-------------------------------
في موضوع مطول عن الفيدرالية في العراق يستعرض الباحث العراقي حسين عدنان هادي في بيان أصل مصطلح الفيدرالية ، فيقول أن هناك مصطلحان متداولان فدرالية أو الاتحاد الفيدرالي (federalism) والفيدرالية (federation) وهي الجانب الفلسفي والإيديولوجي.
إن الفيدرالية ليست مفهوماً حديثاً كما يظن البعض ، فقد عرفت حتى في المجتمعات السياسية القديمة ، ففي العصر اليوناني القديم كانت هناك بعض المدن تسعى لإيجاد نوع من الفيدرالية يجري التوفيق فيها بين نزوع هذه المدن إلى الاستقلال الذاتي والنزوع إلى سلطة مركزية تنسق فيما بينها.
وقد بقيت الفيدرالية بهذا المعنى الأولي حتى العصر الوسيط والعصر الحديث، غير أنها تطورت وتجددت إلى ماهي عليه في الوقت الحاضر عبر نظام الولايات المتحدة الامريكية الذي تأسس بين عامي (1787) و(1789) وأيضاً عبر النظام السويسري الدستوري ابتداءً من عام (1848 ) والوحدة الالمانية في الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر.
ان الدولة الفدرالية تنشئ بإحدى الطريقتين:
الاولى: تفكك دولة بسيطة موحدة إلى عدة وحدات ذات كيانات دستورية مستقلة ، ثم بناء على الدستور الفيدرالي يتم توحيد هذه الولايات ثانية على اساس آخر وهو الدولة الفيدرالية ، ويعتبر كل من الاتحاد السوفيتي سنة(1922) والبرازيل سنة (1891) والارجنتين سنة (1860) والمكسيك وفق دستور سنة(1857) المعدل سنة(1917) وتشيكوسلوفاكيا سنة( 1969) ، من الدول الفيدرالية التي نشأت بهذه الطريقة.
الطريقة الثانية: انضمام عدة ولايات أو دول مستقلة يتنازل كل منها عن بعض سلطاتها الداخلية ، وعن سيادتها الخارجية ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي ومن امثلتها الولايات المتحدة الأمريكية عام( 1787) وجمهورية المانيا الاتحادية عام ( 1949) والاتحاد السويسري( 1874) واتحاد الإمارات العربية عام ( 1970). واذا نظرنا إلى فكرة الفيدرالية في ذاتها ، وجدناها تقوم على اساس عنصرين متناقضين هما " الاستقلال الذاتي " والاتحاد " وان الترابط بين هذين العنصرين بعلاقتهما المتبادلة والمتعارضة يشكل وحدة المفهوم الحقيقي للدولة الفيدرالية التي هي نتاج التوفيق بين رغبتين متعارضتين : تكون دولة واحدة من ناحية ، والمحافظة على أكبر قدر من الاستقلال الذاتي للولايات الأعضاء من ناحية أخرى. يكاد يتفق فقهاء القانون العام على ان الدولة الفيدرالية تنشأ بطريقتين لا ثالث لهما مع ذلك هناك البعض من يرى بان الدولة الفيدرالية يمكن أن تقوم بطريقة ثالثة أي بأسلوب دمج بين طريقتين (الانضمام و التفكك ( معا، ويستند في ذلك إلى كيفية نشأة كل من الدولتين الفيدراليتين الهند و كندا و يقول بان "النمط الثالث هو مزيج بين المسارين) الانضمام و التفكك) وتعتبر كندا و الهند المثالين الرئيسين على هذا النمط.
أن الدولة الفيدرالية تتميز بثلاثة مظاهر و هي الوحدة و الاستقلال و المشاركة. إذ إن الدولة الفيدرالية تبرز إلى العالم الخارجي و تتعامل في علاقاتها الدولية و السياسية مع الدول الأخرى كدولة موحدة بسيطة ، كما و إن لها بعض مظاهر الوحدة في النطاق الداخلي والتي لابد منها حتى يمكن إعطاء وصف الدولة عليها، وهذا ما يسمي بمبدأ الوحدة والذي يتمثل في تنظيم الدولة الفيدرالية ومبدأ الاستقلال يتمثل في تنظيم الولايات و يتنازع المبدآن تنظيم العلاقة بينهما ، الأمر الذي يؤدي إلى المبدأ الثالث مبدأ المشاركة.
ويثير البحث في الدولة الفيدرالية، باعتبارها دولة اتحادية؛ مسألة كيفية توزيع الاختصاصات فيها بين المركز والأقاليم , و هو أمر يختلف من دستور إلى آخر فهنالك ثلاث طرق يتم توزيع الاختصاصات فيها:
الطريقة الاولى: تحدد في الدستور الفيدرالي اختصاص الدولة الفيدرالية ( الحكومة المركزية ) وما يتبقى منها تكون من اختصاص الحكومة المحلية(الاقاليم او الولايات) وهذه الطريقة هي أكثر الطرق شيوعاً بين الدول بل هي المتبعة في الغالبية منها سويسرا والولايات المتحدة والهند.
الطريقة الثانية: تحديد اختصاصات الحكومة المحلية ( الاقليمية ) وما عداها سيكون من اختصاص الحكومة المركزية ( الفيدرالية ) وهو ما متبع في كنـدا.
إن هذه الطريقة تتفق مع السياسة المركزية التي قد تنتهجها الدولة الفيدرالية ذلك لان الولايات لا تستطيع أن تدخل في اختصاصاتها مسائل جديدة ولاسيما إذا كانت الدولة الفيدرالية نشأت بأسلوب التفكك حيث تعتبرها اختصاصات الولايات انتزاعا أو نقلا لبعض الاختصاصات من السلطة المركزية إلى السلطات المنشاة الجديدة وهي سلطات الولايات (الاقاليم). ونذكر من تطبيقاتها الدستور الكندي لعام (1867) والمعدل عام 1951) ) ودستور الهند لسنة (1950) ودستور فنزويلا لعام(( 1953 .
الطريقة الثالثة: وبموجب هذه الطريقة يتم بيان اختصاصات الحكومة المركزية ( الفيدرالية ) واختصاصات الحكومة المحلية ( الاقليمية ).
وينتقد الفقه هذا الأسلوب لما يتضمنه من مخاطر و صعوبات مهما كان الدستور دقيقا ووافيا في تحديد الاختصاصات، فلابد أن تستجد قضايا لم يكن المشرع قد تناولها بالتنظيم .
ويقول الباحث اليمني عدنان هاشم أن اليمن ليست غريبة عن النظام الفيدرالي بل هو نظام قديم لليمن يعود أساسه إلى عهد الخلافة الراشدة فقد قسمت اليمن ثلاثة أقاليم- أطلق عليها في السابق مخاليف- وهن (مخلاف الجند ومخلاف صنعاء ومخلاف حضرموت) وعين لكل مخلاف والي خاص، وكانت لديها حدود رغم أنها ليست بذلك القدر المهم-كما هو اليوم- وأعطت الحكومة المركزية الصلاحيات للأقاليم في الأمور المالية والقضاء وتسيير أمور الإقليم بمعنى تشكيل حكومي لكل مخلاف يقوم به الوالي.
وبعد الوحدة اليمنية عام 1990م ظهرت فكرة البدء في الأقاليم مع أزمة الانتخابات البرلمانية ابريل/نيسان م1993 وهو ما تطرقت له وثيقة العهد والاتفاق التي وقعتها الأطراف المتصارعة في الأردن قبيل اندلاع حرب صيف 94م. وذكرت في 2009م في رؤية الإنقاذ الوطني التي دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك؛ بعد أن وضعت ثلاثة حلول من بينها الفيدرالية واحتوت الوثيقة على أن بقاء النظام المركزي يؤثر على الدولة وسيجرها إلى مربع التشطير؛ نتيجة الأزمات المتلاحقة التي أضرت بالوفاق الوطني.
وفي يناير ٢٠١٤ أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على أهمية الأقاليم الفدرالية بالنسبة لمستقبل اليمن، مسجلا أن "نظام الإقليم سيكون مجففا للفساد لأن العمل الإداري والاشرافي يمضي عن قرب والجميع متعارفون يستطيعون متابعة كل شيء وتثبيت الامن وملاحقة الإرهاب بصورة أكثر اقتدار". وقد جاء ذلك جاء ذلك خلال استقباله أمس لعدد من الأكاديميين والقياديين وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني والمشايخ والأعيان والفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية ،المنحدرين من محافظات حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى،" بمناسبة قرب انتهاء مؤتمر الحوار وإعلان مخرجاته وبيانه الختامي"، وفق ما جاء في قصاصة لوكالة الانباء اليمنية.
وأضاف الرئيس هادي مخاطبا ممثلي هذه المناطق، المرشحة لتشكيل أحد الأقاليم الستة التي ستشكل الفدرالية اليمنية المتوافق عليها من مكونات المؤتمر، "إن الخبراء يعتبرون النظام الاتحادي على المستوى العالمي، من أفضل النماذج للتطور والنجاح والنهوض بالوطن تحت راية الوحدة والديمقراطية" ملاحظا أن "من يتباكون بأن هذا اللون من النظام يضر بوحدة البلاد... يرددون ادعاءات تخفي تحت طياتها المصالح الضيقة التي تربى عليها هؤلاء". وأضاف أن هذه الاقاليم الاتحادية "ستكون موزعة على أساس من الترتيب العلمي الحديث، والتمازج الاجتماعي من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تسوده المفاهيم الحديثة وتذوب فيه الطائفية والمذهبية والتصرفات العنصرية". وتابع الرئيس هادي "إن الثروات البترولية والغازية والذهب والحديد والزنك والنحاس موجودة بكمية تجارية ضخمة في جميع مناطق اليمن"، معتبرا أن "بالأمن والاستقرار والعمل الدؤوب ،ستتم الاستفادة القصوى من هذه الثروات بصورة علمية وشفافة وبحيث تعرف كل مدينة ومحافظة مستحقاتها من هذه الثروات ،بعيدا عن العشوائية والارتجال وعدم الإنصاف في التوزيع".
#صالح_الجبواني