2025/10/07
تقرير ودراسة استقصائية تفضح المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرة عبدالكوري اليمنية(وثائق حصرية)

 

اصدر مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية اليوم تقرير ودراسة  تفضح المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرة عبدالكوري اليمنية(وثائق حصرية) 

‎تعتمد هذه الدراسة على مقاربة متعددة المصادر، تجمع بين البحث الميداني والتحليل الوثائقي والجيوسياسي، بالإضافة إلى توظيف تقنيات الاستشعار عن بُعد.
‎يبدأ العمل بتحليل الوثائق والتقارير المسربة، بما في ذلك وثائق رسمية صادرة عن مؤسسسة خليفة الخيرية ، مع إخضاعها للتحقق النقدي الداخلي والخارجي، ومقارنتها بمصادر مستقلة أخرى.
 
 
‎كما تستند الدراسة إلى شهادات السكان المحليين التي كشفت عن تضييقات في النشاط البحري وبناء مرافق ذات طبيعة عسكرية.
‎وقد أُدرج التحليل الجيوسياسي لوضع عبدالكوري ضمن الإطار الأكبر للبحر الأحمر والمحيط الهندي، ودراسة أبعاد التحالف الإماراتي–الإسرائيلي 

‎إن العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني تظهر في عبدالكوري بأوضح صورها: الإمارات توفر الغطاء المحلي والوجوه التنفيذية والموارد المالية، فيما يمدّ الكيان شبكته الاستخبارية والتقنية، في عملية تكاملية تستهدف البحر الأحمر ككل. من يظن أن ما يجري مجرد "نفوذ إماراتي" يخطئ التقدير؛ الحقيقة أن عبدالكوري صارت منصة أمامية للكيان، يطل منها على خطوط الملاحة العالمية ويضع عينه على مصر والسعودية والقرن الأفريقي في آن واحد.
نص الدراسة  

راسة:  تفضح المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرة عبدالكوري اليمنية(وثائق حصرية) 
المقدمة.
 
جزيرة عبدالكوري ليست مجرد نقطة جغرافية على هامش الأطلس، ولا هي جزيرة منسية في أقصى الجنوب اليمني يمكن أن يتجاهلها التاريخ. إنها اليوم واحدة من أكثر بقاع الأرض إفصاحًا عن طبيعة المشروع الإماراتي في اليمن، وعن الدور الخفي الذي يربط أبوظبي بالكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر.
 
في هذه الجزيرة الصغيرة، التي تتناثر حولها الطيور المهاجرة وتتشابك فيها الشعاب المرجانية، تتقاطع خرائط القوى الكبرى، وتنكشف أحلام السيطرة في أوضح صورها.
 
لقد اعتادت القوى الاستعمارية أن تبدأ من الأطراف: من الجزر النائية التي تبدو بلا قيمة لأول وهلة، لتصوغ منها مرتكزات للهيمنة. وما تفعله الإمارات اليوم في عبدالكوري هو استنساخ حديث لتلك الوصفة القديمة. لكن الفارق أن المشروع هذه المرة لا يُدار بعقل إماراتي صرف، بل تحت عين إسرائيلية تراقب البحر وتخطط للمضائق والممرات البحرية كما لو أنها مسألة بقاء وجودي.
 
عبدالكوري ليست هدفًا بذاتها؛ إنها حجر الزاوية في شبكة نفوذ تمتد من القرن الأفريقي إلى باب المندب، مرورًا بسقطرى والمياه العميقة في المحيط الهندي.
هنا، تحولت "المساعدات الإنسانية" إلى ستار كثيف يخفي وراءه أكبر عملية إعادة تشكيل جغرافي–عسكري يشهدها اليمن منذ عقود. مؤسسة خليفة بن زايد الخيرية التي دخلت الجزيرة محمّلة بالطحين والدواء، تخرج منها وقد رسمن خرائط قواعد عسكرية، ومواقع رادارات، ومدارج للطائرات المسيّرة.
 
إن العلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني تظهر في عبدالكوري بأوضح صورها: الإمارات توفر الغطاء المحلي والوجوه التنفيذية والموارد المالية، فيما يمدّ الكيان شبكته الاستخبارية والتقنية، في عملية تكاملية تستهدف البحر الأحمر ككل. من يظن أن ما يجري مجرد "نفوذ إماراتي" يخطئ التقدير؛ الحقيقة أن عبدالكوري صارت منصة أمامية للكيان، يطل منها على خطوط الملاحة العالمية ويضع عينه على مصر والسعودية والقرن الأفريقي في آن واحد.
 
لكن الأخطر من كل ذلك هو أن المشروع لا يكتفي بالسيطرة العسكرية. إنه يسعى إلى سلخ المكان من ذاكرته: تحويل عبدالكوري من جزيرة صيادين إلى ثكنة مغلقة، من بيئة حية إلى جغرافيا مصطنعة تخدم وظيفة واحدة هي المراقبة والتحكم. بهذا المعنى، عبدالكوري لم تعد مجرد جزيرة محتلة؛ إنها جرح مفتوح في جسد اليمن، جرح يفضح كيف يمكن لدولة صغيرة مثل الإمارات أن تتحول إلى أداة تنفيذية لمشروع استيطاني بحري، يتجاوز حدودها الضيقة ويعكس شراكة بنيوية مع الكيان.
 
فإذا كانت سقطرى قد كشفت مبكرًا طموح الإمارات في الاستحواذ على الجزر اليمنية، فإن عبدالكوري اليوم تكشف الوجه الأخطر لذلك الطموح: الطموح الذي لا يكتفي بالسيطرة على الأرض، بل يضع البحر الأحمر كله تحت مقصلة الهندسة الجيوسياسية. ومن هنا، يصبح السؤال الذي تفتحه هذه الدراسة ليس فقط: "ماذا تفعل الإمارات في اليمن؟"، بل: "أي مشروع تُدخله مع إسرائيل إلى قلب البحر الأحمر؟ وأي مستقبل يُرسم لليمن والمنطقة من خلال جزيرة صغيرة بدت لقرون على هامش الخرائط، فإذا بها اليوم في قلب الصراع الكوني على الممرات والبحار؟"
 
فالجزيرة تقع على تخوم باب المندب والقرن الأفريقي، في موقع يربط بين البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر، وهو موقع جعلها في مدار القوى المتطلعة إلى السيطرة على الممرات المائية الحيوية. هذه الأهمية لم تكن جديدة في التاريخ، إذ لطالما كانت المضائق البحرية نقاط جذب للتوسع والنفوذ، لكنها اليوم تكتسب بعداً إضافياً في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، حيث يتقاطع الصراع على الطاقة والتجارة العالمية مع تنافس المشاريع الإقليمية والدولية.
 
الوثائق التي نتناولها في هذه الدراسة لا تسجل فقط تفاصيل لوجستية أو مالية، بل تكشف عن خطة متكاملة تسعى إلى إعادة تشكيل الجزيرة ومحيطها عبر مزيج من الأدوات: عسكرية وأمنية من جهة، وإنسانية وتنموية من جهة أخرى. وهو ما يعكس تحوّل "القوة الناعمة" إلى أداة مساندة للمشروع العسكري، بما يتيح دمج السكان المحليين في معادلة النفوذ الجديد.
إن ما يجري في عبد الكوري لا يمكن عزله عن السياق الأوسع للصراع في البحر الأحمر والمحيط الهندي، ولا عن التحالفات المستجدة بعد "اتفاقيات أبراهام"، ولا عن سباق القوى الدولية لتأمين موطئ قدم في مناطق المرور البحري الحرجة. ولذلك فإن دراسة هذه الوثيقة تمثل مدخلاً لفهم ديناميكيات أعمق: كيف تتحرك القوى الصاعدة والكبرى لإعادة صياغة موازين القوة، وكيف تتحول جزيرة صغيرة إلى عقدة مركزية في شبكة واسعة من الصراع والتنافس الاستراتيجي.
 
 
 
منهجية الدراسة
 
تعتمد هذه الدراسة على مقاربة متعددة المصادر، تجمع بين البحث الميداني والتحليل الوثائقي والجيوسياسي، بالإضافة إلى توظيف تقنيات الاستشعار عن بُعد.
يبدأ العمل بتحليل الوثائق والتقارير المسربة، بما في ذلك وثائق رسمية صادرة عن مؤسسسة خليفة الخيرية ، مع إخضاعها للتحقق النقدي الداخلي والخارجي، ومقارنتها بمصادر مستقلة أخرى.
 
 
كما تستند الدراسة إلى المصادر الإعلامية والميدانية عبر تقارير صحفية محلية ودولية، إضافة إلى شهادات السكان المحليين التي كشفت عن تضييقات في النشاط البحري وبناء مرافق ذات طبيعة عسكرية.
وقد أُدرج التحليل الجيوسياسي لوضع عبدالكوري ضمن الإطار الأكبر للبحر الأحمر والمحيط الهندي، ودراسة أبعاد التحالف الإماراتي–الإسرائيلي وانعكاساته على الأمن الإقليمي.
ولم يقتصر البحث على الحاضر فقط، بل استعان بالمقارنة التاريخية من خلال مراجعة خبرات الاستعمار البريطاني والفرنسي ومقارنتها بالممارسات الراهنة.
أما الصور الجوية وصور الأقمار الصناعية فقد شكّلت أداة مركزية، حيث تم تحليل صور مفتوحة المصدر لرصد التغيرات المكانية والبنية التحتية التي ظهرت بعد 2015، مثل إنشاء مدارج للطائرات وبناء مرافق جديدة وعمليات بسط ساحلية، وهو ما عزز مصداقية الشهادات الميدانية.
وقد اعتمد الإطار النظري للدراسة على مفاهيم الجيوبوليتيك والأمن البحري والوكيل الإقليمي، لفهم الدوافع الاستراتيجية وتفسير طبيعة المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في الجزيرة.
 
أهداف الدراسة
 
تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن طبيعة المشروع الإماراتي في الجزر اليمنية من خلال التركيز على جزيرة عبدالكوري كنموذج يوضح كيف يُستخدم الغطاء الإنساني (الهلال الأحمر) في إنشاء قواعد عسكرية واستخباراتية.
كما تسعى إلى تحليل الشراكة الإماراتية–الإسرائيلية في البحر الأحمر وإبراز كيفية عمل الإمارات كوكيل إقليمي ينفذ مشروعًا أوسع يخدم الكيان الصهيوني في تثبيت نفوذه البحري وتأمين خطوط الملاحة.
وتعمل الدراسة على توثيق التغييرات المكانية والبشرية في جزيرة عبدالكوري بالاعتماد على الصور الجوية وصور الأقمار الصناعية والشهادات الميدانية لرصد التحولات التي طرأت على الجزيرة وسكانها.
وتهدف كذلك إلى وضع حالة عبدالكوري ضمن السياق الجيوسياسي للبحر الأحمر، لتوضيح أن ما يحدث ليس حدثًا محليًا منعزلًا بل جزء من صراع دولي يمتد من القرن الأفريقي إلى المحيط الهندي.
كما تبرز أوجه التشابه بين الممارسات الحالية والأنماط الاستعمارية السابقة للبريطانيين والفرنسيين في المنطقة.
وتسعى لتقييم المخاطر والانعكاسات المباشرة على السيادة اليمنية والبيئة الطبيعية والأمن الإقليمي والدولي.
وأخيرًا، تقدم توصيات عملية للباحثين وصنّاع القرار والناشطين، من خلال آليات مواجهة المشروع عبر الوسائل القانونية والإعلامية والسياسية.
 
 
تقدم هذه الدراسة تحليلاً شاملاً ومتعدد الأبعاد لوثيقة "إضبارة العمليات التي تمت لإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة عبده كوري"[الوثيقة المرفقة - رابط مباشر آمن]، والتي تكشف عن مشروع استراتيجي يهدف إلى تأسيس وجود عسكري في موقع حيوي من الناحية الجيوسياسية. الوثيقة صادرة عن "المندوب العام للمؤسسة في اليمن"، وتشير إلى تنسيق رفيع المستوى بين خبراء إماراتيين، أمريكيين، وإسرائيليين. الهدف المعلن هو تحويل الجزر اليمنية إلى قواعد عسكرية، مع التركيز بشكل خاص على جزيرة عبد الكوري نظراً لموقعها الاستراتيجي المطل على القرن الأفريقي ومضيق باب المندب.
 
تمثل الوثيقة دليلاً على تخطيط دقيق ومتعدد الأوجه، يجمع بين العمل العسكري المباشر، والأنشطة الاستخباراتية، والمبادرات التنموية لكسب ولاء السكان المحليين، وتأمين المصالح طويلة الأمد في المنطقة. يكشف التقرير عن شبكة معقدة من العمليات اللوجستية والمالية والإدارية التي تم تنفيذها على مدار عدة أشهر، مما يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الأطراف المعنية لهذا المشروع. تمتد الأنشطة الموثقة من المسوحات الميدانية والفحوصات الجوية والمساعي الدبلوماسية، إلى بناء المنشآت وتجنيد القوات المحلية وتوزيع المساعدات.
 
يبرز التقرير أيضاً الدور المحوري لـ "مؤسسة خليفة" في تمويل وتنفيذ العديد من هذه الأنشطة، مما يشير إلى استخدام الواجهات الإنسانية والتنموية كغطاء لتسهيل الأهداف العسكرية والسياسية. إن فهم محتويات هذه الوثيقة يوفر رؤية عميقة حول ديناميكيات القوة في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن، وكيفية تشابك المصالح الدولية والإقليمية لتحقيق السيطرة والنفوذ في الممرات المائية الحيوية. الوثيقة ليست مجرد سجل للعمليات، بل هي شهادة على استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة.
 
تعتبر جزيرة عبد الكوري، محور هذا المشروع، موقعاً ذا أهمية استراتيجية فائقة. تتبع الجزيرة إدارياً محافظة أرخبيل سقطرى في اليمن، وهي ثاني أكبر جزر الأرخبيل بمساحة تبلغ حوالي 133 كيلومتراً مربعاً. موقعها الجغرافي هو ما يمنحها هذه الأهمية الاستثنائية؛ فهي تقع في قلب المنطقة التي تربط بين جزيرة سقطرى والقرن الأفريقي، وتشرف مباشرة على مضيق باب المندب وخليج عدن. تبعد الجزيرة 107 كيلومترات عن القرن الأفريقي و89 كيلومتراً عن مضيق غواردافوي، مما يجعلها نقطة مراقبة وتحكم مثالية
 
 
 
 
 
اضغط هنا لفتح الخريطة التفاعلية لعبدالكوري
 
هذا الموقع يسمح بالسيطرة على خط الملاحة البحري الممتد من شمالي بحر العرب، مروراً بباب المندب، وصولاً إلى البحر الأحمر. يمر عبر هذا الممر المائي أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً، وما يقارب 14% من إجمالي التجارة العالمية، مما يجعله شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي. السيطرة على هذه النقطة تعني القدرة على التحكم في حركة التجارة والطاقة، وتوفر ميزة عسكرية لا تقدر بثمن. طبيعة الجزيرة الصخرية، والتي تتكون من صخور جرانيتية وديوريتية مغطاة بالحجر الجيري، توفر أساساً صلباً لإنشاء بنى تحتية عسكرية متينة.
 
على الرغم من أن بنيتها التحتية متواضعة وتفتقر للخدمات الحكومية، إلا أن هذا العزلة النسبية تجعلها موقعاً مثالياً لإنشاء قاعدة عسكرية بعيداً عن الأنظار والتعقيدات السياسية للمناطق المأهولة بكثافة. كما أن اعتماد سكانها البالغ عددهم حوالي 974 فرداً بشكل كبير على صيد الأسماك يجعلهم أكثر قابلية للتأثر بالمساعدات والمشاريع التنموية التي تقدمها الجهات الخارجية، مما يسهل عملية كسب ولائهم وضمان تعاونهم. تشير الوثيقة إلى أن إنشاء القاعدة العسكرية في عبد الكوري لا يخدم فقط الأهداف العسكرية المباشرة، بل يهدف أيضاً إلى إضعاف محاولات تركيا وقطر لإنشاء قواعد عسكرية منافسة في المنطقة، مما يضيف بعداً آخر للصراع الإقليمي على النفوذ.
 
تكشف الوثيقة عن خطة عمل مفصلة ومجدولة زمنياً تم تنفيذها على عدة مراحل، بدءاً من اللقاءات الأولية في أغسطس 2020. أسفرت هذه اللقاءات، التي جمعت بين القيادة الإماراتية والخبراء الإسرائيليين والأمريكيين، عن توقيع "اتفاقيات أبراهام" التي شكلت الإطار السياسي للتعاون. تم الاتفاق على إنشاء مرافق عسكرية واستخباراتية في الجزيرة، وبدأ العمل الفعلي في المشروع مع بداية عام 2021. الخطوة الأولى تمثلت في التنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على سقطرى، لضمان تأمين الجزيرة وتسهيل دخول المعدات والأفراد. تم ذلك بعد معارك محدودة، حيث تم استبدال قيادة اللواء الأول مشاة بحري الموالي للحكومة اليمنية بقيادة موالية للمجلس الانتقالي.
 
بعد ذلك، تم التنسيق مع مجموعة "انترأكشن" الأمنية (Interaction's Security Group) لتوفير الاستشارات الأمنية المتعلقة بالأمان الدولي والإقليمي في سقطرى وعبد الكوري أثناء مدة إنشاء القاعدة. الخطوة الثانية كانت زيارة فريق مشترك من مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي للجزيرة في مارس 2020، بهدف تقييم الأوضاع الخدمية والمعيشية للسكان وتعزيز الاستقرار. هذه الزيارة كانت تمهيدية لزيارات لاحقة تهدف إلى استيعاب المتغيرات الجديدة. الخطوة الثالثة ركزت على الجانب الإنساني، حيث تم إجراء إحصاء خاص لسكان الجزيرة ودراسة متطلباتهم التنموية، وتوزيع مساعدات غذائية على 974 فرداً من سكان الجزيرة. كما تم تشكيل لجنة محلية من أبناء الجزيرة لإدارة المعونات وتوزيعها. هذه الخطوات الإنسانية كانت تهدف إلى كسب ود السكان المحليين وتهيئتهم لقبول المشروع العسكري.
 
الخطوة الرابعة تضمنت تنفيذ عدد من المشاريع التنموية والبنية التحتية شبه المنعدمة في الجزيرة، مثل توفير المعدات والأجهزة لوحدة صحية، وبناء محطة مياه، وتوزيع 12 ماكينة خياطة لنساء الجزيرة، وإنشاء 65 وحدة سكنية، وإمداد شبكة اتصالات إماراتية، وترميم مدرسة الجزيرة، ودعم الصيادين. هذه المشاريع، التي تم تمويلها من جهات خاصة ومؤسسة خليفة، كانت جزءاً من استراتيجية القوة الناعمة لكسب القبول الشعبي. الخطوة الخامسة، وهي جوهر المشروع، تمثلت في بدء أعمال إنشاء القاعدة العسكرية في الأول من يناير 2021. شملت هذه الأعمال توسيع مطار "حديبو" في سقطرى، والاتفاق مع شركة "Mifram Company" لتنفيذ عدد من مشروعات القاعدة، والاتفاق مع مؤسسة "Corps Mercy" الدولية لتقديم الدعم الإضافي. كما تم تزويد مهبط الطائرات المروحية في حديبو بمعدات لازمة، ونقل الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين من سقطرى إلى عبد الكوري، وتوسيع مركز الحاسبة وتوفير المعدات المطلوبة.
 
تقدم الوثيقة تفصيلاً دقيقاً للنفقات المالية المرتبطة بالمشروع، والتي تعكس حجم الاستثمار وتنوع الأنشطة. يمكن تقسيم هذه النفقات إلى عدة فئات رئيسية، كما هو موضح في الجداول التالية. الفئة الأولى تتعلق بالمعونات والأعمال اللوجستية الأولية، والتي شكلت حجر الزاوية في كسب قبول المجتمع المحلي. أما الفئة الثانية فتتعلق بتجنيد وتدريب القوات المحلية، وهو ما يمثل استثماراً في بناء قوة أمنية موالية تضمن استدامة المشروع. الفئة الثالثة تشمل المشاريع التنموية والبنية التحتية، والتي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان وتقديم دليل ملموس على "فوائد" التعاون مع القائمين على المشروع.
 
جدول المصروفات التشغيلية للجنة المعونات (يناير - يوليو 2021)
 
التاريخ
البند
التكلفة (درهم إماراتي)
10/01/2021
استئجار مخزن أهلي لمدة شهر لتخزين المواد الغذائية مؤقتاً
5,400
18/01/2021
نقل طفلة مصابة بصدمات القلب من جزيرة عبد الكوري إلى مستشفى الشيخ خليفة في جزيرة سقطرى، تكاليف العلاج
6,000
17/01/2021
تكاليف تحميل السفن الإغاثية
1,000,000
17/01/2021
أجرة عمال لتصوير الإغاثة
125,000
20/01/2021
مصروفات الفريق المحلي، التفريغ والتحميل، نقل الفرش والمخدات وأدوات الطبخ اللازمة
2,200
23/01/2021
مصروفات نقل وتخزين وتوزيع المواد الغذائية (ست دفع)
77,555
01/02/2021
بناء مخزن كرفانة حديد لخزن المواد الغذائية + توفير المكيفات + كمبيوتر + طاولتان + طابعة
9,805
03/02/2021
مستحقات العاملين وعددهم 3 محليين لشهري يناير وفبراير
9,500
01/03/2021
تكاليف توزيع الفرش والمخدات + مصاريف طباعة بنرات
2,200
29/07/2021
تكريم العاملين المحليين بدروع ومبالغ
9,350
الإجمالي
 
1,424,015
 
جدول مصروفات استقطاب الشباب وتجنيدهم
 
الجهة/الشخصية
المنصب/الجهة
العدد
التكلفة (درهم إماراتي)
سعيد سالمين
رئيس مجلس قبائل جزر سقطرى
1
1,500,000
معلمو مدرسة الجزيرة
معلمون ومعلمات
6
3,100
غالب الجمعي
مأمور جزيرة عبد الكوري
1
2,000
مدير مدرسة عبده كوري
وجاهة
1
2,500
عبدالله بداهن
ناشط
1
5,000
دعم فرع جمعية صيادي عبده كوري
صيادون
10
10,000
سليمان علي الكوري
ناشط
1
1,500
احمد عبد الكوري
اول خريج من ابناء جزيرة عبد كوري
1
3,000
احمد ثاني
ناشط
1
7,000
مصروفات التجنيد
جنود مستجدين من شباب
100
250,000
مصروفات تدريب المجندين
جنود
100
684,001
نقل المجندين
جنود
100
75,044
الإجمالي
 
323
2,543,145
 
جدول مصروفات المشاريع التنموية والبنية التحتية
 
المشروع
التكلفة (درهم إماراتي)
جهة الصرف
توفير المعدات والاجهزة للوحدة الصحية للجزيرة
23,740
خ/الخاص
تسليم مبلغ لعلي عيسى لادارة اعمال المعونات الغذائية
1,500,000
خ/مؤسسة خليفة
بناء محطة مياه
12,500
خ/الخاص
توزيع 12 مكينة خياطة لنساء الجزيرة
410,000
خ/الخاص
انشاء 65 وحدة سكنية ومرفقاً خدمياً
1,355,000
خ/الخاص
امدادات شبكة اتصالات إماراتية
60,000
خ/الخاص
ترميم مدرسة الجزيرة
19,700
خ/الخاص
دعم اصلاح عدد 7 من قوارب الصيادين
5,900
خ/الخاص
تسليم لوحات الطاقة الشمسية للمركز الصحي للجزيرة
2,100
خ/الخاص
شق طريق فرعي في كلميه
22,510
خ/الخاص
دعم طلبة المدرسة بالزي المدرسي والحقائب
9,700
خ/الخاص
تقديم 3 مساعدات لثلاث من نساء الجزيرة
7,000
خ/الخاص
الإجمالي
4,898,780
 
 
تظهر هذه الجداول بوضوح أن المبالغ الأكبر تم تخصيصها للمشاريع التنموية (حوالي 4.9 مليون درهم) وتجنيد الشباب (حوالي 2.5 مليون درهم)، وهو ما يؤكد على الاستراتيجية المزدوجة للمشروع: بناء قوة عسكرية محلية، وفي نفس الوقت، ضمان قبول المجتمع المحلي من خلال تحسين ظروفهم المعيشية. إن دفع مبلغ 1.5 مليون درهم لرئيس مجلس قبائل جزر سقطرى، ومبالغ أخرى لشخصيات نافذة، يكشف عن استراتيجية واضحة لشراء الولاءات وتسهيل تنفيذ المشروع دون مقاومة تذكر. هذه الأرقام لا تعكس فقط التكاليف المادية، بل هي مؤشر على الأهمية الاستراتيجية للمشروع في نظر القائمين عليه.
 
 
 
"[الوثيقة المرفقة - رابط مباشر آمن]  
.
 
إن إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة عبد الكوري ليس مجرد خطوة تكتيكية لتعزيز النفوذ في اليمن، بل هو جزء من رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى السيطرة على مفاصل التجارة العالمية، وإعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية الناشئة. هذا التحليل يتعمق في الأبعاد الاستراتيجية للمشروع، محللاً الدوافع الحقيقية للأطراف المعنية، والآثار المحتملة على ميزان القوى الإقليمي، والمستقبل الجيوسياسي لمنطقة القرن الأفريقي وخليج عدن.
 
يكمن جوهر الأهمية الاستراتيجية لمشروع عبد الكوري في موقعه الجغرافي الفريد. فالجزيرة لا تقع فقط على مقربة من مضيق باب المندب، الذي يعد أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، بل تشرف أيضاً على القرن الأفريقي ومضيق غواردافوي، مما يمنح من يسيطر عليها قدرة فريدة على مراقبة وردع أي تهديدات محتملة لحرية الملاحة. في عالم يعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية، فإن السيطرة على هذه النقاط الاستراتيجية تعني القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي. إن مرور ما يقرب من 14% من التجارة العالمية وأكثر من 3 ملايين برميل من النفط يومياً عبر هذا الممر يجعله هدفاً جذاباً للقوى الإقليمية والدولية المتنافسة.
 
علاوة على ذلك، فإن قرب الجزيرة من مناطق الصراع في اليمن والصومال يجعلها منصة مثالية لعمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وإطلاق العمليات العسكرية السريعة عند الحاجة. إن التعاون الإماراتي-الإسرائيلي-الأمريكي في هذا المشروع، كما تشير الوثيقة، ليس وليد الصدفة. فهو يعكس تحولاً استراتيجياً في تحالفات المنطقة، مدفوعاً بمخاوف مشتركة من النفوذ الإيراني والتركي، ورغبة في تأمين المصالح الاقتصادية والأمنية في مواجهة عالم متغير.
 
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن وجود قاعدة حليفة في هذا الموقع يضمن لها حرية الحركة في المحيط الهندي، ويعزز من قدرتها على احتواء الصين التي تسعى بدورها إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق وقاعدتها العسكرية في جيبوتي. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن وجود موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية يوفر لها عمقاً استراتيجياً غير مسبوق، ويمكنها من مراقبة الأنشطة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي عن كثب. وبالنسبة للإمارات، فإن المشروع يمثل تتويجاً لسياستها الخارجية النشطة التي تهدف إلى بناء شبكة من القواعد والموانئ العسكرية والتجارية على طول سواحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي، مما يعزز من مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة.
 
جدول تحليل المصالح الاستراتيجية للأطراف الفاعلة
 
 
 
 
الطرف الفاعل
المصالح الاستراتيجية
الأهداف التكتيكية في عبد الكوري
الإمارات العربية المتحدة
- تأمين طرق التجارة البحرية الحيوية لدبي وأبوظبي.
- توسيع النفوذ الإقليمي ومواجهة النفوذ التركي والقطري والإيراني.
 
- بناء شبكة من القواعد العسكرية والتجارية لتعزيز مكانتها كقوة بحرية.
- إنشاء قاعدة عسكرية واستخباراتية للسيطرة على باب المندب والقرن الأفريقي.
- استخدام الجزيرة كمنصة لعمليات في اليمن والقرن الأفريقي.
 
- منع القوى المنافسة من الحصول على موطئ قدم في المنطقة.
إسرائيل
- تأمين حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية عبر البحر الأحمر.
- مراقبة الأنشطة الإيرانية في المنطقة والتصدي لتهريب الأسلحة.
 
- تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع الحلفاء الجدد في المنطقة.
- الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة عن التحركات في البحر الأحمر.
- إمكانية استخدام القاعدة كنقطة انطلاق لعمليات خاصة.
 
- تعميق الشراكة الاستراتيجية مع الإمارات والولايات المتحدة.
الولايات المتحدة الأمريكية
- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الاستراتيجية.
- احتواء النفوذ الصيني والروسي في المحيط الهندي والقرن الأفريقي.
 
- مكافحة الإرهاب والقرصنة في المنطقة.
- الاعتماد على الحلفاء الإقليميين لتأمين المصالح الأمريكية وتقاسم الأعباء.
- الحصول على نقطة ارتكاز إضافية في منطقة حيوية.
 
- تعزيز شبكة القواعد العسكرية الحليفة في المنطقة.
المجلس الانتقالي الجنوبي
- تعزيز سيطرته على جنوب اليمن بدعم إماراتي.
- الحصول على موارد مالية وعسكرية لتعزيز قواته.
 
- إضعاف الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
- تأجير الجزيرة مقابل دعم سياسي وعسكري ومالي.
- استخدام القاعدة كورقة ضغط في المفاوضات المستقبلية.
 
- إظهار قدرته على توفير الأمن والاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها.
 
إن الاستراتيجية المتبعة في عبد الكوري لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد لتشمل استراتيجية "قوة ناعمة" متطورة تهدف إلى كسب "قلوب وعقول" السكان المحليين. تظهر الوثيقة بوضوح كيف تم استخدام المساعدات الإنسانية والمشاريع التنموية كأداة فعالة لتهيئة البيئة الاجتماعية لقبول المشروع العسكري. إن توزيع المواد الغذائية، وبناء الوحدات السكنية، وترميم المدارس، ودعم الصيادين، ليست مجرد أعمال خيرية، بل هي جزء من حسابات استراتيجية دقيقة. في مجتمع صغير ومعزول مثل مجتمع عبد الكوري، الذي يعاني من الإهمال الحكومي والفقر، فإن هذه المشاريع يكون لها تأثير كبير ومباشر على حياة السكان، وتخلق شعوراً بالامتنان والولاء تجاه الجهة التي تقدمها.
 
إن إنشاء لجنة محلية من أبناء الجزيرة لإدارة المعونات، ودفع مبالغ مالية كبيرة لشخصيات قبلية واجتماعية نافذة، هو تكتيك ذكي يهدف إلى دمج النخب المحلية في المشروع وجعلهم جزءاً منه، مما يقلل من احتمالات ظهور أي مقاومة شعبية. هذه الاستراتيجية، التي يمكن تسميتها بـ "الاحتواء التنموي"، تهدف إلى تحويل السكان من عبء أمني محتمل إلى شريك في المشروع، أو على الأقل ضمان حيادهم. على المدى الطويل، فإن هذه الاستراتيجية تهدف إلى خلق واقع جديد على الأرض، حيث يصبح الوجود العسكري الأجنبي أمراً مقبولاً بل ومرغوباً فيه من قبل السكان المحليين، لأنه أصبح مرتبطاً بتحسين ظروفهم المعيشية.
 
ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر كامنة. فالاعتماد على المساعدات الخارجية يمكن أن يخلق ثقافة اتكالية، ويقوض هياكل المجتمع التقليدية. كما أن أي انقطاع في هذه المساعدات في المستقبل يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عكسي، ويحول الولاء إلى عداء. بالإضافة إلى ذلك، فإن ربط التنمية بالحضور العسكري يمكن أن يجعل السكان المحليين هدفاً في أي صراع مستقبلي.
 
على الرغم من أهمية استراتيجية القوة الناعمة، إلا أن جوهر المشروع يظل عسكرياً بامتياز. إن حجم الاستثمار في تجنيد وتدريب القوات المحلية، وبناء المنشآت العسكرية، ونقل الخبراء والمعدات، يشير إلى أن الهدف النهائي هو بناء قاعدة عسكرية قادرة على أداء مهام متنوعة. إن الاتفاق مع شركة "Mifram" الإسرائيلية، وهي شركة متخصصة في الحلول الأمنية والدفاعية، والتعاون مع خبراء أمريكيين، يؤكد على الطبيعة المتقدمة للمشروع. من المرجح أن تكون القاعدة مجهزة بأنظمة مراقبة ورصد متطورة، وقادرة على استضافة طائرات بدون طيار، وطائرات مروحية، وقوات خاصة
 
 
إن توسيع مطار "حديبو" في سقطرى، وإنشاء مهابط للطائرات في عبد الكوري، يهدف إلى ربط الجزيرتين بشبكة لوجستية وعسكرية متكاملة، تزيد من مرونة العمليات وسرعة الاستجابة. إن وجود مثل هذه القاعدة في هذا الموقع يمكن أن يغير قواعد اللعبة في أي صراع مستقبلي في المنطقة. فهي تمنح القدرة على فرض حصار بحري، وقطع خطوط الإمداد، وشن هجمات دقيقة على أهداف برية وبحرية. كما أنها توفر عمقاً استراتيجياً يسمح بالتحرك بحرية أكبر في مسرح عمليات واسع يمتد من مضيق هرمز إلى الساحل الشرقي لأفريقيا.
 
إن هذا المشروع ليس مجرد رد فعل على تهديدات آنية، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى تأمين المصالح الحيوية في عالم يزداد اضطراباً وتنافساً. إن التكلفة الإجمالية للمشروع، التي تتجاوز 8 ملايين درهم إماراتي في المراحل الأولية فقط، تعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الأطراف المعنية لهذا الموقع. هذا المبلغ، على ضخامته، هو على الأرجح مجرد دفعة أولى في مشروع أكبر وأكثر تكلفة بكثير. إن الجمع بين القوة العسكرية الصلبة، والدبلوماسية الذكية، والاستثمار التنموي الاستراتيجي، يجعل من مشروع عبد الكوري نموذجاً لدراسة كيفية إدارة النفوذ وتحقيق الأهداف الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.
 
إن مشروع قاعدة عبد الكوري لا يمكن فصله عن سياق "اللعبة الكبرى الجديدة" التي تدور في المحيط الهندي والقرن الأفريقي. هذه اللعبة لم تعد تقتصر على القوى العظمى التقليدية، بل أصبحت تشمل لاعبين إقليميين طموحين يسعون إلى توسيع نفوذهم. من ناحية، نجد التحالف الإماراتي-الإسرائيلي-الأمريكي الذي يسعى إلى تأمين الممرات المائية الحيوية، واحتواء النفوذ الإيراني، وموازنة الصعود الصيني. ومن ناحية أخرى، نجد محوراً منافساً يضم تركيا وقطر، اللتين تسعيان بدورهما إلى بناء وجود عسكري واقتصادي في المنطقة، خاصة في الصومال والسودان. قاعدة عبد الكوري، بهذا المعنى، هي ضربة استباقية تهدف إلى قطع الطريق على هذا المحور المنافس، ومنعه من الحصول على موطئ قدم استراتيجي آخر في المنطقة.
 
يضاف إلى ذلك، الصعود الصيني المتمثل في مبادرة الحزام والطريق، وقاعدتها العسكرية في جيبوتي، والتي تمثل تحدياً طويل الأمد للهيمنة الأمريكية في المنطقة. إن وجود قاعدة أمريكية-إسرائيلية-إماراتية في عبد الكوري يوفر نقطة مراقبة متقدمة للتحركات الصينية في المحيط الهندي، ويعزز من قدرة واشنطن وحلفائها على الاستجابة لأي طارئ. كما لا يمكن إغفال الدور الروسي الذي يسعى إلى العودة إلى المنطقة من خلال اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع دول مثل السودان وإريتريا. هذا التنافس المحموم بين مختلف القوى يحول المنطقة إلى برميل بارود، ويجعل من أي قاعدة عسكرية جديدة، مثل قاعدة عبد الكوري، بؤرة توتر محتملة.
 
جدول مقارن للوجود العسكري الأجنبي في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن
 
الدولة
الموقع
طبيعة الوجود
الأهداف الرئيسية
الولايات المتحدة
جيبوتي (معسكر ليمونيه)، الصومال، (عبد الكوري مستقبلاً)
قواعد عسكرية، قوات خاصة، طائرات بدون طيار
مكافحة الإرهاب، حماية الملاحة، احتواء الصين، دعم الحلفاء
الصين
جيبوتي
قاعدة دعم لوجستي بحري
حماية المصالح الاقتصادية، تأمين خطوط مبادرة الحزام والطريق، توسيع النفوذ
فرنسا
جيبوتي
قاعدة عسكرية تاريخية
حماية المصالح الفرنسية، مكافحة القرصنة، المشاركة في العمليات الأوروبية
اليابان
جيبوتي
قاعدة لمكافحة القرصنة
حماية السفن التجارية اليابانية، المشاركة في الجهود الدولية
تركيا
الصومال (مقديشو)
أكبر قاعدة تدريب عسكري في الخارج
تدريب الجيش الصومالي، توسيع النفوذ السياسي والاقتصادي، منافسة المحور الإماراتي-السعودي
الإمارات العربية المتحدة
إريتريا (عصب - سابقاً)، أرض الصومال (بربرة)، (عبد الكوري مستقبلاً)
قواعد جوية وبحرية، موانئ تجارية
السيطرة على الممرات المائية، دعم الحلفاء المحليين، مواجهة النفوذ التركي والقطري
روسيا
السودان (بورتسودان - اتفاق مبدئي)
قاعدة بحرية
الوصول إلى المياه الدافئة، استعادة النفوذ السوفيتي السابق، منافسة الولايات المتحدة
 
إن تحليل الشركات المذكورة في الوثيقة، مثل "Mifram Company" و"Corps Mercy"، يقدم رؤى إضافية حول القدرات العسكرية المحتملة للقاعدة. شركة "Mifram" هي شركة إسرائيلية رائدة في مجال الحلول الدفاعية والحماية من الانفجارات. تشمل منتجاتها حواجز واقية، وملاجئ متنقلة، وأنظمة حماية للمركبات والمباني. إن التعاقد مع هذه الشركة يشير إلى أن القائمين على المشروع يولون أهمية كبيرة لحماية القاعدة من أي هجمات محتملة، سواء كانت بصواريخ أو عبوات ناسفة أو هجمات انتحارية. هذا يعكس إدراكاً للمخاطر الأمنية العالية في المنطقة.
 
من ناحية أخرى، فإن ذكر "Corps Mercy" (منظمة الرحمة الدولية)، وهي منظمة إنسانية دولية، إلى جانب الشركات العسكرية، يؤكد على استراتيجية الدمج بين العمل العسكري والإنساني. ومع ذلك، فإن استخدام المنظمات الإنسانية كغطاء أو كجزء من استراتيجية عسكرية يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية خطيرة، ويعرض العاملين في المجال الإنساني للخطر. من المرجح أن تكون القاعدة مجهزة بمجموعة واسعة من القدرات العسكرية، تتجاوز مجرد الحماية والدفاع. إن وجود خبراء أمريكيين وإسرائيليين، إلى جانب توسيع المطارات والمهابط، يشير إلى أن القاعدة قد تكون منصة لعمليات استخباراتية متقدمة (SIGINT وELINT)، وعمليات حربية إلكترونية (EW)، وعمليات للطائرات بدون طيار (Drones) سواء للمراقبة أو الهجوم. كما يمكن استخدامها كقاعدة انطلاق للقوات الخاصة لتنفيذ عمليات سرية في اليمن أو الصومال أو أي مكان آخر في المنطقة. إن هذا المزيج من القدرات الدفاعية والهجومية والاستخباراتية يجعل من قاعدة عبد الكوري أداة عسكرية مرنة وقوية
 
.
 
إن استراتيجية "القوة الناعمة" المطبقة في عبد الكوري تستحق تحليلاً أعمق. فالأمر لا يقتصر على مجرد تقديم مساعدات، بل هو عملية هندسة اجتماعية تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع المحلي بما يخدم أهداف المشروع. إن توزيع 12 ماكينة خياطة على النساء، على سبيل المثال، ليس مجرد مشروع لتمكين المرأة، بل هو أيضاً وسيلة لخلق شبكة من العلاقات داخل المجتمع، وجمع المعلومات، وتعزيز صورة إيجابية عن القائمين على المشروع. وبالمثل، فإن دعم الصيادين وإصلاح قواربهم يخلق اعتماداً اقتصادياً مباشراً، ويجعل من الصعب على هؤلاء الصيادين معارضة المشروع الذي أصبح مصدر رزقهم.
 
إن دفع مبلغ 1.5 مليون درهم لرئيس مجلس قبائل جزر سقطرى هو في جوهره عملية شراء ولاء صريحة، تهدف إلى ضمان صمت النخبة القبلية وتعاونه. هذه الاستراتيجية تخلق ديناميكية "الدولة الزبائنية" (Clientelism) على مستوى الجزيرة، حيث يصبح الولاء السياسي سلعة تباع وتشترى. على المدى القصير، قد تكون هذه الاستراتيجية فعالة في منع المقاومة وتسهيل بناء القاعدة. ولكن على المدى الطويل، فإنها تحمل في طياتها بذور عدم الاستقرار. فهي تدمر هياكل السلطة التقليدية القائمة على الاحترام والشرعية، وتستبدلها بهياكل قائمة على المصالح المادية والولاءات المتغيرة.
 
كما أنها تخلق حالة من الاستياء الصامت بين أولئك الذين لم يستفيدوا من هذه "الهبات"، مما قد يتحول إلى مقاومة عنيفة في المستقبل. إن ربط التنمية بالوجود العسكري هو سيف ذو حدين؛ فبينما يوفر غطاءً مقبولاً للمشروع، فإنه أيضاً يجعل المدارس والمستشفيات ومحطات المياه أهدافاً عسكرية مشروعة في نظر أي طرف يعارض هذا الوجود.
 
إن أخطر ما في مشروع عبد الكوري هو الآثار القانونية والسياسية المترتبة عليه. إن قيام المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جهة غير حكومية لا تملك الصفة القانونية لتمثيل الدولة اليمنية، بتأجير أو السماح باستخدام جزء من الأراضي اليمنية لدول أجنبية، هو انتهاك صارخ للسيادة اليمنية ومبادئ القانون الدولي. هذه الخطوة تمثل سابقة خطيرة، تفتح الباب أمام تفكك الدول وتصرف الميليشيات والجماعات المسلحة في أراضي الدولة ومقدراتها. إن صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات يثير تساؤلات حول مدى التزامه بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ العلاقات الدولية.
 
 
على المستوى السياسي، فإن هذا المشروع يعمق الانقسام داخل اليمن، ويقوض أي فرصة للتوصل إلى حل سياسي شامل. فهو يعزز من قوة المجلس الانتقالي الجنوبي كأمر واقع في الجنوب، ويشجعه على المضي قدماً في مشروعه الانفصالي. كما أنه يضع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في موقف حرج، حيث تبدو عاجزة عن حماية سيادة البلاد. على المدى الطويل، فإن وجود قاعدة عسكرية أجنبية بهذا الحجم في جزيرة استراتيجية مثل عبد الكوري يمكن أن يصبح عاملاً دائماً لعدم الاستقرار في اليمن والمنطقة. قد تتحول الجزيرة إلى مسرح للصراع بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، ويدفع سكانها الثمن الأكبر. إن مستقبل عبد الكوري والمنطقة بأسرها أصبح الآن مرتبطاً بشكل وثيق بمستقبل هذه القاعدة، وبميزان القوى الهش والمتغير في هذا الجزء المضطرب من العالم.
 
يمثل إشراك الكيان الصهيوني في مشروع إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة عبد الكوري نقطة تحول جذرية في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة العربية، ويكشف عن عمق التغيرات الاستراتيجية التي طرأت على المنطقة في أعقاب ما يُسمى "اتفاقيات أبراهام". إن وجود خبراء إسرائيليين في هذا الموقع الاستراتيجي الحساس، والتعاقد مع شركة "Mifram" الإسرائيلية المتخصصة في الحلول الدفاعية، ليس مجرد تطور تكتيكي، بل هو تجسيد لاستراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى كسر الحصار الجغرافي المفروض عليها، وتأمين خطوط إمدادها التجارية والعسكرية، وبناء شبكة من التحالفات الإقليمية التي تمكنها من مواجهة التهديدات الإيرانية والتركية المتنامية.
 
هذا المشروع يمثل تحقيقاً عملياً لحلم إسرائيلي قديم بالوصول إلى المحيط الهندي والسيطرة على الممرات المائية الحيوية، وهو ما كان يبدو مستحيلاً في ظل العداء العربي التقليدي. إن فهم الأبعاد الحقيقية للمشاركة الإسرائيلية في هذا المشروع يتطلب تحليلاً عميقاً للدوافع الاستراتيجية الإسرائيلية، والقدرات التي تجلبها إلى المشروع، والمخاطر والفرص التي يخلقها هذا التطور للمنطقة العربية والإسلامية. كما يتطلب فهماً لكيفية تأثير هذا التطور على ميزان القوى الإقليمي، وعلى مستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي، وعلى الأمن القومي العربي بشكل عام.
 
تنطلق الاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر والمحيط الهندي من مجموعة من الدوافع الأمنية والاقتصادية والسياسية المترابطة. من الناحية الأمنية، تواجه إسرائيل تهديداً متنامياً من إيران وحلفائها في المنطقة، خاصة الحوثيين في اليمن الذين نجحوا في استهداف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر. إن وجود قاعدة عسكرية في عبد الكوري يوفر لإسرائيل منصة متقدمة لمراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة، وجمع المعلومات الاستخباراتية حول شبكات تهريب الأسلحة، والقدرة على التدخل السريع لمنع وصول أسلحة متطورة إلى الحوثيين أو حزب الله.
 
من الناحية الاقتصادية، فإن تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر أمر حيوي للاقتصاد الإسرائيلي، خاصة مع تطوير ميناء إيلات وخطوط الأنابيب التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط. إن أي تهديد لهذه الطرق التجارية يمكن أن يكلف إسرائيل مليارات الدولارات، ويقوض مكانتها كمركز تجاري إقليمي. من الناحية السياسية، فإن المشاركة في مشروع عبد الكوري تمثل تطبيقاً عملياً لاستراتيجية "التطبيع الاستراتيجي" مع الدول العربية، والتي تتجاوز مجرد إقامة علاقات دبلوماسية إلى بناء تحالفات عسكرية وأمنية عميقة. هذا التطبيع يهدف إلى دمج إسرائيل في النظام الإقليمي كقوة مقبولة ومؤثرة، وليس كجسم غريب معزول. إن نجاح هذه الاستراتيجية يمكن أن يغير جذرياً من طبيعة الصراع في المنطقة، ويحول إسرائيل من دولة محاصرة إلى قوة إقليمية مهيمنة.
 
جدول القدرات الإسرائيلية المحتملة في قاعدة عبد الكوري
 
نوع القدرة
التفاصيل التقنية
الأهداف الاستراتيجية
الاستخبارات الإلكترونية (SIGINT)
أنظمة اعتراض الاتصالات، رادارات متطورة، أقمار صناعية
مراقبة الاتصالات الإيرانية والحوثية، رصد تحركات السفن، جمع معلومات عن شبكات تهريب الأسلحة
الحرب الإلكترونية (EW)
أنظمة تشويش، حرب سيبرانية، مكافحة الطائرات بدون طيار
تعطيل أنظمة الاتصالات المعادية، حماية السفن الإسرائيلية، مكافحة الهجمات السيبرانية
العمليات الخاصة
وحدات النخبة (شايطيت 13، سييرت متكال)، معدات متطورة
تنفيذ عمليات سرية ضد أهداف إيرانية، إنقاذ الرهائن، عمليات مكافحة الإرهاب
الطائرات بدون طيار
طائرات هيرون، إيتان، هاروب
مراقبة مستمرة للمنطقة، استهداف دقيق للأهداف المعادية، عمليات اغتيال
الدفاع الجوي
أنظمة القبة الحديدية، ديفيد المقلاع، آرو
حماية القاعدة من الصواريخ والطائرات بدون طيار، حماية السفن المارة
القدرات البحرية
غواصات دولفين، زوارق دورية، أنظمة مراقبة بحرية
مراقبة الحركة البحرية، اعتراض سفن تهريب الأسلحة، حماية الممرات المائية
 
إن التعاون الإسرائيلي-الإماراتي في مشروع عبد الكوري يتجاوز مجرد التنسيق التكتيكي ليصل إلى مستوى التكامل الاستراتيجي. فالإمارات توفر الغطاء السياسي والقانوني والمالي للمشروع، بينما تقدم إسرائيل الخبرة التقنية والقدرات الاستخباراتية المتطورة. هذا التقسيم للأدوار يخدم مصالح الطرفين؛ فالإمارات تحصل على تقنيات عسكرية وأمنية متقدمة، وتعزز من قدراتها في مواجهة التهديدات الإقليمية، بينما تحصل إسرائيل على موطئ قدم استراتيجي في منطقة حيوية دون أن تتحمل الأعباء السياسية والمالية الكاملة.
 
إن شركة "Mifram" الإسرائيلية، التي تم التعاقد معها لتنفيذ جزء من المشروع، هي شركة رائدة عالمياً في مجال الحماية من الانفجارات والحلول الدفاعية. منتجاتها تشمل حواجز واقية من الانفجارات، وملاجئ متنقلة، وأنظمة حماية للمركبات والمباني، وحلول للحماية من الهجمات الكيميائية والبيولوجية. إن اختيار هذه الشركة تحديداً يشير إلى أن القائمين على المشروع يتوقعون مواجهة تهديدات أمنية عالية، ويريدون الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية الواسعة في مجال مكافحة الإرهاب والحماية من الهجمات غير التقليدية. كما أن التعاون مع شركة إسرائيلية يفتح الباب أمام نقل تقنيات عسكرية متطورة قد لا تكون متاحة من مصادر أخرى. إن هذا التعاون التقني هو جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لتصدير خبراتها الأمنية والعسكرية إلى الدول العربية الحليفة، مما يخلق شبكة من التبعية التقنية والاعتماد المتبادل.
 
إن الوجود الإسرائيلي في عبد الكوري له تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي والإسلامي. فهو يمثل اختراقاً استراتيجياً للعمق العربي، ويمنح إسرائيل قدرة على التأثير في أحد أهم الممرات المائية في العالم. هذا الوجود يمكن أن يُستخدم للضغط على الدول العربية والإسلامية، وتهديد مصالحها الاقتصادية، وفرض شروط سياسية عليها. من الناحية العسكرية، فإن وجود قاعدة إسرائيلية في هذا الموقع يغير جذرياً من معادلات القوة في المنطقة. فهو يمنح إسرائيل عمقاً استراتيجياً جديداً، ويوسع من نطاق عملياتها العسكرية، ويعزز من قدرتها على مواجهة التهديدات من جهات متعددة. كما أنه يوفر لها منصة لمراقبة ومضايقة الدول التي تعتبرها معادية، مثل إيران وسوريا.
 
من الناحية الاقتصادية، فإن السيطرة الإسرائيلية على هذا الممر المائي الحيوي يمكن أن تمنحها نفوذاً اقتصادياً هائلاً، وقدرة على التلاعب بأسعار النفط والغاز، وتعطيل التجارة العالمية عند الحاجة. من الناحية السياسية، فإن هذا التطور يمثل انتصاراً كبيراً للاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى كسر العزلة الإقليمية، وبناء تحالفات جديدة تضمن أمنها وتفوقها. إن نجاح إسرائيل في الحصول على موطئ قدم في هذا الموقع الاستراتيجي يرسل رسالة قوية إلى أعدائها بأنها قادرة على الوصول إليهم في أي مكان، وإلى حلفائها بأنها شريك موثوق وقوي.
 
إن المشاركة الإسرائيلية في مشروع عبد الكوري تطرح تساؤلات جدية حول مستقبل القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي. فهذا التطور يعكس تحولاً جذرياً في أولويات بعض الدول العربية، التي باتت تضع مصالحها الإقليمية الضيقة فوق القضايا القومية الكبرى. إن قبول وجود عسكري إسرائيلي في الأراضي العربية، حتى لو كان بشكل غير مباشر، يمثل تطبيعاً فعلياً مع الاحتلال، ويقوض الموقف العربي التقليدي الرافض للتطبيع قبل حل القضية الفلسطينية. هذا التطور يمكن أن يشجع إسرائيل على المضي قدماً في سياساتها التوسعية والعدوانية، اعتماداً على الدعم العربي الجديد. كما أنه يضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني، ويقلل من الضغوط على إسرائيل للوصول إلى حل عادل للصراع.
 
من ناحية أخرى، فإن هذا التطور يمكن أن يؤدي إلى استقطاب أكبر في المنطقة، حيث تصطف بعض الدول مع إسرائيل والولايات المتحدة، بينما تقف دول أخرى مع إيران وحلفائها. هذا الاستقطاب يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الصراعات والحروب بالوكالة، ويجعل المنطقة أكثر عرضة لعدم الاستقرار. إن الحاجة إلى موقف عربي وإسلامي موحد ضد هذا التطور الخطير أصبحت أكثر إلحاحاً من أي
وقت مضى، لمنع إسرائيل من ترسيخ وجودها في المنطقة، وحماية الأمن القومي العربي من التهديدات الجديدة التي يطرحها هذا المشروع
 
 
البعد الجيوسياسي والصراع الإقليمي
جزيرة عبدالكوري لا تقع في فراغ جيوسياسي، بل في قلب أحد أهم الممرات المائية في العالم. باب المندب يمر عبره 15% من التجارة العالمية و30% من النفط المنقول بحراً.
 
السيطرة على هذا الممر تعني السيطرة على شريان حيوي للاقتصاد العالمي.الإمارات، من خلال قاعدتها في عبدالكوري، تضع نفسها في موقع يمكنها من التأثير على الملاحة الدولية والتحكم في تدفق الطاقة بين آسيا وأوروبا.  
هذا الموقع يكمل شبكة القواعد الإماراتية في المنطقة، بما في ذلك قاعدة عسكر في إريتريا وقواعد في الصومال.
 
 
الخلاصة: من الوثيقة إلى الواقعإن الوثيقة الإماراتية المؤرخة في أبريل 2022 لم تكن مجرد قائمة بمشاريع إنسانية، بل كانت دليل تشغيل لتحويل جزيرة عبدالكوري إلى قاعدة عسكرية استراتيجية. كل مشروع مذكور في الوثيقة كان له دور محدد في هذا التحول: شبكة الاتصالات لربط القاعدة، الطرق لتسهيل الحركة العسكرية، محطة المياه لتأمين الإمدادات، والوحدات السكنية لإيواء القوات.ما نشهده اليوم من مدرج جوي بطول 1.8 كيلومتر، وأرصفة بحرية، وثكنات عسكرية، ومرافق استخباراتية، هو الثمرة الطبيعية لتلك البذور التي زُرعت تحت غطاء العمل الإنساني. الإمارات نجحت في تحويل جزيرة نائية إلى نقطة ارتكاز استراتيجية تخدم مصالحها الإقليمية ومصالح حلفائها، وكل ذلك بدأ بوثيقة تتحدث عن مساعدة الصيادين وترميم المدارس.هذا النموذج الإماراتي في "العسكرة الناعمة" قد يتكرر في مناطق أخرى من العالم، حيث تبدأ القوى الإقليمية بمشاريع إنسانية وتنتهي ببناء قواعد عسكرية. جزيرة عبدالكوري اليوم هي مثال صارخ على كيف يمكن للعمل الخيري أن يكون قناعاً للطموحات الجيوسياسية، وكيف يمكن للوثائق "البريئة" أن تخفي مخططات استراتيجية معقدة. 
 
الاستحداثات في جزيرة عبدالكوري
 
الصور الجوية الحديثة لجزيرة عبدالكوري تكشف عن مشهد ميداني غير مسبوق، يشي بتغيير عميق في طبيعة الجزيرة ووظيفتها. من زاوية التحليل العسكري–الأمني، تبدو الجزيرة اليوم ورشة مفتوحة لتهيئة قاعدة متقدمة أكثر منها مشروعًا مدنيًا. تُظهر الصور بوضوح مدرجًا جويًا طويلًا يقترب من الاكتمال، بامتداد يزيد على كيلومترين تقريبًا وعرض يكفي لتشغيل طائرات استطلاع ومسيّرات بعيدة المدى، مع علامات ترقيم ملاحية على طرفيه، وآليات ثقيلة تقوم بتسوية الأسفلت في الجزء الأخير غير المكتمل. هذا المشهد لا يُفسَّر ببناء مطار مدني صغير؛ بل هو دليل على بناء عقدة تشغيل جوية مهيأة لطلعات مراقبة بحرية وجوية مستمرة.
 
 
 
 
إلى جانب المدرج، تكشف الصور عن طرق جديدة تربط المدرج بالشريط الساحلي، وعن شريط ساحلي مُمهّد وأرصفة إنزال صغيرة تُستخدم عادة لسفن الدعم والإنزال، مع سواتر ترابية وأكوام حفر مرصوصة بشكل منظم، وهو نمط تحصين معروف في القواعد العسكرية المؤقتة. وجود حظائر خفيفة ومساحات مفتوحة قرب طرف المدرج يوحي باستعداد لاستقبال منصات مسيّرة أو طائرات تكتيكية خفيفة، وليس لطائرات نقل مدنية كبيرة. كما تظهر بوضوح مؤشرات تخزين وقود ومواد بناء ذات طبيعة استراتيجية، ما يدل على نية الاستدامة وليس مشروعًا مؤقتًا.
 
 
 
هذه الدلائل مجتمعة تشير إلى أن الجزيرة تتحول إلى عقدة متقدمة للسيطرة على الممر البحري الحيوي بين البحر الأحمر وخليج عدن، وأن البنية التي تُنشأ ليست تنموية بقدر ما هي عسكرية–استخباراتية. الصور الجوية، إذن تكشف،عن خطة متماسكة لتثبيت وجود طويل الأمد يغيّر وظيفة الجزيرة ويُحكم قبضة الإمارات وشركائها على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، في خطوة تحمل انعكاسات مباشرة على حركة الحوثيين وقدرتهم على المناورة البحرية واستمرار خطوط الإمداد.
 
 
 
ترجمة حقيقة للوثيقة
 
 
ما يحدث في جزيرة عبدالكوري: ترجمة حقيقية لما ورد في الوثيقةإن ما نشهده اليوم في جزيرة عبدالكوري من تحولات جذرية وعسكرة متسارعة يمثل الترجمة الحقيقية والتطبيق العملي لما ورد في الوثيقة الإماراتية المؤرخة في أبريل 2022. هذه الوثيقة، التي تحمل توقيع المندوب العام للمؤسسة الإماراتية في اليمن، لم تكن مجرد قائمة بمشاريع إنسانية، بل كانت خريطة طريق مدروسة لتحويل الجزيرة من فضاء طبيعي معزول إلى قاعدة عسكرية استراتيجية تخدم المصالح الإماراتية والإسرائيلية في المنطقة.
 
الوثيقة كمخطط استراتيجي مقنع عندما نتأمل المشاريع المدرجة في الوثيقة بقيمة إجمالية تقارب خمسة ملايين درهم إماراتي، نجد أنها لم تكن مجرد أعمال خيرية عشوائية، بل مكونات أساسية لبنية تحتية عسكرية.
 
مشروع "إمدادات شبكة اتصالات إماراتية" بقيمة 60 ألف درهم، والذي قُدم على أنه لخدمة السكان، هو في الواقع العمود الفقري لشبكة الاتصالات العسكرية التي تربط القاعدة الجديدة بالقيادة الإماراتية.
 
وبالمثل، فإن مشروع "شق طريق فرعي" بقيمة 22,510 درهم لم يكن لتسهيل حركة السكان، بل لربط المنشآت العسكرية المختلفة ببعضها البعض.مشروع "بناء محطة مياه" بقيمة 12,500 درهم، والذي ظاهرياً يهدف لخدمة السكان، يتضح اليوم أنه كان ضرورياً لتأمين إمدادات المياه للقاعدة العسكرية والمطار الجديد. وحتى مشروع "إنشاء 65 وحدة سكنية ومرفق خدمي" بقيمة 1,355,000 درهم، والذي يمثل أكبر بند في الميزانية، يبدو اليوم وكأنه كان مخصصاً لإسكان القوات والمستشارين العسكريين وليس بالضرورة للسكان المحليين، خاصة في ضوء التقارير التي تتحدث عن تهجير السكان الأصليين.
 
تقارير وكالة الأسوشيتد برس التي نُشرت في يناير 2025 كشفت عن حقائق مذهلة حول ما يجري في جزيرة عبدالكوري. الوكالة الأمريكية العريقة وثقت من خلال صور الأقمار الصناعية وجود مدرج جوي شبه مكتمل بطول 1.8 كيلومتر، مع كتابة عملاقة تقول "I LOVE UAE" باللغة الإنجليزية على جانبي المدرج. هذه الرسالة ليست مجرد دعاية، بل إعلان صريح عن السيادة الإماراتية على الجزيرة اليمنية.
 
 
ان هذه الرسالة ليست مجرد دعاية، بل إعلان صريح عن السيادة الإماراتية على الجزيرة اليمنية.الأسوشيتد برس كشفت أيضاً عن رصد السفينة الإماراتية "تكريم"، وهي سفينة إنزال عسكرية، وهي تتنقل بانتظام بين موانئ الإمارات وجزيرة عبدالكوري منذ نوفمبر 2021.
هذا التوقيت يتزامن تماماً مع فترة تنفيذ المشاريع المذكورة في الوثيقة، مما يؤكد أن هذه المشاريع كانت غطاءً لعمليات نقل المعدات العسكرية والأفراد
 
 
شبكة CNN الأمريكية ربطت بين هذه التطورات وتصاعد التوترات في البحر الأحمر، مشيرة إلى أن القاعدة قد تُستخدم لعمليات عسكرية ضد الحوثيين أو لحماية الملاحة التجارية.
 
التقارير الميدانية تشير إلى أن السكان المحليين البالغ عددهم حوالي 1400 نسمة تعرضوا لضغوط منهجية للرحيل عن الجزيرة. هذا التهجير لم يكن عشوائياً، بل جزءاً من استراتيجية مدروسة لتفريغ الجزيرة من سكانها الأصليين وتحويلها إلى قاعدة عسكرية خالصة.
 
المشاريع "الإنسانية" المذكورة في الوثيقة كانت في البداية تهدف إلى كسب ولاء السكان، لكن عندما تم تحقيق الهدف الاستراتيجي، لم تعد هناك حاجة لوجودهم.
كما ان محاولة الإمارات تغيير اسم الجزيرة من "عبدالكوري" إلى "كليمة" على خرائط جوجل تكشف عن نية طمس الهوية اليمنية للجزيرة.
وهذه المحاولة، التي فشلت بسبب الاحتجاجات، تظهر مدى عمق المشروع الإماراتي وطموحه لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة.
 
من منظور خبير عسكري–أمني بحري، لا يمكن قراءة هذا النشاط إلا بوصفه حلقة جديدة في مشروع إماراتي متدرّج لفرض وقائع عسكرية على الأرخبيل، تحت لافتة “الإغاثة والتنمية”، بغرض الإمساك بمفاتيح الممرّ البحري الأشد حساسية في الإقليم: قوس سقطرى–باب المندب–خليج عدن. الفكرة الجوهرية بسيطة وخبيثة في آن: انتزاع نقطة سيطرة متقدمة خارج ضوضاء السواحل المأهولة، تُدار بقدرات استخبارات بحرية وجوية وترابط مع منصّات بحرية، بما يسمح بمراقبة المجال البحري وتشكيل ضغط دائم على حركة السفن ومسارات الإمداد والتهريب، مع هامش مناورة سياسي يختبئ وراء خطاب “الإنسانيات”. 
 
المدرج بطوله وعرضه الظاهرين يضعنا أمام فئة تشغيل واضحة: طائرات استطلاع دورية متوسطة، ومسيّرات بعيدة المدى من فئة MALE، ومروحيات نقل/بحث وإنقاذ، وليس مطارًا مدنيًا. وهذا يعني بنية حساسات متكاملة: رادارات ساحلية، مستقبلات AIS، هوائيات COMINT وELINT، ومحطة قيادة وسيطرة صغيرة تُغذّي شبكة الوعي بالمجال البحري. عند هذه النقطة يصبح عبدالكوري عقدة استشعار وتوجيه، لا غاية بذاتها؛ منصة تُطلق عينًا مستمرة فوق الممرات وتربط تكتيكيًا مع سقطرى كقاعدة خلفية للصيانة والتموين الثقيل، ومع القطع البحرية العاملة شمالًا وجنوبًا. والنتيجة العملية هي تقليص زمن الاستجابة من دقائق وساعات إلى لحظات، ورفع نسبة الاعتراض الناجح لأي نشاط معادٍ أو غير مرخّص. لهذا الغرض تحديدًا تظهر التحصينات السلبية والسواتر الترابية وبوادر بنى وقود وذخيرة خفيفة، مع مؤشرات طبقة دفاع جوي قصير المدى مضاد للمسيّرات والقذائف الجوّالة. إنّ الهدف ليس استقبال قاذفات ضخمة ولا تشغيل حركة مدنية؛ الهدف هو “الدوام العملياتي” للمراقبة والضربات الدقيقة المحدودة عند الحاجة.
 
إذا ربطنا هذا التوصيف بمسرح البحر الأحمر في عامي 2024–2025، تتكشف نية إماراتية للتمركز عند خاصرة باب المندب خارج الضجيج السياسي لليمن القاري. وجود عقدة كهذه يخلق تفوقًا معلوماتيًا مُضاعِفًا للقوة، ويمنح المُشغّل قدرة على جمع البيانات، وتغذية التحالفات البحرية، وفرض قواعد عمل غير معلنة على السفن العابرة. هذا تموضع هجيني: نصفه صلب (مدرج، خزانات، نقطة إنزال ساحلية)، ونصفه ناعم (حِزم معونات، صيانة مدارس ووحدات صحية، ترميم قوارب)، لكنه في المحصلة يبدّل الولاءات المحلية ويُنتج “أمنًا تابعًا” يبرر الحضور الدائم. وهذه هي النية الخبيثة بعينها: تحويل مجتمع صغير منعزل إلى منطقة عازلة مطواعة، مع إدماج نخب محلية في شبكات المستفيدين بحيث يصبح الاعتراض مكلفًا اجتماعيًا واقتصاديًا.
 
من منظور عملياتي بحت، تتوقع القراءة المهنية نمط تشغيل يقوم على رحلات مسيّرات مستمرة لتغطية أقواس الممر، مع نقاط ترحيل بيانات تربط البحر الأحمر ببحر العرب، وقدرة ضربات محدودة ضد أهداف بحرية وساحلية عالية القيمة: قوارب مُسيّرة، مستودعات، مرافئ صغيرة غير مُعلنة. في الخلفية تعمل طبقة حرب إلكترونية مضادة للاتصالات البسيطة ومسيّرات الهواة، وترتبط المنظومة بوحدات سطحية لضمان اعتراض سريع وتوثيق قانوني. وفي حال التصعيد، يصبح المدرج خزّان احتياط للتمركز المؤقت لعناصر قوات خاصة، مع قدرة إخلاء طبي وإسناد لوجستي سريع عبر سفن إنزال. هذا يفسّر الإصرار على شريط ساحلي مُمهّد ورصف خفيف ومعدات رفع متنقلة: ليست رفاهية هندسية، بل سلسلة حياة القاعدة.
 
لكن كل تفوق يولّد مقابلًا. قاعدة بجزيرة معزولة كهذه تتحول إلى هدف ثمين في أي موجة ردع مضاد، سواء بمسيّرات بعيدة المدى، أو قذائف جوّالة، أو عمليات بحرية غير متناظرة. وخطر “الاستهداف بالتبعية” يطال حتى المنشآت المدنية المغطاة بالراية الإنسانية متى التبست خطوط الفصل. لذلك ستسعى أبوظبي إلى بناء حرم أمني متعدد الحلقات: مراقبة محيطية، ولاءات قبلية مُشتراة، نقاط تفتيش محدودة التخوم، ودعاية تنموية تُخدّر الحاضنة. مع ذلك يبقى مركز الثقل هشًا: الوقود والذخيرة والصيانة. أي اضطراب لخطوط الإمداد، أو تعطيل لخزانات، أو استنزاف لطبقة الدفاع الجوي القصيرة، سيقزم الفاعلية بسرعة ويحوّل المنشأة من ورقة ضغط إلى عبء حماية.
 
في المحصلة الإستراتيجية، يجري تثبيت “برغي” إماراتي في لوح الملاحة العالمية. التحكم بالمعلومة البحرية في هذا القوس يعني نفوذًا سياسيًا يتجاوز حجمه العسكري الفعلي، ويمنح القدرة على المقايضة: معلومات مقابل نفوذ، حماية مقابل صمت، تنمية مقابل ولاء. لذلك من المتوقع أن تواصل أبوظبي الإنكار التقني وتغليف الخطاب بالإنسانيات، مع تكثيف الشرعية بالوكالة عبر سلطات محلية تابعة. وهذه لعبة توازن دقيقة: كل متر إضافي من الخرسانة على المدرج يساوي مترًا من الكلفة القانونية والسياسية، وكل مستودع جديد وقبة رادار مضافة يعني خطوة أقرب لتحويل الجزيرة إلى ساحة استدعاء نيران عند الأزمات.
 
الردّ الرشيد على هذا المشهد لا يكون بالشعار بل بالأدوات: توثيق زمني–مكاني عالي الدقة لكل تطور (صور أقمار صناعية تجارية، مسارات AIS، لقطات أرضية محايدة)، بناء ملف سيادي قانوني مُحكم يعرّف وضع الأرخبيل ويفصل كليًا بين أي دعم مدني وأي تموضع عسكري، وإطلاق مبادرات وعي مجال بحري إقليمية مشتركة تُقلّل “الثغرات العمياء” في باب المندب وتعيد عنصر المعلومات إلى أصحابه. كذلك ينبغي دفع مسارات قواعد اشتباك بحرية وتفاهمات سلامة ملاحة تقلّص فرص سوء التقدير، لأن الجزيرة في وضعها الحالي باتت عود ثقاب جافًا؛ ما إن ترتفع حرارة الإقليم حتى يتحول المدرج إلى خط اشتعال طويل.
 
خلاصة الخبير: ما يجري في عبدالكوري ليس منشأة عابرة ولا مطارًا مدنيًا مُحسّنًا. إنّه ترسٌ مُتقن في ماكينة نفوذ، يُدار بنَفَسٍ بارد ويتقدّم بخطى صغيرة محسوبة. النية الإماراتية الخبيثة ليست في الخرسانة وحدها، بل في ربط الخرسانة بسلسلة معلومات وولاءات وذرائع إنسانية تصنع واقعًا يصعب تفكيكه. كلفة تفويت هذه الإشارة ستكون مضاعفة: فقدان اليد على صنبور المعلومات البحرية في خاصرة الأمة، وتحوّل جزيرة يمنية إلى قاعدة يقرع صوتها في أذن كل سفينة تعبر الممرّ ويُملى على سواحلنا جدول المناورة.
 
 
 
هدف الامارات من اشراك الكيان في الجزيرة  
 
 
 
 
إشراك الإمارات للكيان الإسرائيلي ليس وليد اللحظة إسرائيل تملك خبرة عميقة في بناء منظومات مراقبة بحرية وجوية، من أقمار اصطناعية وأجهزة اعتراض إشارات إلى منصات مسيّرة طويلة المدى، وتملك تكنولوجيا الحرب الإلكترونية القصيرة–المتوسطة المدى.
 
الإمارات تريد أن تختصر سنوات بناء القدرات بشراء “حزمة سيطرة” جاهزة: مدرج متوسط الطول مجهّز لاستقبال طائرات استطلاع ومسيّرات MALE، وحظائر خفيفة، ورادارات ساحلية وهوائيات COMINT/ELINT ترفع وعي المجال البحري إلى مستوى غير مسبوق. هذه المنظومة تجعل عبدالكوري عقدة استشعار وتوجيه، تغذّي شبكة الوعي البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، وترتبط تكتيكيًا مع سقطرى كقاعدة خلفية للتموين والصيانة ومع القطع البحرية الإماراتية والغربية العاملة شمالًا وجنوبًا. النتيجة العملية هي تقليص زمن الاستجابة من ساعات إلى دقائق ورفع نسبة الاعتراض الناجح لأي نشاط معادٍ أو غير مرخص. 
 
من منظور عملياتي، تعمل هذه القاعدة كمنصة مزدوجة: مراقبة دائمة (ISR) مع قدرة ضربات دقيقة محدودة عند الحاجة. القدرة على إطلاق مسيّرات بعيدة المدى وحمل ذخائر انزلاقية أو جوّالة ضد أهداف بحرية أو ساحلية عالية القيمة – قوارب تهريب، مستودعات، زوارق مسيّرة – يعني أن الإمارات تتحكم ليس فقط في جمع المعلومة بل في القدرة على تعطيل الخصم لحظيًا. في الخلفية طبقة حرب إلكترونية تلتقط الاتصالات وتشوّشها، وأنظمة دفاع جوي قصيرة المدى مضادة للمسيّرات والقذائف الجوّالة لحماية القاعدة. كل ذلك ملفوف في خطاب “الإغاثة” ورحلات أسبوعية تُسميها أبوظبي إنسانية إلى سقطرى، بينما على الأرض تتوسع التحصينات والسواتر وتُشق طرق جديدة وتُرصف ممرات لسفن الإنزال وتُنشأ خزانات وقود وملاجئ ذخيرة.
 
إسرائيل بدورها تستفيد من هذا الترتيب. تحصل على مسرح اختبار عملياتي بعيد عن جبهتها المباشرة، ونافذة استخبارات متقدمة تُطل على عقدة الملاحة بين بحر العرب والبحر الأحمر حيث يمر جزء كبير من شحنات خصومها. هذا يثري بنوك أهدافها ويمنحها إنذارًا مبكرًا على خطوط تهريب السلاح إلى الحوثيين وحلفاء إيران، ويُسوق منتجاتها الدفاعية في سوق عربي مغلق. كما تمنح الشراكة تل أبيب مكسب ردعي غير معلن: وجود عيونها وآذانها على خط تهريب السلاح يعطيها مساحة لتعطيل سلاسل الإمداد قبل وصولها إلى مسارح نزاع أخرى.
 
بالنسبة للحوثيين، هذا المشروع يعني تهديدًا مباشرًا لبنيتهم اللوجستية وأدوات الحرب غير المتناظرة التي طوروها على مدى السنوات الماضية. قاعدة في عبدالكوري مزودة بقدرات ISR متقدمة قادرة على كشف القوارب الخشبية والدهو التي تُستخدم للتهريب، وتتبع مساراتها وربطها بالبيانات الاستخباراتية. وجود هذه القاعدة يقلص فجوة الزمن بين الرصد والاعتراض، ويمنح الإمارات وحلفاءها القدرة على شن عمليات بحرية–جوية مشتركة لقطع خطوط الإمداد الحيوية. كما أنه يفتح الباب أمام تعاون أمريكي–إسرائيلي–إماراتي في مجال تبادل البيانات عن التهديدات البحرية، ما يرفع الكلفة العملياتية لأي نشاط بحري للحوثيين في هذا القوس ويحد من قدرتهم على استخدام البحر الأحمر وخليج عدن كورقة ضغط.
 
التهديد لا يتوقف عند الجانب اللوجستي. كلما ارتفع مستوى الرصد والضغط على الممرات، زادت احتمالات تعريض الحوثيين لعمليات استهداف دقيقة لمخازنهم وأدواتهم البحرية وحتى لقياداتهم إذا ما حاولوا الاقتراب من هذه المناطق.
 
 
 
 
 
 
دلالة المدرج ووظائفه المحتملة
جدول الوظائف العملياتية المتوقعة
الوظيفة
النوع
القدرات المطلوبة
المعدات المتوقعة
المدى التشغيلي
الاستطلاع والمراقبة البحرية
ISR/دوريات بحرية
مراقبة حركة السفن والتهريب
King Air 350 ISR، Dash-8، C-295 MPA
400-800 كم
عمليات الطائرات المسيرة
UAV Hub
مداومة جوية طويلة
Heron/CH-4/Predator-class
1000+ كم
الدعم اللوجستي والطبي
SAR/CSAR
إخلاء طبي وبحث وإنقاذ
مروحيات نقل، خزانات وقود
200-400 كم
الحرب الإلكترونية
EW/AD
تشويش واعتراض
منظومات SHORAD/MRSAM
50-150 كم
جدول المتطلبات التقنية للمدرج
المواصفة
القيمة المقدرة
الاستخدام المناسب
مستوى الأولوية
الطول
1.8-2.4 كم
طائرات استطلاع متوسطة
عالي
العرض
45-60 متر
عمليات متزامنة
متوسط
سماكة الرصف
معيار عسكري
طائرات ثقيلة
عالي
أنظمة الملاحة
ILS/GPS
عمليات ليلية وسوء طقس
عالي
 
 
2. الأثر العملياتي على مسرح البحر الأحمر–خليج عدن
جدول نطاق التغطية الاستراتيجية
المنطقة المستهدفة
المسافة من عبدالكوري
نوع التغطية
الأهمية الاستراتيجية
باب المندب
150-200 كم
مراقبة مستمرة
حرجة
ساحل المهرة-شبوة
200-400 كم
دوريات منتظمة
عالية
مثلث المخا-ذُباب-ميون
300-500 كم
مراقبة دورية
متوسطة
القرن الأفريقي
100-300 كم
تنسيق إقليمي
عالية
جدول تأثير العمليات على الملاحة
نوع العملية
التأثير على التجارة
التأثير على التهريب
التأثير على الأمن
مراقبة AIS
إيجابي (حماية)
سلبي (كشف)
إيجابي (استقرار)
دوريات جوية
محايد
سلبي قوي
إيجابي قوي
اعتراض بحري
محايد-سلبي
سلبي قوي
إيجابي
عمليات ليلية
محايد
سلبي
إيجابي
 
 
3. البنية التحتية الحرجة واللوجستيات المتوقعة
جدول المرافق الأساسية
نوع المرفق
السعة المقدرة
التكلفة التقديرية
زمن الإنشاء
الأولوية
خزانات الوقود الجوي
500-1000 طن
2-5 مليون دولار
6-12 شهر
عالية جداً
مخازن الذخائر
100-200 طن
1-3 مليون دولار
3-6 أشهر
عالية
مركز العمليات
200-500 م²
3-8 مليون دولار
8-15 شهر
عالية جداً
ثكنات الإقامة
100-300 فرد
2-6 مليون دولار
6-12 شهر
متوسطة
مرافق الصيانة
2-4 طائرات
5-12 مليون دولار
12-18 شهر
عالية
جدول أنظمة الاتصالات والسيطرة
النظام
النوع
المدى
السعة
مستوى الأمان
اتصالات ساتلية
SATCOM
عالمي
عالية
مشفر
شبكة مايكروويف
P2P
50-100 كم
متوسطة
مشفر
رادار المراقبة
3D
200-400 كم
عالية
عسكري
أنظمة التشويش
EW
20-50 كم
متغيرة
سري
 
 
4. مصفوفة التهديدات والمخاطر
جدول تقييم التهديدات الشامل
نوع التهديد
مستوى الاحتمال
شدة التأثير
آليات المواجهة
التكلفة السنوية للحماية
مسيّرات معادية
متوسط (60%)
عالي (8/10)
SHORAD + تشويش
10-20 مليون دولار
زوارق مسيرة
منخفض (30%)
عالي (9/10)
دوريات بحرية + حواجز
5-15 مليون دولار
تخريب محلي
منخفض (25%)
متوسط (5/10)
أمن محيطي + استخبارات
2-5 مليون دولار
صواريخ كروز
منخفض (20%)
عالي جداً (10/10)
دفاع جوي متعدد الطبقات
50-100 مليون دولار
حرب إلكترونية
متوسط (50%)
متوسط (6/10)
تقسيم الشبكات + تشفير
3-8 مليون دولار
كوارث طبيعية
متوسط (40%)
متوسط (6/10)
بنية مقاومة + صيانة
1-3 مليون دولار
جدول استراتيجيات التخفيف
الاستراتيجية
الفعالية
التكلفة
زمن التنفيذ
المتطلبات
الدفاع المتعدد الطبقات
عالية (85%)
عالية
2-3 سنوات
تقنيات متقدمة
التمويه والتشتت
متوسطة (70%)
متوسطة
6-12 شهر
تخطيط دقيق
الشراكات الأمنية
عالية (80%)
منخفضة
3-6 أشهر
تنسيق سياسي
الاستخبارات المبكرة
عالية (90%)
متوسطة
مستمر
شبكة معلومات
 
 
5. سيناريوهات الاستخدام التشغيلية
جدول مقارنة السيناريوهات
السيناريو
مستوى النشاط
القدرات المطلوبة
المخاطر السياسية
الفعالية العملياتية
التكلفة السنوية
ISR بحتة
منخفض
استطلاع فقط
منخفضة (3/10)
متوسطة (6/10)
20-40 مليون دولار
ISR + ضربات محدودة
متوسط
استطلاع + هجوم
متوسطة (6/10)
عالية (8/10)
50-80 مليون دولار
منصة مشتركة موسعة
عالي
قدرات شاملة
عالية (9/10)
عالية جداً (9/10)
100-200 مليون دولار
جدول متطلبات كل سيناريو
المتطلب
السيناريو الأول
السيناريو الثاني
السيناريو الثالث
عدد الطائرات
2-4
6-10
15-25
عدد الأفراد
50-100
150-300
500-800
أنظمة الدفاع
أساسية
متوسطة
متقدمة
مدة الإعداد
6-12 شهر
12-24 شهر
24-36 شهر
 
 
6. الانعكاسات الاستراتيجية على الأطراف
جدول تأثير القاعدة على القوى الإقليمية
الطرف
المكاسب المحتملة
المخاطر المحتملة
الاستجابة المتوقعة
مستوى التأثير
الإمارات
سيطرة على باب المندب
تصعيد مع الحوثيين
تعزيز الدفاعات
عالي جداً (9/10)
السعودية
تأمين الحدود الجنوبية
تعقيد العلاقات اليمنية
دعم مشروط
عالي (7/10)
إسرائيل
مراقبة إيران
استهداف محتمل
تعاون استخباراتي
عالي (8/10)
إيران
-
تطويق استراتيجي
تعزيز الحوثيين
عالي (8/10)
تركيا
-
تقليص النفوذ
تعزيز القواعد البديلة
متوسط (5/10)
مصر
تأمين قناة السويس
تعقيد المعادلة
تنسيق حذر
متوسط (6/10)
جدول ردود الأفعال الدولية
القوة الدولية
الموقف المتوقع
الأدوات المستخدمة
مستوى التدخل
الولايات المتحدة
دعم مشروط
تنسيق عسكري
عالي
الصين
معارضة دبلوماسية
ضغط اقتصادي
متوسط
روسيا
معارضة سياسية
دعم الحوثيين
متوسط
فرنسا
تنسيق أمني
قاعدة جيبوتي
منخفض
بريطانيا
دعم حذر
تنسيق استخباراتي
منخفض
 
 
7. مؤشرات الإنذار المبكر والمراقبة
 
جدول مؤشرات التطوير والتوسع
المؤشر
مستوى الأهمية
زمن الظهور المتوقع
طريقة الرصد
التفسير المحتمل
بطاريات دفاع جوي
حرج
3-6 أشهر
صور فضائية
تحول لقاعدة دائمة
توسع خزانات الوقود
عالي
6-12 شهر
صور فضائية
زيادة النشاط الجوي
حظائر الطائرات
عالي
6-18 شهر
صور فضائية
تمركز دائم للطائرات
رصيف بحري صلب
متوسط
12-24 شهر
صور فضائية
تعزيز الدعم اللوجستي
أبراج اتصالات متقدمة
عالي
3-9 أشهر
إشارات إلكترونية
تطوير قدرات C4ISR
مرافق تدريب
متوسط
12-36 شهر
صور فضائية
تمركز قوات خاصة
جدول مستويات التأهب
مستوى التأهب
المؤشرات
الإجراءات المطلوبة
الجهات المعنية
أخضر (طبيعي)
نشاط إنشائي محدود
مراقبة روتينية
وحدات الاستطلاع
أصفر (متزايد)
وصول معدات عسكرية
تكثيف المراقبة
القيادات الإقليمية
برتقالي (عالي)
تشغيل أنظمة دفاعية
تفعيل خطط الطوارئ
القيادة العليا
أحمر (حرج)
نشاط عسكري مكثف
إجراءات مضادة
جميع المستويات
 
 
8. المخاطر القانونية والسيادية
جدول التحديات القانونية
القضية القانونية
مستوى الخطورة
الجهات المتأثرة
الحلول المحتملة
انتهاك السيادة اليمنية
عالي جداً
الحكومة اليمنية
اتفاقية رسمية
عسكرة المساعدات الإنسانية
عالي
المنظمات الدولية
فصل الأنشطة
تهديد الملاحة المدنية
متوسط
المجتمع الدولي
ضمانات أمنية
انتهاك قرارات مجلس الأمن
عالي
الأمم المتحدة
تفويض دولي
جدول الآثار القانونية المحتملة
الإجراء القانوني
الاحتمالية
التأثير المتوقع
الجهة المختصة
شكوى في محكمة العدل الدولية
متوسط (60%)
تعليق العمليات
محكمة لاهاي
قرار إدانة في مجلس الأمن
منخفض (30%)
ضغط دبلوماسي
مجلس الأمن
عقوبات اقتصادية
منخفض (25%)
تكلفة إضافية
الاتحاد الأوروبي
تدويل النزاع
عالي (70%)
تعقيد الوضع
الأمم المتحدة
 
 
9. التوصيات العملية
جدول التوصيات حسب الجهة المعنية
الجهة المستهدفة
التوصية الأساسية
الأولوية
الإطار الزمني
الموارد المطلوبة
صانعو القرار الإماراتيون
توضيح الإطار القانوني
عالية
فوري
دبلوماسية
الحكومة اليمنية
بناء سجل توثيقي
عالية
3-6 أشهر
تقنية
المجتمع الدولي
تطوير آليات مراقبة
متوسطة
6-12 شهر
مالية
القوى الإقليمية
تعزيز التنسيق الأمني
عالية
مستمر
سياسية
جدول خطة العمل المرحلية
المرحلة
الهدف
المدة
المخرجات المتوقعة
الأولى
التوثيق والرصد
3 أشهر
قاعدة بيانات شاملة
الثانية
التحليل والتقييم
3 أشهر
تقرير استراتيجي
الثالثة
التنسيق الإقليمي
6 أشهر
اتفاقيات تعاون
الرابعة
التنفيذ والمتابعة
مستمر
آليات مراقبة دائمة
 
 
10. الخلاصة التقديرية
جدول التقييم الإجمالي
المعيار
التقييم
الوزن النسبي
النتيجة المرجحة
الأهمية الاستراتيجية
عالية جداً (9/10)
30%
2.7
الجدوى العملياتية
عالية (8/10)
25%
2.0
المخاطر السياسية
عالية (7/10)
20%
1.4
التكلفة الاقتصادية
متوسطة (6/10)
15%
0.9
الاستدامة طويلة المدى
متوسطة (5/10)
10%
0.5
**المجموع الإجمالي
7.5/10
100%
7.5
الاستنتاجات الرئيسية
الوظيفة المرجّحة للمنشأة: عقدة ISR/دوريات بحرية مع قدرة ضربات محدودة ومضادة للزوارق/المسيّرات، ودفاع جوي قصير المدى، وربط لوجستي مع سقطرى.
 
الأثر الاستراتيجي: تحسين الوعي البحري والسيطرة التكتيكية على مدخل باب المندب، بما يرفع كلفة التهريب ويقوّي حماية القوافل، لكنه في المقابل يعسكر جزيرة حساسة ويجعلها هدفًا في أي تصعيد.
 
مركز الثقل: استدامة اللوجستيات والحماية متعددة الطبقات. أي خلل في الوقود/الصيانة/الدفاع الجوي يقلّص الفاعلية بسرعة.
 
نافذة العمل الدبلوماسي–القانوني: لا تزال متاحة لبلورة ترتيبات تضمن السيادة اليمنية وتحول دون تثبيت واقع عسكرة دائمة خارج إطار تفويض واضح.
 
 
 
 
خاتمة
إن مشروع إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة عبد الكوري، كما تكشفه الوثيقة المدروسة، يمثل تطوراً استراتيجياً بالغ الأهمية في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن. هذا المشروع هو جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وتأمين السيطرة على أحد أهم الممرات المائية في العالم. إن التعاون الثلاثي بين الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة في هذا المشروع يعكس تحولاً جذرياً في تحالفات المنطقة، ويفتح الباب أمام تطورات جيوسياسية جديدة قد تعيد تعريف مفهوم الأمن والاستقرار في المنطقة.
 
التوصيات
 
إن مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية يدعو جميع القوى السياسية والناشطين وأعضاء البرلمان والدبلوماسيين والاعلاميين وغيرهم إلى أن يكونوا يدًا واحدة من أجل ملاحقة الإمارات عبر المحاكم الدولية وفضح كل جرائمها بحق اليمنيين وما تقوم به من عبث في الجزر اليمنية، وعلى رأسها جزيرة عبدالكوري وميون وزقر وحنيش وغيرها
 
إن ما كشفته الوثائق من تحويل مشاريع إنسانية إلى واجهات لتموضع عسكري–استخباراتي خطير يهدد السيادة الوطنية والأمن القومي اليمني والملاحة الدولية يستدعي استجابة وطنية ودولية شاملة. وعليه فإن هذه الدراسة توصي بالآتي:
 
1- شكيل جبهة قانونية دولية: إنشاء فريق وطني–دولي من القانونيين والخبراء في القانون الدولي الإنساني وقانون البحار، يتولى إعداد ملف متكامل عن الانتهاكات التي ترتكبها الإمارات في الجزر اليمنية، وتقديمه إلى محكمة العدل الدولية والمحاكم الإقليمية وهيئات الأمم المتحدة.
 
2- توثيق الانتهاكات بالأدلة العلمية: اعتماد صور الأقمار الصناعية، وتقارير الخبراء، والشهادات الميدانية لتوثيق كل الأنشطة العسكرية غير المشروعة في عبدالكوري وسقطرى، وإنشاء قاعدة بيانات سيادية تُحدّث باستمرار.
 
3-تفعيل الدبلوماسية البرلمانية: قيام أعضاء البرلمان اليمني بالتواصل مع نظرائهم في البرلمانات العربية والأجنبية لشرح ما يجري في الجزر اليمنية، واستصدار بيانات إدانة ومساءلة للحكومات المتورطة أو المتسترة على هذه الانتهاكات.
 
4- حشد الرأي العام الدولي: إطلاق حملات إعلامية باللغات العالمية تبرز طبيعة المشروع الإماراتي–الإسرائيلي في البحر الأحمر، وخطورته على أمن الملاحة والتجارة العالمية، لإحراج الحكومات الداعمة أو الصامتة.
 
5- إعادة الاعتبار للسيادة البحرية اليمنية: وضع خطة وطنية لإعادة بسط السيادة على الجزر والمياه الإقليمية، تشمل تحديث التشريعات البحرية، وبناء قدرات مراقبة بحرية وطنية بالتعاون مع الدول الصديقة غير المتورطة في النزاع.
 
6- تعزيز،الوعي المحلي والإقليمي: تنظيم ندوات وورش عمل ودراسات تُبرز الأبعاد الاستراتيجية لما يجري في عبدالكوري وسقطرى، وتُكوّن كوادر يمنية متخصصة في الأمن البحري والقانون الدولي والجيوبوليتيك.
 
7-التحرك على مستوى المنظمات الإقليمية: تقديم ملف متكامل إلى الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي لطلب موقف واضح وصريح من التواجد العسكري الإماراتي–الإسرائيلي في الجزر اليمنية.
 
8- التحضير لسيناريوهات طويلة الأمد: عدم الاكتفاء بالمطالبات الآنية، بل صياغة استراتيجية يمنية شاملة لحماية الأرخبيل والممرات البحرية، تشمل أدوات سياسية وقانونية وتقنية، وتفعيل الشراكات الدولية البديلة.
 
 
 
9-تشكيل فريق قانوني–محاسبي متخصص: يتكون من محامين، خبراء قانون دولي، وخبراء محاسبة وتقييم أضرار، تكون مهمته حصر الأضرار المادية والبيئية والبشرية الناتجة عن الأنشطة الإماراتية في الجزر اليمنية، ووضع تقديرات دقيقة للتعويضات المستحقة لليمن وأهالي المناطق المتضررة، وتضمينها في الدعاوى القضائية الدولية.
 
بهذه التوصيات تؤكد الدراسة أن استعادة الجزر اليمنية وحماية السيادة البحرية ليست مهمة حكومية فقط، بل مسؤولية وطنية جماعية تتطلب تضافر القوى السياسية والمدنية والدبلوماسية في الداخل والخارج، وتستند إلى أدوات علمية وقانونية حديثة تعيد الحق لأصحابه وتمنع تكرار هذا النموذج في بقية الأراضي والمياه اليمنية.
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news86884.html