القضية الجنوبية أم قضايا الجنوب؟!

2017/04/02 الساعة 12:01 مساءً


--------------------------
كنت كأي شاب حالم في المنتصف الثاني للتسعينات يتمثل قضية وطنية، ويناضل في سبيلها، أعتقد أن الجنوب، كلٌ لا يتجزاء وأن قضيته واحده، وكان رفاقي، وهم قلة قليلة مثلي، يحملون نفس الحلم، والأمل، والهدف.
اليوم، وبعد حوالي ثلاث وعشرين سنة على تلك السيرة والمسيرة التي أبتدأت في العام ١٩٩٤م، ماهي عليه اللوحة:
الجنوب قبل العام ١٩٦٧م كان أكثر من عشرين كياناً، تتولى بريطانيا، الشئون الخارجية، والدفاع، وما تبقى من شئون داخلية، يتولاها سلاطين، ومشائخ، وأمراء، السلطنات والمشيخات، وهذه كانت كل واحده منها بدستورها، وعلمها، ونظامها الخاص، وجماركها، وحدودها.
قيام دولة الإستقلال في نوفمبر ١٩٦٧م أذاب ظاهرياً الفروق الثقافية، والإجتماعية، التي تمايزت بها السلطنات والمشيخات عن بعضها، لكن تلك الفروق والتمايزات، ظلت كامنة تحت السطح، ولا تظهر إلا في حالات الصراع على السلطة، حينما يستدعي كل فريق قوته الإجتماعية، لتقف خلفه، لحسم الصراع.
لم يكن أبن الضالع يتشابه مع أبن المهره في أي شي سوى الإنتماء العربي، ولم يتشابه أبن أبين مع الحضرمي في أي شي كذلك سوى الإنتماء العربي. كما نجد أبن شبوه، يختلف عن العدني، تقريباً نفس الأختلافات السابقة، وأن بأقل حده، نتيجة للإختلاط الذي تم على يد البريطانيين. وقس على هذا المنوال، بين كل سلطنة، ومشيخة.
هذه التوليفة لم تصمد، برغم التنظيم الواحد الذي قاد البلد (الجبهة القومية ثم الحزب الإشتراكي)، فحينما قضى على من أعتبرهم خصومة، من الأحزاب، والتكتلات الإجتماعية الأخرى، عاد الصراع نحو الداخل، داخل التنظيم، الحزب نفسه، لينقسم على نفسه، بين، يمين، ويسار، ويسار إنتهازي، ويمين رجعي، وووو . وكل هذه، كانت لبوس إيدلوجية، وشعارات سياسية، لإخراج الصراع من سياقة الطبيعي الإجتماعي (المناطقي، القبلي، الثقافي)، إلى سياقات سياسية، هي في الواقع، غير موجوده بنفس الحدة، والدرجة، الذي قدمت به. ربما يقول البعض، أن المناطقي، والقبلي، في الصراع مفهوماً، لكن الثقافي ماهو؟! أقول لهم أن حكاية البدوي، والقروي، والمدني، تعكس هذا الجانب بوضوح، في عملية الصراع التي كانت جارية، وعادت اليوم مجدداً للأسف. 
أدى الصراع في الجنوب، إلى دورات دم متعددة، أدت بدورها إلى تدمير ذاتي داخلي، أضعف النظام، إلى درجة أنه سلم نفسه، وبدون أي إشتراطات، وضمانات، لعلي عبدالله صالح، الذي وجده لقمة سائغة فألتهمه، ثم أنفتحت شهيته، على الآخر، ليلتهم الجنوب كله بالتالي.
حينما بدأنا منتصف التسعينات في الوقوف بوجه النظام، للمطالبة بإصلاح الوحدة، حتى تفجر الحراك في السابع من يوليو ٢٠٠٧، ورفع سقف المطالب، إلى التحرير والإستقلال، كنت أعتقد أن لدينا قضية جنوبية واحده، لكن اليوم، وبعد هذه السنوات الطويلة، التي كلما تقدمت، رجعنا للخلف، صرت مقتنعاً، أن ليس لدينا قضية جنوبية واحده، وهذه أسبابي:
- لم نتمكن من وضع رؤية سياسية واحده، نحدد فيها، ماهيتنا، وطرائق نضالنا، وأهدافنا.
- لم نتمكن من بناء تيار سياسي، أو حامل، أو تنظيم، أو حزب، أو تحالف، أو إئتلاف، لتمثيل هذه القضية التي ندعيها.
- لم نتمكن من التوافق ولو على قياده رمزية واحده، فكل تيار له رئيسه، الذي يدعيه بالرئيس، وبعضهم يسمون رئيسهم بالشرعي.
- صراع على الهوية، فلا ندري نحن من حتى اللحظة.
- لم نتمكن من إيجاد حلفاء إقليميين، ودوليين.
كل ما فعلناه، هو دفع المظلومية التي كنا نشعر بها، وتفريغ الحالة الثورية التي تعترينا، بمظاهرات، ومسيرات، أقصى ما نعمله فيها، أحراق تايرات، ولو لم تأت عاصفة الحزم، لظللنا على هذه الحال، مئة سنة أخرى.
إذن وكأستنتاج طبيعي لما أوردناه، فأن لدينا في الجنوب قضايا متعدده، وهماً ليس مشتركاً، والصراع بيننا يطل بقرونه، ونحن لازلنا في الحضيض، لذلك فأن الإستقلال ونحن بهذه الحال، غير متيسر، لا نستطيع نحن أن نحققه، ولا أحد في الإقليم يوافقنا عليه.
ليس من منطقة، أو قبيلة، أو مديرية، أو محافظة، في الجنوب تريد البقاء حتى مع جارتها الأقرب إليها، لأن الذي يشتغل اليوم، وبشكل فعال جداً، هي العصبية، وهذه عامل كابح لأي توافق، ناهيكم أنها لكي تحافظ على نفسها، وتستمر، لا تطيق الدولة، لأنها البديل الطبيعي لها.
أن المشروع الأقرب للتحقق، ويشكل تجربة جديده، دولة يمنية إتحادية جديده، بأقاليم ستة بحكم شبه ذاتي، تعطي الناس حقهم بإدارة أنفسهم، وشئون حياتهم، وتمتص فوران العصبيات الطائفية، والمناطقية، والقبلية، وتذيبها في المشروع الوطني العام. هذه التجربة لن تكون سهلة، وستحتاج إلى وقت لتعطي ثمارها، لكنها التجربة الوحيده، التي ستنجح، لأنها جُربت في بلدان عديده، وهي من قوّى الروابط الوطنية، ودمج المجتمعات في بعضها، حتى تشكلت هويات يصعب إنقسامها، برغم أختلافاتها العرقية، والدينية، واللغوية، والمذهبية. 
على العصبويين في كل مكان أن يفكروا جيداً، في هذا المخرج، لأن اليمن اليوم شماله وجنوبه، في أضعف حالاته، وبدون الأخذ بهذا الخيار، الذي أنتجه حوار اليمنيين في مؤتمر حوارهم الوطني، فأن التفكك سيأخذ مداه حتى نصير كما قال المحضار رحمة الله عليه: يا كل خمسه بدو عمدوا ع حصاه.
#صالح_الجبواني