ما اشد تعلق البسطاء من أبناء وطني المغدور المنهك بالأمل القادم الحلم الذي كان بعيد المنال اليوم تلامسه الأحاسيس وتشتاق للقائه الأنفس الطامحة والشغوفة وفي قلبها الحياة تضخ في عروقها دماء الحرية تغذي فيهم الروح الثورية التي وجدت لتقتلع الماضي الأليم وتحطم قيوده التي كبلتهم سنوات ضاعت من عمر الوطن جعلته أسير الجهل والصراع الخنوع والاستسلام التي خلقت بيئة خصبة لنمو فئة أنانية جشعة متخلفة لصوص الأوطان قوى الظلم والظلام ميزوا أنفسهم بالعرق والسلالة والهيمنة والاستحواذ على الخير والأرض والحياة وتسلطوا على القرار وأعاقوا النمو والنهوض والمستقبل حولوا الأحلام والآمال إلى أوهام وسراب استغلوا كل القيم النبيلة في الوطنية والإسلام والعروبة شعارات يضحكون بها على الجماهير التي جعلوا منها مطية ووسيلة لصراعاتهم ووقوداً لحروبهم . اليوم هذه الجماهير استطاعت تحطيم قيودها وتدمير معوقاتها وبالإرادة تجاوزت زمنهم لتنتقل إلى الغد المشرق الأمل والطموح للمستقبل الجديد الدولة المدنية الاتحادية المنشودة ولن تسمح بإجهاض وإعاقة هذا الحلم القديم الجديد . دون شك الانتقال للمستقبل يتطلب تجاوز الماضي وصراعاته وأسبابه وتداعياته وأهمها العنف والعنف المضاد بكل أشكاله وهو ظاهرة خطيرة ومدمرة للحياة السياسية والاجتماعية وأساس الإرهاب بإشكاله وكان أهم السبل المستخدم لإخضاع واخناع المجتمع وإضعافه ليسهل انقياده والتسلط عليه والعنف هو كل سلوك يتضمن إيذاءً أو حرماناً أو إهمالاً يمارسه فرد تجاه فرد آخر او جماعة ضد جماعة بهدف إجبارهم على القيام بفعل أو تبني موقف يتناقض مع رغباتهم بأسلوب يتجاوز التأديب المقنن شرعاً مما يعاقب عليه التشريع في حال إثباته. هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسدياً أو نفسياً فالسخرية والاستهزاء من الفرد، فرض الآراء بالقوة، إسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة ويكون وقعها على كرامة الأفراد لمنع الفرد من ممارسة حقه الطبيعي بحرمانه من التعبير عن أفكاره بحرية أو إجباره على اعتناق أفكار الآخرين بالقوة أو حرمانه من أساسيات الحياة. وهناك أشكال للعنف، العنف الاجتماعي والسياسي والنفسي ويعتبر العنف السياسي هو الأهم لأنه ينتج تسلط فئة على الحياة السياسية ويلغي الآخر العنف السياسي، عنف يدور حول السلطة جوهرها ورموزهـا وهو عنف متبادل بالضرورة وبذلك فهو يختلف عن أغلـب الأنواع الأخرى من العنف، حيث يتمايز فيها بوضوح دور الضحية عن دور المعتدي . أن النظام السياسي هو الذي يوجد عملية التغـير الاجتماعي أو التنمية الاجتماعية ويؤدي دور تنظيمي وضبطي ويؤكد على التآزر بين مختلف العناصر أثناء عملية التنمية لذلك فإن الجماهير تنظـر للنظام السياسي باعتباره مسئولاً عـن خدمتها وقضاء حاجياتها ، وحين تتعامل بعض الأجهزة السياسية مـع الأخر بنظرة فوقية أو تعامل بعض النخب السياسية بسلوك البيروقراطية تتكون طبقة مهيمنة مستبدة وطبقة مضطهدة محرومة التي لا تلبي خدمة الشعب وتغيب حقوق الجماهير من الطبيعي أن تؤدي هذه التناقضات إلى عنف وعنف مضاد . والخروج من دائرة العنف هذه يتطلب إيجاد نظام سياسي يرتضيه الكل بتشريعات يتوافق عليها الكل تدير العلاقة بين الإفراد والجماعات وتشكل أسس النظام السياسي الذي يؤدي للتعايش والعيش بسلام و وئام لكل الأطياف السياسية والفكرية وهي دولة المواطنة المتساوية دولة النظام والقانون الدولة المدنية الحديثة وهذه لن تكون واقعا معاشاً دون أن تتولد قناعات بقبول الآخر كما هو لا كما نريده نحن . المواطنة المتساوية هي ما تسعى إليه المجتمعات الحديثة والدول العادلة. وهي نقيض لنظم التمييز والامتيازات. المواطنة المتساوية هي التي تعزز الانتماء الوطني الشامل لأبناء الوطن الواحد على رغم تعدد أصولهم وانتماءاتهم وأديانهم ومذاهبهم وأجناسهم وقومياتهم ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية وعلى النقيض من ذلك، إن الطائفية والمذهبية تضعف روح الانتماء الوطني وتعزز الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وتقوّي روح الانتماء للطائفة والمذهب على حساب الانتماء إلى الوطن، وتعزز الهوية الطائفية والمذهبية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وما يلاحظ في بلداننا العربية اليوم بعد ثورات الربيع العربي انها للأسف لم نتجاوز هذا العنف السياسي ضد الآخر بسب اعتناقه للفكر والمذهب والدين وبالتالي ولد عنف مضاد ولازال الصراع يدور في هذه الدائرة المعيقة للنمو والتطور أي لم نتجاوز الماضي وصراعاته للانتقال إلى الدولة المدنية التي كانت شعارا للجماهير الثائرة ضد الماضي لكن النخب السياسية لم تستطع تجاوز هذه الصراعات وغير قادرة على قبول الآخر بل صار الانتماء للفكر والمذهب جريمة وتهمه تستخدم للإقصاء والإبعاد بالضرورة يؤدي إلى مقاومة وعنف مضاد لإثبات وجود ودفاع عن الحق هذا ما يجعلنا نعيش صراعاً ضد البقاء افقد القوى السياسية الاندماج الوطني سواء في برامجها أو في بنيتها، أو في نضالها. هذه هي المعضلة الحقيقية التي تواجه دول الربيع العربي وأعاقت نجاح ثورات الشعوب وقلل واضعف من الاصطفاف الجماهيري لتحقيق أهداف الثورات ورفع من مكانة رموز الأنظمة السابقة الذي ثار الشعب ضدها لأن البعض تولده اليأس وفقد الأمل في عملية التغيير وجد انه لا فرق فالصراع من اجل السلطة هو نفسه بل تعززت الطائفية والمذهبية والدينية باسوأ صورها كل هذا بسب النخب السياسية التي كانت ولازالت جزءاً من الماضي وتعيش صراعاته . العالم المتحضر تجاوز هذه الصراعات ولم تعد لها اثر في حياته وسياساته بل تمكن من التعايش وقبول الآخر وفق المواطنة المتساوية وانتقل إلى عصر النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ونحن لازلنا نحبوا في ماضينا وصراعاتنا المدمرة كل يريد إلغاء الآخر وطمسه من الحياة السياسية المتابع للإعلام العربي يجد انه أداة خبيثة للترويج هذه الصراعات وما يؤسف جدا أن اللغة المستخدمة هابطة لدرجة مقززه تبث سموم الفتن وثقافة الكراهية والعداء ضد الآخر وتعزز الشقاق والتمزق والصراع المدمر للمجتمع والحياة لا مستقبل دون تجاوز إلغاء الآخر وإقصائه من الساحة السياسية كما قال شاعرنا اليمني الأصيل أبو مصعب في الحزن الخالد: أحزاني يا قوم أصيلة هي لن تشفى حتى تلد الأرحام الميتة الحية أقمارا وخناجر وقلوب طيور غرثى تشتاق بنا أعشاش الغد لمخاض الآتي القادم من ارض الميعاد الأخضر