أظنُ جازماً بأن90% من أبناءِ عدنَ في مليونياتِ الحراكِ الجنوبي، قد غيروا نهجَهَمُ الانفصاليَ، بعد إن عاينوا حجمَ تدميرِ مُدنِهِم، خدميا وتراثيا وسلوكيا وعمرانيا، وعايشوا ما تُنَفِذُهُ قواتٌ جنوبيةٌ ومناطقيةٌ من انتهاكاتٍ عدائيةٍ وممارساتٍ تعسفيةٍ تجاهَهَم، ومن بسطٍ وسطو، وتعنتٍ وقهرٍ. لقد حلموا بمشروعِ دولةٍ جنوبيةٍ، دولةِ نظامٍ وعدلٍ وتنميةٍ، وسلامٍ وأمنٍ ومساواةٍ، فصفعَهم كابوسُ الواقعِ، مؤكداً انعدامِ أدنى مقوماتِ الدولةِ التي حلموا بها، وإنَّ ما يتحلى به مجلسُ (فوضناك) من صِدْقِ البناءِ ومصداقيةِ الوفاءِ، مجردُ علمٍ يُرَفْرِفُ لدولةِ اليمنِ الديمقراطي سابقا.
ويتحملُ القطبُ الإماراتيُ في التحالفِ النصيبَ الأكبرَ في ترسيخِ تلك القناعةِ. فهي غيرُ صادقةٍ في موقفِها مع القضيةِ الجنوبيةِ العادلةِ، لقد كان في مقدورِها اتخاذُ إجراءاتٍ اقتصاديةٍ تنهضُ بمستوى المعيشةِ، وتقديمِ مساهماتٍ خدميةٍ ترفعُ المعاناتِ عن عدنَ وأهلِها، وفرضِ ما يُطَمْئِنُ قلوبَهم أمنيا وعمرانيا وصحيا وغيرها.
لقد كان في مقدورِها -إن كانت مخلصةً- أن تجعلَ عدنَ جنةً راقيةً، فبعددٍ قليلٍ من آلاتِ توليدِ الكهرباءِلديها، مِنِ التي هي في نصفِ عُمرِها، ستنيرُ عدنَ، وبتفعيلِ الميناءِ ستزدادُ فُرَصُ العملِ والاستثمارِ، وبدعمِ كادرٍ أمني مؤهل سيعمُ الأمنُ ويحلُ السلامُ وتنشطُ حركةُ التجارةِ والعمرانِ، بدلا من تحملِ رواتبِ قواتٍ، مهمتُها الفشلُ وتعمدِ الخللِ. كانت تستطيعُ فعلياً أن تقدمَ الخيرَ والتنميةَ للجنوبِ، وسيكونُ ذلك فخرَ الزمانِ لها صدقاً، بدلا من لوحة قماشية سُطِرَ فيها تَزَلُفاً "شكرا إماراتِ الخيرِ". ولكن يبدو جليا أنَّ أهدافَها هنا ليست من أجلِ حمايَتِكَ ياجنوبُ، ولا من أجلِ رعايَتِكَ ياجنوبي..
وإنَّما هي من أجلِ مصالحِها، وتمهيدِ الطريقِ لمن يقفُ خلفَها من منظومةٍ دوليةٍ وإقليميةٍ. وأمامَ كلِ تلك الحقائقِ فإنَّ لسانَ حالِ انفصاليِّ الأمس،صادعٌ بالقول اليومَ: " إن كان هذا هو نمطَ الدولةِ المرتقبةِ، وهذا هو نسقَ الاستقلالِ المنتظرِ، فإنَّ الوحدةَ أخفُ ضرراً وأهونُ شراً ". وهذا ما قد تحققَ مؤكداً في عدنَ. وبالسيناريو ذاتِه، يبدو أنَّ دورَ شبوةَ قد حانَ، لينتشرَ فيها فقهُ (التراجعِ عن الانفصالِ)، ويُعَادَ تقييمُ معتقدِ (الحلِ في الاستقلالِ). وهذا ليسَ أمراً عشوائياً اعتباطياً، بل هو نسقٌ ممنهجٌ وتدبيرٌ مؤدلجٌ. عَلِمَه من عَلِمَه وجَهِلَهُ من جَهِلَهُ. والجُهّالُ كثيرٌ.