عقلية علي عنتر

2018/06/27 الساعة 12:38 صباحاً


عقلية مدمرة ، بذرت الخراب ، وحصدت الشوك ، وحولت الجنوب أرضا يباب وهي الأرض التي يزخر باطنها بالثروات النفطية  والمعادن الثمينة ، ويحمل ظاهرها  طبيعة متنوعه مابين البحر والسهل والجبل ،   تفيض بحارها بخيرات زاخرة ، وسهولها بثمار وافرة ، وجبالها تعج بالمعادن النادرة .

قفز علي عنتر على حين قفلة من الزمن إلى هرم السلطة الذي كاد أن يصل إلى منتهاه لولا الأجل الذي داهمه في اللحظة التي كان يتأهب فيها  لصعود أعلى الهرم ، وهو الرجل الأمي الذي لم يدخل مدرسة ، والثائر الذي ملأ الدنيا ضجيجا ببطولاته ؛ وهو الذي  لم يعد من مهجره في الكويت إلا وقد أدلج الناس ، والثورة على وشك الإنتهاء ، والعسكري الذي حمل أعلى رتبة عسكرية في القوات المسلحة حينها  على الإطلاق ، وهو الذي لم يعرف للجنديّة سبيلا ، ناهيك عن  محاضن و وأكاديميات تأهيل القادة ... فكل ما كان يملكه علي عنتر هو روح الفكاهة ؛ التي استطاع من خلالها اختراق مجالس قيادة  التنظيم السياسي للجبهة القومية ، فزاحم القيادة العليا للتنظيم  بالمناكب والركب حتى حجز مقعده بين علية القوم .

يعدَّ علي عنتر عرّاب المناطقية في الجنوب ، ومؤسس هذا المذهب السياسي المدمر ، الذي لاتزال آثاره باقية إلى اليوم .

لم يخدم مسؤول منطقته كما خدم علي عنتر الضالع ، ولن تجد في أي منطقة آحادية القيادة والإلتفاف حولها كما يلتف أعضاء خلية النحل حول يعسوب الخلية إلا في الضالع  ، ربما بسبب تركيبتها القروية بخلاف بقية مناطق الجنوب الآخرى ذات التركيبة  القبلية ، فالمجتمعات القروية عبارة عن تجمعات حرفية من أصحاب المهن ، لذا كانت  طبيعة المجتمع القروي أقرب إلى  المجتمع المدني  من حيث تشكل الوحدات  الاجتماعية الصغيرة  التي يتألف منها المجتمع ، وهذا أفرز  واحدية  القيادة ، فلم تعرف الضالع الاختلاف حول من يقودها في كل المراحل ، من  عنتر وحتى الزبيدي .

مات علي عنتر ، لكن نموذجه السياسي ظل باقيا ، ومن أهم صفات هذا النموذج السياسي المتطرف ، ومميزات هذه العقلية المدمّرة الآتي : 

-  الشبق السلطوي ، وحب التسلط  أبرز صفات هذه العقلية  ،  فتطلع الضالع للقب الرئيس لم يُشبع ولو لمرة واحدة ، وهذا من الأسباب النفسية لهذه العقلية عندما  تصف الزبيدي بالرئيس ، وهو بدوره يتغمس الدور كما لو كان حقيقة   وهذا له تفسيره في علم النفس السياسي  ، إلا أن هذا  لاينفي وجود فئة خيّرة متزنة من أبناء الضالع يكن لها أبناء الجنوب الأحترام والتقدير  ، ولكنها فئة مغلوبة لايستمع إلى صوتها ، ولايلتفت إليها ، بل مقموعة داخل الضالع نفسها .

- الميزة الثانية لهذه العقلية التطرف والخيارات الآحادية ، والتسليم بها وكأنها مسلمات مبرأة من النقص ، ويغلب على هذه العقلية التعصب والمزايدة السياسية ، وخير مثال على ذلك الحقبة الإشتراكية ، إذ كانوا أكثر الناس تحمسا لها  ، وانخراطا في صفوفها ، وحرصا على تطبيقها ،  وتخوينا  لمن خالفها ، أو تخلّف عن ركوب   سفينتها التي لم تعرف برا ؛ ولو مرة واحدة  في تاريخ هذه العقلية ، والمثال الآخر مشروع الوحدة اليمنية الذي قام في  عهد هذه العقلية  ، فتنازلوا عن دولة ، وعاصمة،  وعملة، وسلموا بلدا بخطامه ، وتنازلوا عنه في قصاصة ورق ، لاترتقي إلى مستوى عقد إيجار شقة ؛  ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر .

الميزة الثالثة لهذه العقلية المزايَدة ، ومصادرة حقوق الآخرين ، فالإطار العام لهذه العقلية يملي على أفرادها بأنهم هم المقاومون وهم المؤتمنون ،  ومحاولتها   الاستحواذ على أي انتصارات لنفسها  ، والصاق كل كارثة أرتكبتها  بغيرها ، و مثال محاولة إستئثار هذه العقلية بالانتصارات  اقناع الناس أن لا  مقاومة إلا في الضالع ، ولا حرب إلا فيها ، وما قصة الشيول عنّا ببعيد ، ومثال الصاق كوارثهم بغيرهم  مشروع الوحدة الذي  تم في عهد حكمهم ، لايزالون مصرّين إلى اليوم أن الجنوب احتل في 94م والحقيقة أن الجنوب ُسلم في عام 90م دون حرب أو ثمن .

  - الميزة الثالثة المتاجرة بالقضايا الوطنية ، واستثمارها لصالح الضالع المديرية وليس للجنوب الوطن  ، وخير مثال القضية الجنوبية ... لن تجد جنوبيا من أي محافظة له القدرة على مجاراتهم في الحديث عن الجنوب ، واستعادة دولته ،  ولن تجد جنوبيا من أي مديرية أو محافظة يتكلم  بلغة الوصاية على الجنوب ، حتى يخيّل إليك  وأنت تسمع إلى لغة هذه العقلية أن بقية المحافظات الجنوبية أرض بلا شعب ، ومن يخالف هذه العقلية خائن عميل ، وخير دليل على استثمارهم ومتاجرتهم بالقضايا الوطنية لصالح المديرية ،  تعيين الزبيدي محافظا لعدن ، فبمجرد تعيينه  تخلى عن المقاومة والجنوب ، وأخذ يوزع المناصب والمكاسب على الثوار القادمين من الجبال ، وقال كلمته المشهورة ( لقد أنتهى زمن المقاومة ، وجاء زمن بناء الدولة ) البناء الذي أنتهى بمجرد أن غادر منصب عمدة عدن ، ليعود للحديث عن المقاومة ، واستعادة الدولة ، ولم يخالفه أتباعه حين قرر إنهاء زمن المقاومة ، ولا حين قرر العودة إليه  .

نقول هذا لله وللتاريخ وللأجيال ، ليس تحاملا على أحد ، ولا لإقصاء أحد ،  فيكفي ماتجرعه الجنوب من ويلات ومأسِِ ، لأن هذه العقلية لم تنتج سوى الحرائق ، ولم تجن الناس من مشاريعها إلا الخراب ، وآخر محطات هذه العقلية التدميرية ، إعلان المجلس الانتقالي ، واشعال حرب يناير الأخيرة ، فبمجرد أن خرج الحوثيون من عدن  تنفس الناس الصعداء ، وتداعوا للملمت جراح الماضي ، والعمل على توحيد الصفوف لإنتزاع أكبر قدر من المشاريع  من دول التحالف ، فذهبوا في طريق غير الطريق الذي أجمعت الناس عليه ، فعادوا للبضاعة القديمة  استعادة الدولة ، واشعال الحروب الأهلية ؛  لطرد حكومة الاحتلال التي كانوا جزءا منها ، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم  ، فلا استعادوا دولة ، ولا أسقطوا حكومة ، ولاتركوا عجلة البنا  تستمر ، ليجد الناس أنفسهم بعد هذه الجولة الطويلة  في نفس المربع الذي كانوا فيه  قبل ثلاث سنوات .

                 سعيد النخعي 
          القاهرة 26/يونيو /2018م