2025/12/13
فشل "متكرر" بمواجهة التنظيم.. مليشيا الانتقالي تطلق عملية جديدة للقضاء على "القاعدة" لتغطية تراجعها وانسحابها من حضرموت والمهرة

 هنا عدن | متابعات
إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، عن إطلاق "عملية الحسم" لمكافحة الإرهاب في محافظة أبين، عقب بسط نفوذه المسلح على حضرموت والمهرة يعيد التذكير بإطلاقه عملية أسماها "سهام الشرق" تحت ذات اللافتة في لحظة مماثلة عقب سيطرته المسلحة على شبوة عام 2022.

وأثناء وصول وفد سعودي إلى عدن لمحاولة إقناع الإنتقالي بالتراجع عن تحركاته المسلحة في محافظات شرق اليمن، خرج المتحدث باسم قواته، أمس الجمعة، ليعلن عن إطلاق ما أسماها "عملية الحسم" ضد العناصر الإرهابية في محافظة أبين.

وبالنظر إلى توقيت إعلان العملية فقد بدت الخطوة مناورة سياسية أكثر من كونها عملية أمنية حيث تحول ملف الإرهاب إلى ورقة تسويقية يستخدمها الإنتقالي لتمرير خطواته التي تقوض ما تبقى من وجود للحكومة المعترف بها دولياً وتلقى رفضاً محلياً وممانعة إقليمية.

ولا يمكن فصل هذا السلوك عن السياق العام لتحركات المجلس خلال السنوات الأخيرة، إذ تحولت أبين إلى مسرح دائم لإعادة إنتاج العمليات العسكرية تحت العنوان نفسه، مع تغيّر المسميات وبقاء الجغرافيا والنتائج على حالها.

لكن ما جرى على الأرض لم يعكس تبدلاً في المشهد الأمني. فقد تحولت مناطق مثل وادي عومران، الذي وصفه المجلس مراراً بأنه "أكبر معاقل تنظيم القاعدة ومقر قيادته الرئيس"، إلى نموذج صارخ للتناقض بين الخطاب والممارسة. إذ أُعلن عن "تحرير" الوادي مرات متكررة، في مقابل استمرار الهجمات التي تستهدف قوات المجلس في الموقع نفسه.

هذا التكرار وفق مراقبين، لا يمكن تفسيره باعتباره إخفاقاً عملياتياً فحسب، بل يعكس غياب رؤية أمنية متكاملة. وبحسب الباحث محمد بن فيصل، المختص بشؤون القاعدة، أعلن الانتقالي عن "تحرير" وادي عومران خمس مرات من دون أن يؤدي ذلك إلى تفكيك فعلي لبنية التنظيم أو إنهاء قدرته على المناورة، ما حوّل الحرب على القاعدة إلى استنزاف مفتوح يدفع ثمنه الجنود والسكان المحليون، بينما يحتفظ التنظيم بمرونته وقدرته على التكيّف.

غير أن الإشكالية الأعمق لا تكمن فقط في فشل العمليات، بل في طبيعة إدارتها سياسياً. فالتوقيت الذي تُعلن فيه هذه الحملات يطرح تساؤلات جدية حول وظيفتها الفعلية.

ومنذ أول تحرك لقوات المجلس الانتقالي باسم مكافحة الإرهاب في أبين مطلع عام 2019، ظل خطاب "تطهير المعاقل الإرهابية" حاضراً، لكنه كان يتبدل سريعاً عقب كل تحول سياسي أو عسكري، كما حدث بعد تمرد المجلس على الحكومة وسيطرته على عدن وأبين في أغسطس من العام نفسه، حين عاد الحديث عن "هجمات إرهابية" تستهدف قواته.

وتكرر المشهد في أغسطس 2022، عقب سيطرة المجلس بالقوة على شبوة وما تبقى من مناطق أبين، إذ أُطلقت "سهام الشرق" في محاولة لامتصاص الضغط السياسي الذي أعقب تلك الخطوة، من خلال إعادة تقديم التحرك العسكري بوصفه جزءاً من الحرب على الإرهاب ومنع التهريب إلى جماعة الحوثي. وبعد أسابيع فقط، أُعلن "تحرير" وادي عومران، مع بث مواد مصورة قُدّمت على أنها توثيق لنصر ميداني.

إلا أن السنوات اللاحقة أظهرت أن هذه الإعلانات لم تُترجم إلى استقرار أمني، وخلال عام 2025 وحده، أعلنت وسائل إعلام المجلس الإنتقالي عن عدة هجمات واشتباكات في الوادي ومحيطه، أربع منها وقعت خلال فترة متزامنة مع التصعيد العسكري الذي نفذه المجلس في محافظتي حضرموت والمهرة، التصعيد الذي جرى تحت غطاء "مكافحة الإرهاب" و"منع التهريب".

في هذا السياق، يبرز توظيف تهمة الإرهاب كأداة سياسية بوضوح أكبر، فبينما يسوّق المجلس نفسه كقوة تحارب التنظيمات المتطرفة في أبين، يجري في الوقت ذاته تحميل مؤسسات عسكرية نظامية، مثل المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، تهمة "التواطؤ مع الإرهاب". وتزداد حدة هذه المفارقة عند مقارنة الخطاب المتداول مع حجم التضحيات التي قدمتها قوات المنطقة الأولى في معارك مكافحة القاعدة منذ عام 2015، بما في ذلك عملية تحرير سيئون.

ضمن هذا المسار نفسه، جاء إعلان "عملية الحسم" في ديسمبر 2025، باعتبارها استكمالاً لـ"سهام الشرق"، فالبيان الصادر عن القوات التابعة للمجلس لا يقدّم معطيات أمنية جديدة بقدر ما يعيد إنتاج خطاب تعبوي، يجمع بين الاستدعاء الديني، وتوسيع دائرة العدو عبر الحديث عن "تحالف بين الحوثيين وتنظيم القاعدة"، والدعوة إلى التفاف قبلي، من دون توضيح استراتيجية واضحة.

لكن الإشكالية الأعمق تتصل بالوظيفة السياسية التي يؤديها خطاب "الحرب على الإرهاب" في سلوك المجلس الانتقالي. فكلما تورط المجلس في تصعيد عسكري يستهدف مؤسسات الدولة، أو نفّذ تحركات أربكت المشهد السياسي وأثارت قلق التحالف والمجتمع الدولي بسبب ما تخلقه من انقسام داخل الصف المناهض لجماعة الحوثي، يعود سريعاً إلى استدعاء لافتة مكافحة الإرهاب بوصفها أداة لإعادة التموضع وتحسين الصورة.

في هذه اللحظات، لا تُقدَّم مكافحة الإرهاب كمعركة أمنية قائمة على استراتيجية واضحة، بقدر ما تُستخدم كمظلّة سياسية لامتصاص التداعيات، إذ يُعاد تسويق المجلس كقوة منشغلة بخطر مشترك يهدد الجميع، بما يسمح بنقل مركز النقاش من الأسئلة الحرجة المتعلقة بشرعية تحركاته، وكلفة مغامراته العسكرية، وتأثيرها على وحدة المعسكر المناهض للحوثيين، إلى خطاب أمني يطلب التفهّم ويستجلب الغطاء السياسي.

وعلى هذا الأساس، يمكن فهم التزامن المتكرر بين الأزمات التي يتسبب بها المجلس، وبين إعلاناته عن معارك جديدة ضد الإرهاب في أبين أو غيرها، فإطلاق "عملية" جديدة لا يأتي غالباً استجابة لتهديد أمني نوعي، بقدر ما يأتي عقب كارثة سياسية أو عسكرية، أو خطوة تضع المجلس في مواجهة انتقادات داخلية وخارجية، فيتحول الإرهاب من خطر يُفترض استئصاله إلى ورقة تُدار لتجميل السلوك وتخفيف الضغط.

وفي المحصلة، تكشف تجربة أبين أن مكافحة الإرهاب في اليمن، في ظل الانقسام وغياب الدولة، تتحول بسهولة إلى لافتة سياسية متحركة، تُستخدم لتبرير إعادة الانتشار العسكري وتجاوز الأسئلة المتعلقة بالشرعية والمساءلة، والنتيجة واحدة دائما: استمرار العنف، إعادة إنتاج التهديد، وإطالة أمد الفوضى، فيما تبقى الدولة الغائب الأكبر عن معادلة يُفترض أنها تُخاض باسمها.
( المصدر اونلاين)
 

تم طباعة هذه الخبر من موقع هنا عدن https://huna-aden.com - رابط الخبر: https://huna-aden.com/news87379.html