�نا عدن | متابعات
في تصريحٍ يحمل الكثير من الألم والواقع المعقد، فجّر محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد غالب المعبقي، سلسلة من الاعترافات القاسية التي تكشف حجم الانهيار المؤسسي والاقتصادي الذي تعاني منه مناطق سيطرة المجلس الرئاسي وحكومة الشرعية، نتيجة فوضى إدارية ومالية، وواقع تهيمن عليه شبكات مصالح محلية وخارجية تعبث بمصير إيرادات البلاد.
الاعتراف الأبرز في تصريحات المعبقي، التي نقلها عنه الصحافي الجنوبي فتحي بن لزرق خلال مقابلة لصحيفته "عدن الغد"، أن موارد أكثر من 150 مؤسسة إيرادية حكومية لا تصل إلى خزينة البنك المركزي بعدن. هذا الرقم وحده كفيل برسم صورة قاتمة للوضع في مناطق الشرعية.
ومن أخطر ما جاء في حديث المعبقي هو اعترافه بأن بعض المحافظات تدير ميزانياتها الخاصة وتتصرف بمواردها بدون أي رقابة أو تخطيط مركزي، وكأنها فيدرالية أمر واقع، لكنها مشوّهة لا تخضع لأي قوانين. بل إن ما يتبقى من "الفتات"، كما وصفه المعبقي، يُرسل إلى البنك المركزي، الذي يُحمّل في المقابل مسؤولية التزامات الدولة كاملة، في مفارقة توضح حجم الاختلالات العميقة في بنية النظام المالي والإداري.
في ظل هذا الواقع، يعترف المعبقي بأن البنك المركزي بعدن يستقبل أقل من 25% من الموارد اللازمة لتغطية التزاماته، وهي نسبة لا تمكّنه من تنفيذ وظائفه المالية الأساسية، فضلاً عن الحفاظ على استقرار العملة أو تمويل الاحتياجات الحكومية الطارئة، حسب تعبيره.
يخوض البنك، بحسب المعبقي، "حرباً صعبة ومعقدة"، لكنه لا يمتلك الأدوات الكاملة، ولا الحماية السياسية أو التشريعية الكافية، لا من الحكومة، ولا من الجهات الرقابية، ولا حتى من التحالف الداعم للشرعية.
أما بشأن الوديعة السعودية، فقد كشف المعبقي أن ما تبقى منها لا يتجاوز 225 مليون دولار، مؤكداً أن البنك لا يملك حرية التصرف بها إلا بإذن من الرياض. هذا الاعتراف لا يحمل فقط دلالات مالية، بل يمس جوهر السيادة اليمنية، كونه يؤكد تبعية الحكومة والمجلس الرئاسي المطلقة للسعودية في هذا الشأن، وأن المملكة لا تعطي تلك الودائع إلا لتحقيق مصالح سياسية تتعلق بنفوذها في اليمن.
عندما تكون الحكومة غير قادرة على إدارة مواردها، وتعتمد على منح مشروطة لا تتحكم فيها، فإننا أمام نموذج مؤلم لما يسمى السيادة المنقوصة، وبدلاً من أن يكون الدعم الخارجي شريكاً في الإنقاذ- وهو ما يعلنه التحالف- يتحول تدريجياً إلى أداة للتحكم في القرار الوطني، حتى في أبسط الملفات: الرواتب والنفقات التشغيلية، كما أن الاعتماد المفرط على الودائع الخارجية بدون امتلاك حرية استخدامها، ليس حلاً دائماً، بل فخ يزيد من هشاشة القرار الوطني.
لا تغيب عن المشهد أيضاً فوضى القطاع المصرفي، الذي أشار المعبقي إلى أنه يعمل خارج السيطرة في عدد من المحافظات، كما اتهم الحوثيين بـ"المضاربة بالعملة في عدن" في مشهد يعكس هشاشة المنظومة المالية ورمي الفشل على الآخرين.
تصريحات المعبقي بأن حكومة الشرعية لم تعتمد ميزانية منذ عام 2019 تشير إلى مستوى خطير من الانفلات المالي والإداري، حيث لا يمكن لأي حكومة أن تحقق استقراراً أو نمواً اقتصادياً، أو تضمن دفع الرواتب وتوفير الخدمات، بدون وجود موازنة شفافة، قابلة للتنفيذ وخاضعة لرقابة حقيقية.
وتحت مبرر تحسين الإيرادات، قال المعبقي إن الحكومة تتجه نحو تحرير سعر صرف الدولار الجمركي، لكن هذه الخطوة قد تنعكس سلباً على حركة التجارة، خصوصاً أن المستوردين سيتجهون إلى موانئ الحديدة، حيث السعر الجمركي أقل وثابت، كما تمنح حكومة صنعاء تسهيلات أكبر للتجار والمستوردين.
البوابة الاخبارية اليمنية