لمحمد علي أحمد: قليل من الدراية بالقانون الدولي يجنبكم الضلال والتضليل

2013/12/14 الساعة 03:29 مساءً

 

أبعث هذه الرسالة المفتوحة لشخصكم الكريم، ولجميع قادة الانفصال، ومن يدور في فلكهم علها تنفعكم، وتوضح لكم أمورا تجهلونها. وتحتوى هذه الرسالة على التعريف بموقف القانون الدولي من المطالب الانفصالية في الجنوب.

ومضمون هذه الرسالة، في معظمه، هو تلخيص لدراسة طويلة نشرتها في يونيو 2012 – يمكنكم الاطلاع عليها بسهولة في أكثر من موقع الكتروني ومنها هذا الموقع http://almasdaronline.com/article/32828، وقد خلصت فيها إلى غياب الأسس القانونية لفك الارتباط، أو حق تقرير المصير.

ولم أكن أنوي  تكرار ما ذكرته في تلك الدراسة، غير أن إصراركم على ترديد المعلومات الخاطئة؛ حول شرعية الانفصال وفق القانون الدولي - كما جاء في الرسالة التي بعثتموها لمبعوث الأمم المتحدة السيد جمال بن عمر - جعلني أعيد تذكيركم بما جاء في تلك الدراسة، وعملا بالقاعدة التي تقول بأن التكرار يعلم الشطار.

 وحتى لا أطيل عليكم؛ فإنني سأختصر رسالتي في النقاط التالية:

1-         حسب مضمون رسالتكم ذكرتم أن التاريخ قد أفضى إلى قيام شعبين لهما دولتان ذاتا سيادة ومعترف بهما من قبل الأمم المتحدة. وهذه المعلومة صحيحة، إلا أنها ناقصة؛ فهاتان الدولتان قد تم إلغاؤهما بموجب اتفاقية الوحدة في مايو 1990. وقد تم ذلك الإلغاء من قبل حكومتي الدولتين في حينها، واللتان كانتا حكومتين شرعيتين وفق القانون الدولي. وحين نقول بأنهما كانتا شرعيتين؛ فإننا نقصد بذلك الشرعية القانونية، وهي الشرعية التي كانا بموجبها تمارسان الولاية القانونية على شعبيهما، وتعقدان الاتفاقيات مع الدول الأخرى. وبموجب تلك الولاية؛ اتفقت تلكما الحكومتان بشكل طوعي وبكامل إرادتهما؛ على الدخول في وحدة اندماجية، أفضت إلى إلغاء دولتي اليمن الجنوبي والشمالي.

ووفق المادة الأولى من اتفاق إعلان الوحدة، والتي تنص على أن: تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من مايو عام 1990م الموافق 27 شوال 1415هـ، بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني)، وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية، لكل منهما، في شخص دولي واحد يسمى "الجمهورية اليمنية"، ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة.

2-         منذ إعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990؛ أصبح شعبا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية، تحت مسمى شعب الجمهورية اليمنية. ووفقا للقانون الدولي؛ فإن العلاقة التي تحكم هذا الشعب ينظمها دستور هذه الدولة. واستنادا إلى المادة الأولى من دستور دولة الوحدة - لم يجرِ عليها أي تغيير حتى الآن– والتي تنص على:  الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية، والعالم الإسلامي. وبما أن المادة المذكورة تمنع التجزئة؛ فإن أي دعوة للانفصال تعتبر غير مشروعة، بل هي جريمة وفقا لهذا النص.

3-         يقوم القانون الدولي على مبدأ سيادة الدول، ووحدة أراضيها. ولكون سكان الجنوب جزءا من مواطني الجمهورية اليمنية؛ فإن حقوقهم وواجباتهم ينظمها الدستور، والقوانين في الجمهورية اليمنية، عملا بمبدأ السيادة. وما دام القانون اليمني لا يجيز لسكان الجنوب بأن يقرروا مصيرهم، بالبقاء في الدولة، أو تأسيس دولة جديدة؛ فإن هذا العمل يعتبر غير شرعي، من وجهة نظر القانون الدولي، عملاً بمبدأ السيادة.

ففي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2626 يشير إلى أن " كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي، أو الكلي للوحدة القومية، والسلامة الإقليمية لأي دولة، أو بلد، أو النيل من الاستقلال السياسي لأي دولة، او بلد تتنافى مع مقاصد الميثاق ومبادئه".

4-         أشرتم في رسالتكم إلى أن القانون الدولي لا يسمح بإلغاء الشخصية القانونية لأي شعب، وأن هذه الحقوق ثابتة تتوارثها الأجيال، ولا أعرف عن أي قانون دولي تتحدثون، فأين هو النص الذي يمنع الدول في أن تتحد وتلغي شخصيتها القانونية، وتندمج في أو مع دول أخرى. فنص كهذا لا يمكن أن يقره العقل والمنطق.

ولو كان موجودا فلماذا لم تعترض الأمم المتحدة، ومجلس الأمن على الاتحادات التي تمت،كالوحدة اليمنية، والوحدة الألمانية؟. إن ما أريد إيضاحه في هذه النقطة أن قضية الوحدة، أو الانفصال، من قضايا السيادة الخاصة بكل دولة، فلو أن حكومة في دولة ما قررت الوحدة مع دولة أخرى، أو أن هذه الحكومة قررت أن تُقسم الدولة- إن كان دستورها يجيز ذلك- فإن القانون الدولي لا يعارض ذلك؛ لأن هذه القرارات من الأمور السيادية. وما يعارضه القانون الدولي هي الوحدات القسرية عن طريق القوة، أو الوحدات التي تخالف نصوص واضحة في دساتير الدول. كأن يكون هناك نص دستوري يمنع الحكومة من التوحد مع دولة أخرى؛ دون استفتاء شعبي، أو إجراءات دستورية خاصة.

5-         أشرتم ضمنيا في رسالتكم المذكورة إلى أن قادة دولتي اليمن قبل الوحدة قد تجاوزوا شعوبهم، حين اتخذوا قرار الوحدة دون استفتائهم. والحقيقة التي لا تجهلونها؛ أن قضية الوحدة اليمنية لم تكن قضية غائبة عن مواطني الدولتين السابقتين، وتحديدا في الدولة الجنوبية. ففي هذه الدولة -حسب ما تذكر- كانت قضية الوحدة شعارا رسميا كنتم ترددونه، وجميع من يطالب بالانفصال الآن، صبحا ومساء، مع جميع أفراد الشعب في الجنوب. كما أن مطلب تحقيق الوحدة اليمنية، كان مادة دستورية في دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والذي تبوأتم بكنفه مناصب قيادية، حيث كانت المادة الثانية من هذا الدستور تنص على: الشعب اليمني شعب واحد وهو جزء من الأمة العربية والجنسية اليمنية واحدة , وتكون اليمن وحدة تاريخية واقتصادية وجغرافية.

وكل ذلك يشير؛ ويؤكد على أن تحقيق الوحدة اليمنية لم يكن عملا سريا ،أو مؤامرة، دُبرت في ليل كما يُفهم من فحوى رسالتكم لجمال بن عمر، بل كانت هدفا، ومطلبا شعبيا، ونخبويا في الجنوب قبل الشمال.

6-         احتوت الرسالة على ما أسميتموه احتلال الجنوب من قبل الشمال واستباحة سيادته، ولا أعرف عن أي سيادة تتحدثون، فبموجب القانون الدولي؛ لم يعد هناك من سيادة للجنوب، بعد أن ألغيت هذه الدولة في 22 مايو 1990. أما صفة الاحتلال التي ذكرتموها، ويرددها دعاة الانفصال؛ فإنها لا توجد إلا في أذهانكم، فليس هناك من وثيقة قانونية، أو موقف رسمي لأي دولة، يتحدث عن هذا الاحتلال. فقرارا مجلس الأمن (924، 931) اللذان صدرا أثناء حرب 94، أشارا إلى خلافات سياسية داخل دولة أسمها الجمهورية اليمنية، ولم يتحدثا عن حرب بين دولتين، كما يتم الترويج له من قبل الانفصاليين. وقرارا مجلس الأمن (2014، 2015) أكدا بكل وضوح؛ على وجوب وحدة أراضي اليمن. وأحب أن أنبهكم، وبقية الانفصاليين؛ إلى أن قرارات مجلس الأمن هي قواعد قانونية، وفق القانون الدولي. وحين تؤكد قرارات المجلس على وحدة اليمن، يبقى الحديث عن احتلال الجنوب هرطقة وهراء، وخارج السياق.

7-         أحب أن أذكركم أن القانون الدولي يمنع انفصال أي جزء من الدولة، دون موافقة بقية الأجزاء، والذي يسمى بالانفصال من جانب واحد. ويعني ذلك منع أي جماعة عرقية، أو جغرافية، أو دينية من الانفصال عن الدولة الأم. ويسمح القانون الدولي لحكومات هذه الدول بأن تستخدم كل الوسائل بما في ذلك القوة لمنع الانفصال. وعلى ذلك الأساس؛ فإن استخدام القوة لمنع الانفصال عام 94 كان شرعيا، وحق من حقوق السيادة، والأمر المحظور الوحيد هو انتهاك القانون الدولي الإنساني، وارتكاب جرائم حرب.

8-         يكثر الحديث من قبلكم، ومن قبل الانفصاليين؛ عن أن القانون الدولي يمنح سكان المحافظات الجنوبية، والذي تسمونه شعب الجنوب، الحق في تقرير مصيره، وهذه مغالطة، إن كنتم تعرفون، أو جهل إن كنتم لا تعرفون. فالقانون الدولي لا يمنح هذا الحق إلا للشعوب التي تصنف على أنها تحت الاحتلال، أو الاستعمار، أو أن دستور دولتها يسمح لها بذلك. وبما أن سكان المحافظات الجنوبية لا ينطبق عليهم أي صفة مما ذُكر سابقا؛ فليس من حقهم أن يطالبوا بحق تقرير المصير، حتى لو كان هناك أغلبية كبيرة تطالب به، فهذه الأغلبية ومهما كبر حجمها، لا تُغير من قواعد القانون الدولي. وعلى ذلك؛ فإن المليونيات التي تدعون خروجها للمطالبة بتقرير المصير ليس لها قيمة قانونية، وإن يكن لها قيمة سياسية.

9-           طالبتم في رسالتكم مجلس الأمن والأطراف الإقليمية بتبني مبادرة لتفاوض ندي يؤسس للانفصال، وأحب هنا أن أنبهكم إلى أن مجلس الأمن لا يمكنه أن يتبنى قرارا من هذا النوع، فقيام المجلس بعمل كهذا سيُعد سابقة خطيرة؛ لا يمكن أن يقوم بها. فتشجيع الحركات الانفصالية من قبل مجلس الأمن، سيقوض أهم أعمدة النظام الدولي، ويفتح الباب لتفكيك معظم الدول، بما فيها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن تعاني من حركات انفصالية عديدة. ولهذا كله؛ فإن مطالبكم هذه لن تجد قبولا في الأمم المتحدة. أما مطالبتكم الدول الإقليمية بتبني مبادرة خاصة بالجنوب، فهي مطالبة لطرف لا يمتلك الحق القانوني، ولا الشرعية السياسية؛ لتقديم مبادرات لتقسيم اليمن وتقويض وحدته. فمبادرة من هذا النوع لا تشبه المبادرة الخليجية، فتلك المبادرة أتت لتحل قضية صراع سياسي، وتمت بطلب ورغبة من قبل أطراف ذلك الصراع، ولم يكن لها من قيمة قانونية إلا حين أيدها مجلس الأمن.

10-       تدركون أم لا تدركون بأن مشروع الانفصال لا يمتلك أي مقومات لنجاحه، فاستعادة دولة الجنوب السابقة أصبحت في خانة المستحيلات والتمنيات. فتلك الدولة التي تم خلقها بالحديد والنار من قبل الجبهة القومية، وفي ظروف دولية وإقليمية ومحلية مختلفة تماما عن الظروف الحالية، لا يمكن استعادتها؛ إلا في حال عودة تلك الظروف. ولهذا فإن مشروع الانفصال ليس سوى مشروع للفوضى والشر، يكتوي بناره الجنوبيون، قبل الشماليين. وبما أن الأمر على ذلك النحو؛ فإن جميع الدول التي يهمها أمن واستقرار اليمن لا تؤيد هذا المشروع؛ ويستثنى من ذلك جمهورية إيران الشقيقة، والتي تقوم أجندتها على خلق الفوضى في اليمن.

وعلى هذا الأساس؛ فلا تتوهموا بأن العالم الخارجي سيؤيد الانفصال، حين تذكرونه بالأهمية الأمنية، والاستراتيجية للجنوب – كما جاء في رسالتكم لجمال بن عمر - فهذه الأهمية تضيف سببا إضافيا لهذه الدول؛ كي ترفض الانفصال لا أن تؤيده، لأنها تدرك - كما سبق وذكرنا - بأن مشروع الانفصال ليس إلا مشروعا للفوضى.

11-       تضمنت رسالتكم تهديدا مبطنا باستخدامكم العنف لتحقيق الانفصال. أحب أن أذكركم، وكل من يفكر باللجوء إلى هذا الخيار، بأن القانون الدولي، والقوانين اليمنية، تجرم هذه الأعمال، كما أن مجلس الأمن في قراراته الأخيرة قد هدد بشكل واضح كل من يعرقل التسوية، ويأتي في مقدمتهم من يستخدم العنف؛ لفرض الانفصال المرفوض من مجلس الأمن.

12-       أحب أن اقترح عليكم بأن تستشيروا خبراء في القانون الدولي من غير المؤيدين للانفصال، ويفضل لو كانوا من "الخواجات"؛ ليوضحوا صدق أو كذب ما تحتويه هذه الرسالة، وحتى لا تتحدثوا في أمور تُـظهر جهلكم بالقانون الدولي، الأمر الذي يزعزع صفة الزعيم الذي تحاولون الحصول عليها.

13-       لا أرغب في أن أضخ مزيدا من الإحباط لما يعتمل في نفوسكم، ونفوس جميع الانفصاليين، إلا أن واجبي ومسؤوليتي تحتم علي أن أشير إلى أن الوحدة الاندماجية هي الصيغة الوحيدة التي يحتملها اليمن. وهذه الحقيقية يدركها كل من يعرف طبيعة الوضع في اليمن، ومن لا يدركها الآن سيدركها بعد حين، بعد أن تفشل جميع المشاريع البديلة: من مشروع الانفصال إلى فيدرالية الإقليمين أو الخمسة أو العشرين. يضاف لها مشاريع المناصفة في السلطة والثروة، والتي عرضت عليكم في مؤتمر الحوار. فهذه المشاريع كلها ليست إلا تمنيات لصوص السلطة، أو شطحات حالمين ومتعلمي سياسة.

14-       أعلم أن المشروع الانفصالي أصبح سببا للوجود السياسي للقادة الانفصاليين، كما أنه أصبح مصدرا للاسترزاق السياسي والمالي؛ ولهذا فإنني على يقين بأنه ومهما تم إيضاح وتأكيد استحالة تحقيق هذا المشروع، فإن قادة الانفصال لن يتخلوا عنه، فبدونه سيعودون إلى المتاحف السياسية، التي كانوا قد استقروا فيها بعد حرب 94. ولأن الأمر على ذلك النحو؛ فإن هدفي من هذه الرسالة إيصال الحقائق لإخواننا في الجنوب، الذين يتم تزييف وعيهم من قبل قادة ومنظري الانفصال، حين يوهمونهم بأن المطالبة بالانفصال وحق تقرير المصير منسجمة مع القانون الدولي، وأن الانفصال أصبح قاب قوسين أو أدنى، فيما الواقع يؤكد بأن الانفصال ليس سوى حلم يستحيل تحقيقه، على الأقل في المستقبل المنظور.