كان الزبيري ومن بداية حياته مسكوناً بحب الوطن وتحرير الشعب، ويرى أن الكلمة والأدب كفيل بإسقاط القوة الغاشمة، ففي الكلمة سر الحرية والقوة وتحصين للشعب ضد الاستبداد والاستعباد، من أقواله: «كنت أحسُّ إحساساً أسطورياً بأنني قادر بالأدب وحده على أن أقوّض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان» وقد فعلها.
وفي القاهرة أسّس الزبيري «كتيبة الشباب اليمني» في سنة 1940م كأول حركة لمقاومة الحكم الإمامي، وعاد إثرها إلى صنعاء ليدخل السجن أيام الإمام يحيى إثر خطبة ثورية ألقاها في الجامع الكبير بصنعاء.
وفي عدن أسّس مرحلة جديدة للنضال مع رفيق دربه الأستاذ أحمد محمد نعمان، حيث أسّسوا حزب الأحرار سنة 1944م والذي تحوّل إلى “الجمعية اليمانية الكبرى” عام 1946، وأصدر صحيفة “صوت اليمن” وفوضت الجمعية الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين في التحدُّث عنها في الجامعة العربية والمحافل الدولية.
وبعد فشل ثورة 1948م بدأ أبو الأحرار ورفيقه النعمان المرحلة الثالثة من الثورة المستمرة التي لا تكل ولا تمل حتى قيام ثورة 26 سبتمبر وإسقاط الحكم الإمامي نهائياً، لتبدأ المرحلة الرابعة من النضال، حيث كان الأديب الثائر يرى في الجمهورية والثورة جوهراً وروحاً وعدالة وليس تغير شكل وأشخاص، فالثورة هي الحرب من أجل حرية الشعب ومحاربة الاستبداد سواء كان باسم ملكي أم قميص جمهوري.
كان يسعى لإنقاذ روح الثورة من الموت، فتوجّه إلى الشعب والقبائل لإيمانه أن وعي الشعب هو من سيحمي الثورة.. لقد دخل الزبيري والنعمان ورفاقهما ثورتهم الأخيرة ضد انحراف الثورة ، معلنين ثورتهم ضد انحراف المسار بقصيدته العصماء:
وأنتم طبعة للظلم ثانية
تداركت كل ما قد أهملوا ونسوا
والحكم بالغصب رجعي نقاومه
حتى وإن لبس الحكام ما لبسوا
كان يرى ضرورة أن يتفق الثوّار على هدف واضح لتعطي الثورة ثمارها الحضارية وتحقّق أهدافها والتخلُّص نهائياً من لعنة «ديمة وخلفنا بابها».
هنا يقول وصيته للثوار في كل عصر: «إن حكاية وحدة الصف دون وحدة الهدف حكاية تافهة وخرافة؛ ولا تعدو أن تكون في الواقع غير اتفاق على نفاق متبادل وغش مشترك، ولقد أنكرنا الظلم في العهد الإمامي، ثم أنكرنا الخطأ في العهد الجمهوري، لأن المبدأ لا يتغيّر بتغيُّر الأشخاص والأسماء والأشكال».
هذه الرسالة كأنها خاصة من أبي الأحرار ورفاقه إلى ثوار 11فبراير ليقول لهم: «دون أن تتفقوا على هدف مشترك فلن تتفقوا ولن تحقّقوا أهداف الثورة، وإن الأهداف الخاصة أول ما تقتل الثورة».
وفي نظري أن جوهر وخلاصة مشروع الحوار الوطني ببناء دولة مدنية هو الهدف المنجز الذي يمكن أن يتفق عليه اليمنيون إذا أرادوا أن يتلافوا انتكاسة ثورتهم وخسارة نضالهم ويحقّقوا أحلام الشعب وقوافل الشهداء المتتابعة.
وفي مثل هذا اليوم 31 مارس 1965م استشهد أبوالأحرار برصاصة الغدر وفي جانبه رفيق دربه الأستاذ النعمان وآخرون، لقد حاولوا بقصد مع سبق الإصرار طمس سيرة أبي الأحرار ورفاقه، متناسين أن الحرية لا تموت، ودماء الشهداء لا تطفئ جذوتها الأيام ولا التجاهل.