؤسسة شرعية تملك الحق في تقرير مصير البلد..

الدستور اليمني (النافذ حتى اليوم) يجرم أي دعوة للانفصال أو المساس بوحدة الجمهورية اليمنية، وينص في مادته الأولى أن “الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ”، ومع ذلك، تتعامل الشرعية مع المجلس الانتقالي وكأنه مكون سياسي طبيعي، وليس كيانا مسلحا انقلابيا ينازع الدولة سلطتها ويهدد بنيانها، مثله مثل عصابة الحوثي الانقلابية..

الشرعية لا تمنح فقط من المجتمع الدولي، بل تستمد من التزام الدولة بدستورها وحماية سيادتها ووحدة أراضيها، وحين تتخلى سلطة ما عن هذه المبادئ، فإنها تفقد شرعيتها الحقيقية، ولو بقيت تسمي نفسها “الشرعية” ألف عام، فالشرعية التي تتقاسم الحكومة مع دعاة الانفصال، لم تعد شرعية، بل سلطة تحت الوصاية، تدار من الخارج وتساوم على الداخل، والشرعية التي تصمت على أعلام غير وطنية ترفع في عدن والمكلا، والتي تسلم المناصب لمليشيات، هي شرعية مشبوهة، تتاجر بوحدة اليمن مقابل البقاء..

في النهاية، لا يمكن الحديث عن تفكك الدولة اليمنية دون الإشارة الصريحة إلى خيانة النخب السياسية تلك التي سميت زورا “قادة”، وهي في الحقيقة أدوات مأجورة أو عاجزة تخلت عن الثوابت الوطنية مقابل البقاء في الصورة، ولو على حساب صورة الوطن نفسه!.

لقد تنازلت هذه النخب عن الدستور، والسيادة، والهوية الوطنية، وتهاونت في أخطر الملفات المصيرية: وحدة البلاد وسلامة أراضيه، وهي بذلك أسقطت آخر مبررات وجودها السياسي والقانوني، فمن لا يحمي الثوابت، لا حق له في تمثيل أحد..

الوحدة ليست وجهة نظر، والدستور ليس ورقة تفاوض، من يساوم على الوطن، فقد شرعيته، وتاريخه، ومستقبله، ومن لا يرى في الانفصال خطرا، فهو إما متورط، أو جاهل، أو بلا انتماء..

إن النخب التي ارتضت أن تكون ديكورا في حكومة مشتركة مع دعاة التقسيم والانقلاب، قد فقدت مبرر بقائها، وسينظر إليها الشعب والتاريخ يوما كجزء من الكارثة، لا من الحل، فالوطن لا يبنى بالخضوع، ولا يحمى بالصمت، ولا يورثه الجبناء..

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news86691.html