�نا عدن | متابعات
بعد سنوات من العمل في الظل، عاد اسم "العميد صالح بن الشيخ أبوبكر"، المعروف بـ"أبو علي الحضرمي"، إلى واجهة المشهد من بوابة حضرموت، الرجل الذي ارتبط تاريخه بالعمل العسكري والسياسي المثير للجدل، وبعلاقات متشعبة امتدت من جنوب اليمن إلى لبنان وإيران، يطل هذه المرة في توقيت حساس من المحافظة الاستراتيجية.
جاء ظهور الحضرمي وسط احتجاجات شعبية متواصلة منذ أكثر من أسبوعين في مدينة المكلا ومدن أخرى بالمحافظة، رفضاً لتردي الخدمات وانقطاعات الكهرباء والمياه. ورغم محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، امتصاص الغضب عبر إعلان تأييد مطالب المحتجين، إلا أن الشارع الحضرمي اعتبره شريكاً في المسؤولية، فأزال لافتات المجلس وصور رئيسه عيدروس الزبيدي من الشوارع، مردداً شعارات تطالب برحيله عن المحافظة.
في خضم هذا الغليان، عقد الحضرمي قبل أيام، اجتماعاً مع شخصيات اجتماعية في المكلا بصفته قائداً لقوات الدعم الأمني في النخبة الحضرمية، وهي قوة تقول مصادر مطلعة إنها لا تتبع النخبة بل تتبع الإمارات مباشرة، وتتكون من مجندين جُلبوا من الضالع ويافع ومحافظات أخرى خاضعة لسيطرة الانتقالي، جرى تجميعهم في معسكر جبل حديد بعدن قبل نقلهم إلى حضرموت.
من هو أبو علي؟
ينحدر الحضرمي من أسرة آل الشيخ أبوبكر، التي تدّعي الانتماء للسلالة الهاشمية في مدينة قصيعر بحضرموت، مسقط رأس علي سالم البيض. بدأ اسمه يبرز بعد حرب 1994 حين كان ضمن الدائرة المقربة من البيض، وبعد هزيمة القوات الانفصالية، فر البيض إلى جنوب لبنان، وتشير تقارير إلى أن الحضرمي كان من مرافقيه هناك، حيث تلقى تدريبات على يد حزب الله بدعم إيراني.
هذه المرحلة عززت اتهامات لاحقة بارتباطه بأجندة إقليمية، وعمله كمنسق بين إيران وحزب الله من جهة، وبين حركة "حتم" (حق تقرير المصير) التي أسسها مع الزبيدي عام 1996 من جهة أخرى، حيث تولى أمانتها العامة، وجنّد مقاتلين نقلهم إلى صعدة للمشاركة في برامج تدريبية ضمن مشروع سياسي–عسكري يتجاوز حدود الجنوب.
عام 2016، عُيّن مستشاراً لمحافظ عدن آنذاك عيدروس الزبيدي، لكن ولايته لم تدم طويلاً، إذ أقيل بضغط سعودي ومن الرئيس عبدربه منصور هادي، وسط أحاديث عن تورطه في عملية اختطاف القنصل السعودي بعدن عام 2012 وتسليمه لتنظيم القاعدة.
وفي فيديو نادر عام 2016، قدم الحضرمي نفسه باعتباره "ابن هذه الأرض" ومستشاراً للبيض على مدى 21 عاماً، ورفيق درب الزبيدي في "قيادة المقاومة الجنوبية" كما قال، مؤكداً أنه "رجل عسكري" وإن اضطر حينها للعمل في "الجبهة المدنية"، ومشيراً إلى امتلاكه لواء الحماية الأمنية في جبل حديد بعدن.
خلال وجوده في عدن، ارتبط اسمه بملفات "السجون السرية" وعمليات التعذيب، ما جعله هدفاً لانتقادات حقوقية واسعة، ورغم ابتعاده عن الأضواء لاحقاً بعد الإقالة، تؤكد تقارير أنه واصل إدارة عمليات أمنية في عدن ومدن أخرى وتجهيز وحدات قتالية، إلى جانب إرسال مقاتلين ضمن أجندة إماراتية تتجاوز اليمن إلى دول أخرى.
ومؤخراً، ظهر في كلمته بحضرموت أمام قيادات اجتماعية، ركّز فيها على الأزمة المحلية، منتقداً جهات قبلية وسياسية في إشارة واضحة إلى "حلف قبائل حضرموت"، الكيان الذي يرى فيه المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً مشروعاً مناوئاً لوجوده بالمحافظة، ويطالب بإدارة المحافظة بعيداً عن التدخلات الإقليمية.
قال أبو علي في كلمته: "حضرموت لا تستحق الوضع المأساوي الحالي... المحافظة بحاجة لمن يعمل من أجلها بصدق، لا لمن يتغنى باسمها"، مضيفاً أن "قطع الوقود عن الكهرباء لأغراض سياسية أمر مرفوض"، ومشدداً على أن "الشارع الحضرمي تحرك عفوياً لكن عناصر تخريبية حاولت استغلال الاحتجاجات".
وتزامن ظهوره مع تصعيد الانتقالي في حضرموت وتلويح باستخدام القوة العسكرية، في ما بدا أنه يستهدف حلف القبائل وقائده عمرو بن حبريش، وكيل المحافظة، ومن ذلك نشر أخبار في منصات مقربة من الانتقالي على وسائل التواصل الاجتماعي عن تدريبات بالذخيرة الحية داخل قوات النخبة.
ويرى مراقبون أن الحضرمي قد يسعى لضرب الاحتجاجات ضمن مخططه لإحكام قبضة الانتقالي على حضرموت، في إطار مخطط أوسع لتغيير موازين القوى، خصوصاً مع القلق الإماراتي من تنامي نفوذ الحلف القبلي الذي صار مقلقاً أكثر بعد زيارة بن حبريش للسعودية قبل أشهر.
كما قد تقرأ عودة الحضرمي كمقدمة لتحركات ميدانية لمواجهة نفوذ الحلف، خاصة في وادي وصحراء حضرموت المحاذيين للحدود السعودية، في ظل معادلة معقدة: الإمارات تريد تعزيز نفوذها، السعودية تريد أن تحافظ على التوازن وأمنها القومي، القبائل تريد أن تدافع عن استقلال قرارها، والانتقالي يسعى لترسيخ سيطرته في محافظة غنية بالثروات.
في السياق، هاجم ناشطون سعوديون الحضرمي على مواقع التواصل، بينهم سعد العمري الذي وصفه على منصة إكس، بـ"العميل الإيراني" قائلاً: "اللي طرده التحالف من عدن في 2018 لن يعود من نافذة حضرموت في 2025"، واستعاد تغريدة لسليمان العقيلي في 2023، قال فيها إن الحضرمي كان رفيق البيض في بيروت وشكل "خلية الضاحية" عام 2006، وتلقى تدريبات في لبنان وسوريا، واصفاً إياه بـ"الرئيس الحقيقي المتحفز للسلطة" خلف الزبيدي.
كما نشر العمري مقطع فيديو للبيض مع الحضرمي في الإمارات، وعلق: "ذراع إيران في جنوب اليمن، المسؤول عن تجنيد المليشيات وتدريبها بالضاحية الجنوبية، تم تعيينه مستشاراً للزبيدي وأُبعد من التحالف، ثم توجه إلى جيبوتي ومنها إلى لبنان". وأضاف أن الضاحية الجنوبية أعادته إلى حضرموت "بعد فشل أذرعها في الانتقالي".
من جهته قال حجيلان بن حمد وهو ناشط سعودي، إن الحضرمي "حلقة وصل بين إيران وحلفائها"، مضيفاً: "من أتى به إلى حضرموت قد يكون هدفه التخلص منه بعيداً عن الأضواء، وربما برأس مال لا يتجاوز ثمن طائرة مسيّرة متواضعة... والأيام وحدها ستكشف بقية المشهد".
المصدر اونلاين