
هنا عدن | متابعات
فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، الفرع المرتبط بتنظيم القاعدة في الساحل، حصارًا مطوّلًا على العاصمة المالية باماكو مستمر منذ أشهر، ما دفع المدينة إلى حافة الانهيار وخلّف شعورًا واسعًا باليأس بين السكان. ويقول محلّلون إن هذا الضغط الميداني والاقتصادي يضع السلطة العسكرية الحاكمة في موقف يصعب معه الاستمرار برفض أي حوار مع الجماعة، رغم أن الحكومة كانت قد رفضت سابقًا الدخول في تسويات من هذا النوع.
حصار اقتصادي ووقودي عبر إغلاق الطرق الرئيسية
منذ سبتمبر أغلقت عناصر الجماعة طرقًا رئيسية تُستخدم لنقل المحروقات من دول مجاورة مثل السنغال وساحل العاج، فعمدت عمليًا إلى إحداث حصار اقتصادي وخصوصًا في إمدادات الوقود. هذه السياسة أدت إلى شلل نسبي في حركة المدينة، إذ جفّت محطات التزود وظهرت طوابير طويلة أمام ما تبقّى منها.
تُعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين اليوم التحالف الجهادي الأكبر في غرب إفريقيا، وهي تمثل الامتداد الأهم لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء. تأسست الجماعة رسميًا في 2 مارس 2017 بعد اندماج أربع حركات مسلحة رئيسية تنشط في شمال مالي، هي: أنصار الدين، المرابطون، إمارة منطقة الصحراء الكبرى، وكتائب ماسينا. وقد أعلن عن تأسيسها في تسجيل مصوّر ظهر فيه قادتها، وتمت مبايعة إياد أغ غالي أميرًا للتنظيم.
منذ نشأتها، أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم القاعدة، وخصّت بالبيعة زعيمه الراحل أيمن الظواهري وأبو مصعب عبد الودود (درودكال)، مؤكدة التزامها بخط القاعدة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يُعد خصمها الجهادي الأبرز في المنطقة.
هيمنة عسكرية وتمدد جغرافي
تركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حضورها العسكري حاليًا في وسط وشمال مالي، لا سيما في ولايات موبتي، سيغو، وغاو، حيث تمثل هذه الولايات العمق العملياتي واللوجيستي للجماعة.
وتعتمد في تحركاتها على خلايا قتالية صغيرة تنفذ هجمات خاطفة ضد القواعد العسكرية ونقاط الإمداد، قبل أن تنسحب إلى المناطق الريفية ذات التضاريس الوعرة والغابات النهرية، ما يجعل تعقبها أمرًا بالغ الصعوبة.
كما فرضت الجماعة سيطرتها على بلدة فارابوغو الواقعة جنوب وسط مالي، بالقرب من الحدود الموريتانية، حيث أقامت نظام حكم محلي يقوم على تطبيق صارم للشريعة الإسلامية، ففرضت قيودًا على اللباس، ومنعت الموسيقى والمشروبات الكحولية، وألزمت السكان بدفع الزكاة.
توسع نحو الحدود وتهديد للاستقرار الإقليمي
خلال العامين الأخيرين، اتجهت الجماعة إلى توسيع نطاق عملياتها جنوبًا نحو حدود بوركينا فاسو وكوت ديفوار، وغربًا باتجاه الحدود الموريتانية، في محاولة لإنشاء ممرات آمنة تصل بين مناطق تمبكتو وولاية كايز.
هذا التمدد جعل موريتانيا خط تماس جديدًا مع الجماعات المسلحة، وأثار مخاوف حقيقية من تحولها إلى ساحة مواجهة مستقبلية.
وفي شرق مالي، اشتد الصراع بين جماعة نصرة الإسلام وتنظيم الدولة (داعش) في مناطق ميناكا وغاو، ما أدى إلى تدهور الوضع الأمني والإنساني في تلك المناطق، بينما يزداد الضغط على العاصمة باماكو التي باتت تواجه حصارًا اقتصاديًا وأمنيًا متزايدًا.
خريطة النفوذ الحالية
رغم غياب خرائط رسمية محدثة، فإن التقديرات الميدانية والمصادر المحلية تشير إلى أن خريطة انتشار الجماعة يمكن تلخيصها على النحو التالي:
ولاية موبتي: المعقل الرئيسي للعمليات والهجمات ضد الجيش المالي والقوات الأجنبية.
ولاية سيغو: منطقة تمركز خلفية توفر ملاذات آمنة وإمدادات بشرية ولوجستية.
ولاية غاو: محور الصراع المفتوح مع داعش وساحة لهجمات متكررة.
في النهاية باتت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين اليوم الفاعل المسلح الأهم في مالي ومنطقة الساحل، إذ نجحت في توحيد فصائل القاعدة تحت راية واحدة، ما مكّنها من ترسيخ وجودها العسكري والسياسي في مناطق شاسعة من البلاد.
ومع استمرار انسحاب القوات الأجنبية وضعف سلطة الدولة المركزية، يُتوقع أن يتعزز نفوذ الجماعة في المدى القريب، مما يهدد بتحول مالي إلى مركز ثقل جديد للجماعات المتطرفة في غرب إفريقيا.
(بوابة الفجر)