*
✍ *عبدالوهاب طواف. سفير سابق.*
تتكون المملكة المتحدة البريطانية من خليط من البشر من كل مدن وقوميات وأعراق وأثنيات العالم. وتمتلك بريطانيا إرث تاريخي وحضاري وقوانين وأعراف تنظم حياة الجميع، ومن ثم لا يهم شكل أو جنس أو لون أو دين من يصل الى كرسي الحكم في المؤسسات البريطانية.
خمس سنوات يمضيها المهاجر على أرض بريطانيا، ومن ثم له الحق في إكتساب الجنسية البريطانية وله الحق حتى للترشح لمنصب رئيس الحكومة.
تسامح ديني وأمن وأمان وسلم وسلام وتعايش وحريات في ظل قوانين تحمي وتنظم حياة الجميع . عدد المسلمين أكثر من ثلاثة ملايين نسمة (حوالي 5.5% من سكان بريطاينا) ولهم تواجد ملموس ومؤثر في كل مفاصل المملكة، حتى أن عمدة لندن هو مسلم من أصل باكستاني. وتقدم الحكومة البريطانية كل التسهيلات والدعم المادي للمساجد والمدارس والمراكز الثقافية الإسلامية. وللمسلم كما لغيره، الحق في إختيار الدين والحرية في ممارسة الشعائر التعبدية؛ كما له الحق في الحصول على التعليم والطبابة بالمجان، وكذلك السكن و الراتب لمن لا يمتلك عمل.
وصلت طلائع المهاجرين اليمنيين الى بريطانيا قبل حوالي 120 عام، ووصل تعداد اليمنيين اليوم هناك إلى أكثر من 70 ألف نسمة؛ ولهم تواجد وتأثير لا بأس به إلا أنه يظل دون المستوى وأقل من المتوقع والطبيعي.
للأسف هناك إنقسامات رأسية وأفقية وشدّ وجذب داخل الجاليات اليمنية في الخارج بسبب الصراعات والتجاذبات السياسة في اليمن، وهذا بالطبع يؤثر على برامجهم وخططهم وعلاقاتهم البينية وكذلك مع الآخرين، وبدون شك يأخذ قسط كبير من جهودهم وإمكانياتهم في هذا الجانب على حساب ما يفترض أن يركزوا عليه.
الأخوة الصوماليين شدّوا رِحالهم الى بريطانيا قبل فترة زمنية لا تتجاوز 3 عقود.
اليوم للأخوة الصوماليين تواجد وتأثير في الحياة السياسية والثقافية بشكل كبير ومؤثر، بل تكاد تكون الجالية الصومالية في المرتبة الثالثة بعد الهنود والباكستانيين من حيث التأثير في الحياة الإجتماعية والثقافية داخل بريطانيا. يمتلكوا المساجد والمدارس والمراكز الثقافية والجمعيات الخيرية، ويديروا تلك المؤسسات بهمة ونشاط وهدوء وسلاسة.
لا توجد مساحة بينهم للخلافات السياسية والخصومات الشخصية على خلفيات حزبية أو مناطقية، وتكاتفهم سمة بارزة لن نجدها في جالياتنا اليمنية في الخارج، بل حافظ الاخوة الصوماليين على ثقافتهم وأزيائهم وطقوسهم وأسواقهم ونواديهم؛ مع أخذهم كل جميل من الثقافة البريطانية، وبالرغم أن ظروف الصومال هي نفس ظروف اليمن بل وأسوأ، إلا أنهم نجحوا في النأي بإنفسهم وأبنائهم من إفرازات مايدور في الصومال، وركزوا جل جهدهم وإمكانياتهم على بناء أنفسهم بمواصفات ومعايير دولية تناسب العصر والمرحلة؛ وأعدوا جيلاً جديداً متسلحاً بعلم وثقافة حديثة؛ بجذور وأسس إسلامية عربية إفريقية.
اليوم يجد اليمني البريطاني نفسه مجرد ترس صغير يدور في آلة كبيرة إسمها الجالية الصومالية. كم أنا فخور بالجالية الصومالية.
وجود شخصية بحجم الدكتور/ ياسين سعيد نعمان على رأس سفارة اليمن في لندن، وبثقلة السياسي ورصيده النضالي، يعدّ مكسباُ للسفارة؛ وسينعكس ذلك إيجاباً على سير العمل الدبلوماسي ووضع جاليتنا هناك. وعبر اللقاءات والندوات و الفعاليات التي أقامتها السفارة في لندن، والزيارات التي قام بها الأخ السفير والقنصل الى عدد من المدن البريطانية للإطلاع على أوضاع الجاليات عن قرب، ستتمكن السفارة من الإسهام الفعال في خدمة اليمن، ورعاية جاليتنا اليمنية هناك في المستقبل القريب.
من المعيب على أخواننا في الجاليات اليمنية في كل دول العالم إصرارهم على نقل وإستنساخ الصراعات السياسية والتجاذبات الحزبية والإصطفافات المناطقية التي تحدث في الداخل الى الدول التي إستوطنوا فيها، والتأثر بها والسماح لإفرازات تلك المماحكات في التأثيرعلى حياتهم ومستقبل أولادهم وتحصيلهم العلمي والعملي في تلك البلدان.
نصيحتي للجاليات اليمنية في الخارج العمل على بناء جداراً عالياً بينهم وبين سلبيات الداخل؛ فيكفي أن تلك الصراعات دمرت البلد؛ ولذا لا داعي لتسميم حياتهم؛ فبعد عشر سنوات سيكون لدينا جيلين أو ثلاثة أجيال في الخارج، فياحبذا لو تم توجيههم الى مجالات وأقنية علمية وعملية نافعة، والنأي بالأجيال الجديدة عن بيئة الصراعات والمماحكات المدمرة الموجودة في الداخل.