اليمن .... إستقطاب وصراع مذهبي متزامناً مع الفدرالية

2014/02/13 الساعة 12:11 صباحاً

المتابع والراصد للمشهد اليمني ولاسيما في جانبه الأمني ، سواء تلك الخروقات في العاصمة وفي رابعة النهار أو ما شهدتهُ بعض المحافظات الشمالية من حروب قبلية ومذهبية  بين فريقين يمنيين يشهدان أن لا اله إلا الله (بعد تفرج الدولة المركزية والمترهلة المشغولة بصراع بين مراكز القوى فيما بينها) ، لقد  انتهت تلك الحرب المؤسفة بانتصار فريق على آخر ، مع أن اليمن هو المهزوم في نهاية المطاف ، فبرغم مشاركة تلك الأطراف في الحوار ولكنها تسابق الزمن في أحداث تغيرات ديموغرافية على الأرض بإعادة التموضع  لفرض واقعاً تنطلق سياسيا من خلاله عشية اقرار اليمن دولة اتحادية ، والحال انه من مصلحة أي  تيار او حزب أن يترك اثراً في بسلوكه  في أفئدة الناس ، فلا يعني الاختلاف المذهبي أن يفرض رؤية طرف على آخر ، فيجب على كل المختلفين أن يدركون بأن المجتمع المتنوع يفترض أن يكون عامل تلاحم وتكافؤ وليس تفرقة طالما كل اليمنيون من قومية وملة واحدة ، فمتى يدرك اليمنيون بأهمية الدولة المدنية ، وبعد إقصاء أسرة الأحمر في اتفاق المتصارعين إنما يوحي ذلك بأن القبيلة تسير في إعادة هيكلة ستفرز في نهاية الأمر إلى تراجع الدور القيادي وتقاطعها مع تطلعات الدولة المدنية ، ولكن بالمقابل يجب أن يكون الطرف الأخر عند مستوى المسئولية ، وليس فقط يلقى السلاح وإنما الانصهار في المجتمع وتأسيس حزب مدني وليس عقائدي ، فلن تقوم لليمن قائمة إلا بعد تواري الأحزاب الدينية وكذا تحالف العسكر مع القبيلة ، لعل اليمنيون آخر العرب الاقحاح من يدركون أبعاد ومغبة هذا التنافر والاختلاف المصطنع ، لقد تابعت آخر مواقف السعودية من الجماعات الجهادية في بلدها فجرمتهم بحكم القانون وما قوانين تجريم من يعلن الجهاد داخل المملكة وخارجها بعقاب السجن لعدة سنوات ، وهذه التحولات تستهدف بعض الشباب السعوديين الذي غادروها لسوريا وغيرها للجهاد ،  اللافت بأن السعودية طغت طموحاتها السياسية على عقيدتها ، وقبل سنوات قيل للشيخ مقبل الوادعي مؤسس دار الحديث في دماج بأنه وهابي يميل للسعودية فأجابهم بان السعوديين ليسوا وهابيين وإنما أمريكيين !! ، مضيفا بأن السعوديين الأوائل هم من يستحقون أن يلقبون بالوهابيين ! ومن يومذاك بداء خلاف وعدم قبول بين الطرفين ، بمرور الزمن وخلال العقود الأخيرة طغت الاعتبارات السياسية على الأيدلوجية العقائدية ، وهذه خطوة علمانية دون أن يصرحوا بها وهم بهذا يسيرون في اتجاه يخدم دولتهم أفضل مما هو في اليمن ، وأجمالا وفي قرأه لتلك التشريعات يفهم بداهة بأنها تنطوي على مصلحة داخلية من وجهة نظرهم ، ويؤكد بان السعودية ليست ذلك النظام الثيوقراطي والذي ترسختّ أذهاننا بتطبيعه بتلك الهالة الدينية فقد انسلخت مصالحها السياسية عن مفاهيمها الأيدولوجية والعقائدية ، التي بنىت عليها الدولة السعودية الحديثة مطلع القرن المنصرم ، وهذا يحسب لها وليس ضدها فهي وفق هذه الخطوات إنما تفصل الدين عن السياسة وليس فقط المذهب الذي تختلف مع في الضفة الأخرى للخليج بل مذهب الدولة نفسها ، فعندهم لاشك تنوع مذهبي في الشرق والجنوب وليسو لونا واحدا كما يعتقد ، ومن هنا فيمكن وصف سلوكها وتشريعاتها الأخيرة إنما تندرج في الانحياز للعلمانية دون التصريح بذلك  بينما جيرانهم اليمنيون يتشبثون بالشعارات السياسية والدينية منذ أكثر من نصف قرن وواقع الحال لم تكن يوماً ما جمهورية يُقتدى بها ولا ديمقراطية مشهود لها ، ولا حتى وحدة عادلة منصفة توقع لها البقاء والصمود ، دولة وحدة يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات ، لقد وأدت الوحدة بيد صانعيها فاستحوذتها  أقلية تحالفت مع القبيلة والمصالح الحزبية الضيقة بحيث غدا الحزب الحاكم هو الحزب القائد على غرار الأنظمة الشمولية الكلية ، وكأنه صانع المعجزات غير مدركين بأن ذاكرة اليمنيون قد رسخت وقورنت تلك الفترة بالظلم والإقصاء والاستحواذ ونهب الأراضي وتسريح إخوانهم من المحافظات الجنوبية وهم في عز عطائهم بتلك المسميات التي غدت مجر حبرا على ورق ، وغدت العاصمة مستقطبة كل شئ وكل تفاصيل الدولة مما ساعد على تمركز الحكم في يد تلك الأقلية ،  لذا فقد كان رد فعل النخب اليمنية و الضمير اليمني متطرفا فاتجه لأسلوب مغاير للمنطق بتقسيم الوطن وتجزئته لأنه لم يعد واثقا من حكاما فما يضمن له ومن عبث بالوطن لعقود لازال يملك السلطة والمال والقوة بل ووسائل التدمير ، ومن هنا فلا حرج عندما يلاقي خبر تفكيك اليمن ترحيبا من البعض سواء كان على أساس إقليمين أو أكثر فالعبرة ليست بالأقاليم ولا بتقسيم وتقزيم الوطن الإشكال في طريقة الحكم وعقلية الحاكم والأحزاب الفاشلة التي تحكمت في مصير الأمة ، فالأحزاب اليمنية برمتها دون استثناء ليست ديمقراطية وإلا فيفترض ليس فقط تجديد قيادتها بل انتقاد سياستها في المراحل السابقة ، وألا لماذا الإقرار بمظلومية الجنوب (وصعده) والقيام بسلسة تشريعات ومراسيم للملمة أخطاء الماضي وفي نفس الوقت لازالت تلك القوى متصدرة للمشهد الفارق الوحيد إنها تشتت وغدت تناصب العداء فيما بينها ، إن الإحداث الأخيرة بين قبائل حاشد والحوثيين التي انتهت بانتصار فريق على آخر وقبلها على السلفيين  ، ومن ثم اتفاق حاشد مع الطرف الآخر  بغياب شيخها التقليدي  ، إنما يوحي ذلك بأن القبيلة ذاتها ستشهد ربما تحولات مماثلة وتسير في إعادة هيكلة ستفرز في نهاية الأمر إلى تراجع الدور القيادي وتقاطعها مع تطلعات الدولة المدنية ، ولكن بالمقابل يجب أن يكن الطرف الآخر عند مستوى المسئولية ، وليس فقط يلقى السلاح وإنما الانصهار في المجتمع وتأسيس حزب مدني وليس عقائدي .

وفي مقارنة بين الدول التي شهدت عواصف ما سمى (بالربيع العربي ) ودول أخرى مستقرة ، لنرى أن الأخيرة لم تشهد نزاعات  مذهبية وكذا صراع بين الإسلاميين والعلمانيين ، وهو الأمر نفسه في مقارنة بين اليمن وجارتها السعودية وبغض النظر عن الفوراق الاقتصادية نرى بأن الدولة السعودية أرست أسس دولة منذ مطلع القرن الماضي ، واليوم فيها أنظمة وقوانين تتطور مع الأيام وبدأت تتفاعل مع المجتمعات الأخرى بصورة لا تتنافى مع مبادئها ، ولكن في الإجمال لديها هيبة القانون والدولة رغم انه لا يوجد لديها دستور وإنما نظام داخلي يحدد بسلاسة أساليب انتقال السلطة ، فالقوانين إجمالا لها حضورها وقوتها والجندي وشرطي المرور له هيبته ، وكان بامكان الدولة اليمنية ان تتماثل مع تلك الدول بل ويتفوق عليها لو بقى النظام الملكي ، وكان سيستمر تخلف اليمن كجيرانه في الستينيات وينهض مرة واحدة بعد عقد واحد أي مطلع السبعينيات ذلك أن بضع سنوات أعقبت الثورة اليمنية لم نحصد منها إلا حربا أهلية بفعل الاستقطاب السياسي الإقليمي والدولي ، فربما كانت اليمن بعد خمسون عاما من ذلك الزلازل شيئا آخر ورغم ذلك فلا ينبغي جلد الذات والتغني بالماضي فلن يعود ولا يمكن استنساخه اليوم بأي حال من الأحوال ، لقد كان أول درس للسعودية في مطلع الستينيات هو الاستفادة من أخطاء الأسرة (المتوكلية) في صنعاء ومن ثم الأخطاء التي رافقت ثورة اليمن ، وهاهي الملكيات العربية اليوم سواء النفطية آو سواها استفادت من تداعيات ثورات ما عُرف بالربيع العربي فأسرعت لإصلاحات عاجلة وتصالحت مع مجتمعاتها.