في بداياتِ القرنِ 19 ظهرَ سلاحُ الجوِ، ليصبحَ من أكثر الأسلحةِ فاعليةً خلال المعاركِ ، وأحدَ الأسسِ الحديثةِ لكل جيشٍ في العالَمِ ، ومن خلاله تتمُ السيطرةُ على أراضي العدو ، وتحققُ الهجماتُ البريةُ المتزامنةُ مع الضرباتِ الجويةِ أهدافَها بنجاحٍ.
ومن أهم أهدافِ الضربات الجويةِ:
- منعُ تمددِ العدو وبسطِ سيطرتِه على مواقعَ متقدمةٍ واستراتيجيةٍ ، من خلال ضربِ تمركزاته وتحركاتِه في المناطق التي يتواجدُ في نطاقِها ، أو التي يسعى للسيطرة عليها.
-استعادةُ المدنِ الاستراتيجيةِ منه ، ووقفُ تقدمِه نحو غيرها ، بالتنسيقِ الهجومي مع القواتِ البريةِ بمختلفِ تشكيلاتها وآلياتها العسكريةِ ، حيث يتبعُ الضربةَ الجويةَ قذفٌ مدفعي ، واختراقٌ لخطوط العدو من قِبَلِ قواتِ المشاة والمدرعات وغيرها.
- تدميرُ وإنهاكُ قواتِ الأعداءِ ، عند عدمِ جدوى الهجومِ الأرضي ، وفي وجود دفاعاتٍ محصنةٍ للعدو ، ويكونُ ذلك بتنسيقٍ وتحديدٍ جغرافي وزمني مع القوات الأرضيةِ المهاجمة أو المدافعةِ.
- فرضُ طوقٍ حول العدو ، دفاعا عن عواصمِ المحافظاتِ والمدنِ ذاتِ الأهميةِ الاقتصادية والبحرية والجغرافيةِ . وغيرُ ذلك من المهامِ الكفيلة بتحقيقِ النصرِ.
ومن خلالِ قراءةِ تاريخِ سلاحِ الجوِ في الحروبِ ، نجدُ أنَّه قد حققَ نصرا وإنجازا فاعلا من خلال ضرباتٍ معدودةٍ محددةٍ ، هيأَت للقواتِ البريةِ ساحةَ تقدمٍ ، في ساعةِ الصفرِ المتفقِ عليها ، ووفقا للخطةِ الشاملةِ المستوفيةِ أركانِ الدراسةِ والتدريبِ والجاهزيةِ لكل الوحداتِ المشاركةِ ، وبقيادةِ غرفةِ عملياتٍ مؤهلة ، من قادةِ الوحداتِ العسكريةِ وفقا للمهامِ القتالية المطلوبة.
ومن خلال حربي يونيو 67م ( 5 يونيو - 10 يونيو ) ، وأكتوبر73م ( 6أكتوبر - 25 أكتوبر ) ، بين القواتِ العربية والكيانِ الصهيوني ، تتضحُ هذه الفاعليةُ الضاربةُ للقواتِ الجويةِ . عن نكسةِ حزيرانَ ، قال محمدُ حسنين هيكل " أنَّ تعطيلَ سلاحِ الجو المصري هو السببُ الأبرزُ لخسارةِ الحربِ ".
ويومها كانت استراتيجيةُ الجيشِ الإسرائيلي تعتمدُ بشكلٍ أساسٍ على تفوق سلاحِ الجو ، حينها غارت طائراتُ إسرائيلَ على مطاراتِ ومهابطِ الطائراتِ المصريةِ ، لتعطلَ قدرةَ 420 طائرةً مقاتلةً ، وقتلَ 100 طيارٍ . ونقلَ أمينُ هويدي عن كتابِ الفريق أول محمدِ فوزي " أنَّ الخسائرَ كانت بنسبة 85% في سلاح القوات البريةِ ، وكانت خسائرُ القواتِ الجوية من القاذفات الثقيلةِ أو الخفيفةِ 100% ، و87% من المقاتلات ، كما اتضحَ بعد المعركةِ أنَّ 200 دبابةٍ تقريبًا تم خسارتُها " . وفي سوريا دُمِرَتْ 32 طائرةً ، وفي الأردن دمرت 22 طائرةً ، وفَقَدَ العراقُ فاعليةَ سلاحِه الجوي ، بعد أن هاجمت إسرائيلُ قاعدةً جويةً في الأنبارِ.
ووصلت نسبُ الاستنزافِ في المعدات العربيّةِ 70 - 80% من مجملِ طاقتِها . وحُسِمَت المعركةُ ، وكلُ ذلك في 6 أيامٍ فقط . وفي حربِ أكتوبر 73م ، نجحت الضرباتُ الجويةُ العربيةُ في مباغتةِ العدو الإسرائيلي ، لتدمرَ أهدافَها بنسبةٍ تزيدُ عن 90 % ، و كانت نتائجُ الضربةِ وفقا لما ورَدَ في المراجعِ الموثقةِ ، ضَرْبَ ثلاثةِ ممراتٍ رئيسةٍ في 3 مطاراتٍ ، و3 ممرات فرعيةٍ فيها ، ودمرت طائراتُ الميج 17 عشرةَ مواقعَ لبطاريات صواريخ أرض - جو ، من طرازِ هوك للدفاع الجوي في مناطقَ متعددةٍ ، وتم ضربُ موقعي مدفعيةِ ميدانٍ ، وتدميرُ مركزِ القيادةِ الرئيسِ في مناطقَ حساسةٍ عديدةٍ ، وتدميرُ عددٍ من مراكزِ الإرسالِ الرئيسةِ والرادار ، وضربُ 3 مواقعِ شؤونٍ إداريةٍ ، ودكُ حصونِ خطِ بارليفَ القويةِ ، وضربُ محطةِ إعاقةٍ وتوجيهٍ في منطقةِ رأس نصراني ، واحتلت مقاتلاتُ ميج 21 مواقعَ مظلاتِ دفاعٍ جوي ، تحسبا لأي هجومٍ جوي مضادٍ ومعادٍ ... . وكانت مهاجمةُ جميعِ الأهدافِ المعاديةِ فى سيناءَ تتمُ فى وقتٍ واحدٍ ، محققةً أهدافها فى تناغمٍ وتناسق بديعٍ.
كما أَحْدَثَ عبورُ سلاحِ الجو خطَ القناةِ على ارتفاعٍ منخفضٍ جدا ، رعبا في نفوسِ القواتِ المعاديةِ ، ورسخ تأثيرا معنويا طيبا لدى القواتِ المصريةِ ، فقد التهبت مشاعرُهم حماسا وثقةً ، في مختلفِ الوحداتِ البريةِ ، المنطلقةِ بجاهزيةٍ عاليةٍ ، وفق مخططٍ عسكري شاملٍ ، واتصالٍ وإمدادٍ بين كافةِ وحداتِ الجيشِ المصري . وكل ذلك في 20 يوما فقط .
يُعَرِفُ حلفُ الناتو التفوقَ الجوي بأنَّه " حينما تكونُ القوةُ الجويةُ المنافسةُ غيرَ قادرةٍ على التدخلِ الفعال " . ووفقا لهذا التعريف يُعَدُ التحالفُ العربيُ في اليمنِ بقيادة السعوديةِ قد حازَ التفوقَ الجويَ الكاملَ . حيث فرضَ سيطرتَه كليا على السماءِ ، في غيابٍ تامٍ لأي طيرانٍ حوثي يُعيقُ تنفيذَ عملياتِه العسكريةِ . وقد بدأ التحالفُ ضرباتِه الجويةِ على الحوثيين في 25 مارس 2015م ، تحت مسمى ( عاصفة الحزم ) .
ومنذ ذلك التاريخِ وحتى اليوم شَنَ الطيرانُ آلافَ الغاراتِ الجويةِ ضد قواتِ الحوثي . ومن واقع الأحداثِ ، يتبادرُ سؤالٌ جوهريٌ ، ما هي آثارُ تلك الغاراتِ على القواتِ الحوثية ؟!. وما هي درجة التنسيق والتواصل بين وحدات الجيش الوطني البرية ، وبين قيادات التحالف الداعم لها بالغارات الجوية ، دفاعا وهجوما ؟. والإجابةُ من واقعِ الأرضِ تصرخُ " لا شيئا ملموسٌ من ذلك " . ( 6 سنوات و8 أشهر ) ، فيها آلافُ الضرباتِ الجويةِ ، ومازال الحوثيُ قويا متحركا مسيطرا متمددا !، منطلقا بالرجالِ والعتادِ نهارا جهارا ، لا تعترض الطائراتُ حركتَه ، ولا توقفُ الغاراتُ تمددَه ، حتى إذا تم له احتلالُ المدنِ ، توالت غاراتُ التحالفِ ، لتدكَ البنيةَ التحتية ، وتُدَمِرَ المنشئاتِ الوطنيةَ ، وتُرهبَ المواطنين ، دون أن تُجْهِزَ على قواتهِ ، أو تقطعَ تمددَه فعليا ؟. وأتذكرُ سابقا في شبوةَ ، في صباحٍ باكرٍ من يوم جمعةٍ ، بدأ تحركٌ هجوميٌ حوثيٌ ، منطلقا من "عتق" ، نحو الجهةَ الجنوبيةِ والشرقيةِ ، حيث تتمركزُ قواتُ المقاومةِ في عدة مواقع .. . ومع عصرِ ذلك اليوم كان الحوثيُ قد سيطرَ على الأرض ودحرَ المقاومة عن مواقعها المتقدمة.
كلُ هذا دون تدخلٍ فوري من سلاحِ التحالف الجوي . وقد تناهى لسمعي ، إنَّه ومع بدايةِ تحركِ الحوثي فجرا ، قام الشهيدُ ( باحاج ) محافظُ شبوةَ ، وقائدُ جبهةِ منطقة الجبلِ (رحمه اللهُ) ، بالتواصلِ مع منسقِ الإتصال اليمني ، كي يُبَلِغَ التحالفَ بهذا التحركِ الهجومي ، محددا له إحداثياتٍ يجبُ عليهم ضربُها بالطيران ، لمنعِ قواتِه من التقدمِ . وهو ما لم يحدث ساعتها ، وفي عصرِ ذلك اليومِ حَلَّقَت طائراتُ التحالفِ ، لتُلقِيَ مفرقعاتِها في سوقٍ قد نفدت بضاعتُه ، وخلت طرقاتُه من الباعةِ والمشترين . ولا نعلمُ حتى اليوم أكانَ الخللُ - ومازال - كامنا في جهةِ التواصل اليمني ؟، أم قابعا عند قمةِ التحالف العربي ؟. ولعلهم لا يرون في الأمرِ أيَ خللٍ ، وإنما هو انضباطٌ منهم ونجاحٌ لهم . فَهُمْ يؤدون - ببراعة واحترافٍ - دورَهُم المُعَقَدَ ، حسب السيناريو المُحَددِ ، ورؤية المُخْرِجِ المُجَدِدِ.