لم تحمل المؤشرات والإحصائيات الاقتصادية، والأمنية الصادرة عن بعض الجهات الحكومية في بلادنا أي تحُسن في الوضع، او ما يبعث بالأمل للمواطن اليمني الذي كان ينظر لاستقبال العام الميلادي الجديد 2014م بنظرة تفاؤلية لرسم بداية الطريق لأي خطوات يخطوها للعودة لاستقرار الاوضاع في البلد. كان يتطلع لاستقبال هذا العام بتحقيق بعض النتائج المشجعة في بعض المجالات الاقتصادية، وقطع شوطاً مقبولاً في تنفيذ البرامج والمهام المحددة في عملية التسوية السياسية (خارطة الطريق ) التي بنيت على المبادرة الخليجية والنتائج المتوقعة باستكمال الحوار في سبتمبر العام الماضي لدخول مرحلة تنفيذ مخرجاته التي يتفاؤل بالخروج بها، ويعلق على تنفيذها آمال كبيرة لإرساء دعائم الاستقرار السياسي باعتباره البوابة للانتقال لمرحلة معالجة كثير من القضايا والمشكلات الجسيمة التي يدفع ابناء اليمن دمائهم وتدهور اوضاعهم المعيشية ثمناً لتحمل أثارها الاقتصادية وتداعياتها على مختلف جوانب حياتهم وأبرزها جرائم الارهاب بعد انتجت تداعياتها عوامل وأخطار مضافة لتدمير الاقتصاد والدولة اليمنية ومؤشر يؤرق حياتهم، ومستقبل ابنائهم بل حملت كثير من القلق، والتشاؤم لمستقبل التنمية والاقتصاد والمجتمع اذا لم يلتف ويتعاون الجميع للإسراع لدراسة الوضع الاقتصادي المنهار ووضع المخارج والحلول لإنقاذ ما يمكن انقاذه وإيجاد اصطفاف حكومي ومجتمعي للتصدي للإرهاب وجرائمه التي تدمر الاقتصاد الوطني والتنمية وحشد الطاقات لتعزيز التعاون والشراكة بين الجميع وأجهزة الدولة اليمنية والمجتمع المحلي والجهود الدولية للوقوف وجه لوجه امام هذا الخطر ، والتسريع بحلحلة الازمة السياسية باعتبار استمرارها احد الاسباب التي يوفر للجماعات المسلحة المناخ والعوامل المساعدة لانتشارها رغم الجهود الجبارة التي تبذل لمحاربته، فالأمر بات اليوم يحتاج الى التضحية، والمشاركة الفاعلة من قبل الجميع لتجفيف منابع إنتاجه وتمدده وانتشاره وعدم الاكتفاء فقط بجهود الدولة، والشركاء لمحاربته، بل بمشاركة بقية الجهات التي ينبغي عليها القيام بتأدية واجبها الوطني للقضاء على هذه الآفة المجتمعية الخطرة التي اصبحت تهدد مستقبل الجيل القادم، وعائق امام التنمية، ومدمره الاقتصاد اليمني.
وبالنظر الى مؤشرات وإحصائيات التقارير الصادرة عن الجهات الحكومية، والمنظمات الدولية وتأكيدها ببقى 54 في المئة من اليمنيين الذين يبلغ تعدادهم حوالى 25 مليون شخص تحت خط الفقر، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة إلى 40 في المئة بصورة عامة وفي أوساط الشباب إلى ما فوق 60 في المئة في عام 2013م . والى الخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد خلال العام الماضي نتيجة لاستمرار أعمال العنف، والاعتداءات المتكررة على أنابيب النفط والغاز ، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وخطوط الألياف الضوئية، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة على قطاع الاعمال، والاستثمار بسب انتشار الفوضى وانعدام الأمن، وتزايد الهجمات الارهابية على المنشآت الأمنية والعسكرية في ظل تراخى وحدات الجيش والأمن.
الى جانب التدقيق في نتائج وافرازات ما تعرض له الاقتصاد اليمني العام المنصرم من ضربات قوية أثرت وبشكل مباشر على الإيرادات الحكومية، وكذلك على الحالة المعيشية للمواطن ، الى جانب ما اسهمت به الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة على تدهور الوضع الاقتصادي، نجد ان تلك المؤشرات والنتائج تؤكد بجلاء عمق الضرر الاقتصادي، ومدى ترابط عوامل وأسباب انتاجه مع استمرار الازمة السياسية، والانفلات الامني، وجرائم الارهاب الذي قد يدفع هذا الترابط المدمر، بالاقتصاد اليمني الى مستوى يصعب التعامل معه الأمر الذي اصبح يقلق المراقبين للشأن اليمني، ويخيف الدول الراعية للتسوية السياسية ليفسر اهتمامها المتزايد لإنهاء الحوار خشيةٌ من الانهيار .
حيث تُظهر البيانات الحكومية تراجعاً مخيفاً لعائدات اليمن من تصدير النفط الخام بنسبة كبيرة الذي بلغ 734 مليون دولار في أول 11 شهرا من عام 2013 لتصل إلى 2.472 مليار دولار مقارنة مع 3.206 مليار دولار في الفترة المقابلة من 2012 م. وتشير احصائيات المؤسسة العامة للكهرباء ان خسائر المؤسسة جراء الاعتداءات خلال الاعوام 2011- 2013 م قد بلغت 52 مليار ريال، وأن متوسط خسائر المؤسسة يوميا جراء الاعتداءات تصل الى 277مليون ريال البالغ عددها اكثر من 200 اعتداء تخريبي، فيما وصلت خسائر قطاع الاتصالات خلال الستة الاشهر الأولى من العام الماضي إلى أكثر مليار ونصف المليار ريال، في حين بلغت خسائر القطاع الزراعي ما يقارب 71 مليار دولار، الى جانب 769 مليون دولار حجم التراجع الاحتياطي النقدي للبنك المركزي من يناير حتى اكتوبر.
رغم ان جزاء كبير من هذه الخسائر جاء كنتائج وأضرار مباشرة لجرائم "تنظيم قاعدة جهاد جزيرة العرب"، الا انه مع ذلك لايمكن عزل نتائج، واضرار بقية الجرائم عن الارهاب، وان كانت ذات دوافع سياسية، ومجتمعية فجريمة الارهاب اسهمت بشكل مباشر وغير مباشر لخلق بيئة مشجعة للعنف اتدمير للموارد الاقتصادية، وإعاقة التنمية في اليمن، فالارهاب مدمر للمجتمعات وعدو للتنمية وهما لايجتمعان، وبحسب ما اوضح به الدكتور عبد الله المخلافي وكيل وزارة المالية الأسبق وأستاذ الاقتصاد المالي بجامعة تعز لصحيفة الثورة في 8 ديسمبر العام الفائت "تكبد الاقتصاد الوطني خلال العقدين الماضيين من 40 – 50 مليار دولار بسب الارهاب ". كما تضرر قطاع الاستثمار بشكل مباشر من جرائم الارهاب حيث رحلت (181) شركة استثمارية من اليمن والسياحة ايضا اخذت نصيبها ووصلت الى ادنى مستوياتها بسبب عمليات الاختطاف وقتل الاجانب.
ان هذه المؤشرات مزعجه وخطيرة ، وبل وتضاعف القلق والانزعاج الخسائر غير المباشرة التي يتسبب فيها الارهاب في القطاعات الاخرى التي نتجت عن جرائم العصابات المسلحة، وهي في الواقع نتائج لجرم مستنسخ من جرائم "تنظيم الجهاد بجزيرة العرب"، بعد ان وفّر الاختلال الامني الذي احدثته جرائمه، الاغتيالات، وعمليات التفجير، والاختطافات، ومهاجمة المصارف، والبنوك، ومحلات الصرافة والتحويلات، التي ينفذها "التنظيم" طريقاً ومسلكاً لتلك العصابات المسلحة لارتكاب جرائمها، بإثارتها الفوضى ونصب نقاط التقطع وتفجير انابيب النفط والغاز .. وغيرها التي تنفذ بدوافع الابتزاز، للدولة، والتجار، والسرقة والنهب، وتدمير الاقتصاد لإعاقة التسوية السياسية و ..و .. وتصب نتائجها في الاخير لمصلحة تنظيم "القاعدة" ، ويتكبد اثارها وأضرارها الاقتصادية ابناء اليمن البسطاء. ولم تنج بعض القطاعات التجارية الصغيرة، بل طالتها الاضرار المباشرة وغير المباشرة لجرائم "تنظيم جهاد جزيرة العرب"، حيث تضرر القطاع التجاري، ومختلف القطاعات الاقتصادية الصغيرة ، والاقتصاد الاسري الذي يعتمد عليه التُجار، والمواطنين في المناطق الملتهبة في بعض المحافظات التي اصبح تواجد عناصر تنظيم "القاعدة "فيها يشكل لهم كابوساً مدمراً وببقائهم تضررت تجارتهم، ووصل بعضهم الى مستوى الافلاس، وأصبحوا عبئا مضافاً لتتقلص وتننحسر فرص العمل امام الشباب وتزداد نسبة البطالة وتتراجع معدلات النمو.
ان الارهاب بكل اشكاله اصبح خطراً مدمراً للاقتصاد والشعب اليمني، ولعل عدم مشاركة المجتمع في تجفيف منابعه والعوامل المساعدة التي توفر له بيئة حاضنة، قد اسهم بشكل واضح لجعل هذا الخطر عائقاً امام النهوض بمجتمعهم، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بل لينتقل هذا الخطر الى مستوى اكثر ضرراً، وفتكاً بحياتهم الى جانب ما ينتجه ابنائه من عوامل محفزه للعنف والإرهاب بإسهامهم، وتغذيتهم استدامة الاضطرابات السياسية، والنزاعات المسلحة في بعض المناطق الملتهبة، وبدفعهم ببعض التيارات الدينية والسياسية والمجتمعية للاحتراب، وامام هذا كله تُبرز الحاجة الملّحة التي تفرضها الضرورات لإنقاذ بلدنا من الانزلاق الى الهاوية بعد ان حذر بعض الخبراء من الانهيار الاقتصادي القادم، والإسراع بمراجعة الذات وتقويم مكامن الاختلال، وكسر حواجز الخوف، وفضح هذا الخطر ، والآفة المجتمعية ونبذها مجتمعياً، ولتقّيم الاجهزة المختصة عملها، وإخفاقاتها، وتضع استراتيجية، واضحة وفاعلة، تؤدي الى توحيد جهود الجميع، وتضمن مشاركة كل الجهات ذات العلاقة وتشجيع التضحية والاستبسال، والرقابة الشعبية الفاعلة على اداء عمل بعض الجهات الحكومية سوى في مجال المحاربة، او التجفيف، او التوعية، والاصطفاف المجتمعي والتربوي لإنقاذ ما يمكن انقاذه، وان تضمن الاستراتيجية اتخاذ الاجراءات الصارمة لمعاقبة المتخاذلين في واجباتهم الامنية، والمتعاونين مع عناصر الارهاب والمترددين عن اداء واجبهم لمحاربته، والتصدي له بكل الوسائل كلاً من موقعه، وبما تلزمنا القيام به تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف، وان لا يقف البعض متفرجاً امام مايحدث ليدرك أن ما تقترفه هذه الأيدي الآثمة من أعمال إرهابية تنعكس سلباً على اقتصادنا الوطني بحكم تداعياتها الاجتماعية والأمنية، بعد ان اصبح الارهاب في اليمن كالسرطان قاتل يُدمر كل مفاصل الحياة، وصار خطراً، وطارداً للتنمية، وهنا لابد أن يقف المجتمع بأسره بكل حزم وقوة أمام هذه الفئة الضالة لضمان استقرار هذا الوطن، لان الكيان الاقتصادي لا ينمو ويستمر في التطور والازدهار إلا في ظل استتباب الأمن، والمناخ المستقر، غير ذلك فان استمرار صمتنا لايُفسر إلا مساهمةٌ في تدمير اقتصادنا ومستقبل اجيالنا القادمة.