وعن تسريح الموظفين الجنوبيين... حقائق أخرى. الجزء الأول

2014/01/18 الساعة 01:46 صباحاً

مثلت قضية الموظفين المدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية أحد أهم مواضيع التكسب السياسي التي يستخدمها أصحاب مشاريع الرغبة بالعودة لحكم الجنوب، وظل ترداد هذا الموضوع متواتراً يروج له أولئك الساسة لدرجة أقنعت الكثيرين أنه مورس ظلم شديد ضد الجنوبيين في مجال الخدمة المدنية وأنه تم تسريحهم بعد حرب 94 من قبل السلطة الحاكمة سابقاً لليمن والتي يتعامل معها الجنوبيين وكأنها كانت سلطة الشماليين على الجنوبيين وليست سلطة الدولة اليمنية الجديدة أنتخبها وأختارها وشارك في مفاصلها وقيادتها كثير من أبناء الجنوب. لم يكن لدى الفئة التي ترغب في العودة لحكم الجنوب سوى التمسك بذرائع حقوقية كي تبرر رغبتها حد الهوس بالعودة لحكم الجنوب بعد أن شعرت أن الكيان اليمني الجديد الذي نتج بعد 22 مايو 1990م أفقدها السلطة الشمولية القمعية التي كانت تسيطر بها على جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان موضوع المسرحين المدنيين من وظائفهم من أبناء المحافظات الجنوبية من أخصب المواضيع هو وموضوع العسكريين ويضاف لهما موضوع نهب أراضي الجنوب ونهب ثروات الجنوب لكي يصبح الواقع بالتالي وجود مظالم رباعية الدفع تمكن الساسة الحاكمين للجنوب سابقاً من العودة للتفرد بالقرار والحكم والسلطة في الجنوب دون أي مشارك وبالذات الأغلبية العددية من أبناء المحافظات الشمالية. يحاول هذا المقال لملمة بعض الأوراق المبعثرة والتذكير على عجالة ببعض حقائق الموظفين المدنيين في يمن ما بعد 1990م وفي يمن ما بعد حرب 94م، ويقسم التفاصيل إلى مراحل زمنية كي يسهل الفهم ،واستهلالاً تجدر الإشارة بأن تناولي لهذا الموضوع يتم كمقالاتي السابقة حيث يرمي بالشبك وكل من يريد أن يصطاد من حقه أن يصطاد وكل من يعارض ما فيه من حقه أن يرد ويثبت عكس ما أورده من معلومات أستغرق الحصول عليها وقتاً وجهداً ليسا بالهينين، ومن الجيد أن العاملين بالخدمة المدنية في 90 أحياء يمكن سؤالهم وأخذ شهادتهم المؤكدة أو النافية لما سأورده من معلومات. وضع الخدمة المدنية في عام الوحدة 1990م وحتى العام 1993م:

دخل الجنوبيون في الوحدة بعد حرب طاحنة خاضوها فيما بينهم البين عام 1986م أدت إلى انقسام غير مسبوق في أوساطهم وبمجرد انتهاء تلك الحرب الأهلية التي قسمت النخبة السياسية الحاكمة لدولة جنوب اليمن بدأ الفصيل المسيطر على الجنوب بالتوجه نحو الشقيق الملاصق والجزء الذي يجب أن يتوحد معه بحسب أدبيات الحزب الحاكم للجنوب آنذاك وهو الحزب الاشتراكي اليمني، وكان الجنوب دولة اشتراكية المذهب السياسي ولم يكن يوجد فيه قطاع خاص ولم يكن هناك قانون للعمل لأن القطاع الخاص لا وجود له، وكان النظام الإداري المتبع في الدولة لفيفاً وخليطاً من القانون البريطاني الذي سنه الاستعمار ومن المنظومة الاشتراكية الشمولية وبالتالي كان النظام الإداري غير واضح المعالم بل وسيء للغاية بشهادة الخبراء العرب الذين كانوا ينتقدون النظام الحاكم للجنوب في كافة المؤتمرات التي عقدت في الوطن العربي كمؤتمر العمل في تونس 86م والذي أكد أن نظام العمل الموجود في الشمال نظام متميز في حين لا يوجد نظام عمل في الجنوب الاشتراكي، والنظام الإداري الجنوبي انتقده الجميع حتى الاتحاد السوفيتي ويمكن مراجعة كتاب السفير السوفيتي في الجنوب الذي حكى انتقاد الحلفاء الاشتراكيين لنظام حكام الجنوب في جوانب متعددة منها الجانب الإداري. أثناء مفاوضات الوحدة التي استغرقت سنين عددا منذ الستينات مروراً بالسبعينات والثمانينات وحتى ما بعد تحقيق الوحدة تم تشكيل ما سمي بلجان الوحدة في كل جهة حكومية وفي عام الوحدة كان من بين تلك اللجان لجنة الخدمة المدنية التي صار وزير وزارتها شمالي هو محمد عبدالله الجايفي ونائب الوزير جنوبي هو محمد محسن وكان النقاش الذي أجراه الوزير الشمالي مع نظيره الجنوبي أثناء الإعداد للوحدة في جانب دمج الخدمة المدنية متضمناً تقديم كل طرف في الدولتين كشفاً بعدد الموظفين الجنوبيين في دولته ويومها سأل وزير الخدمة المدنية الشمالي نظيره الجنوبي عن عدد الموظفين المدنيين في الجنوب فرفض الوزير الجنوبي الإجابة متسائلاً أولاً عن عدد الموظفين الشماليين وبعد أن أجابه الوزير الجائفي قال نظيره الجنوبي إذا (اعتبر أن الموظفين الجنوبيين أربعة أضعاف الشماليين) وكأن المسألة كانت تخمين وتنجيم ومبالغة دون أي دليل يعضدها!!!. وبالفعل فإن عدد الموظفين -الذي ينبغي التنبه لرقم عددهم جيداً- والذين تم تحميل دولة الوحدة الناشئة مسئوليتهم وصل إلى قرابة 250 ألف موظف جنوبي وقرابة 70 ألف موظف شمالي وهذه المعلومة يمكن لكل من يبحث عن الحقائق أن يحصل عليها من وزارة الخدمة المدنية للتأكد مما أوردته، ويمكن للباحث المنصف التأكد من معلومة (أن الأرقام التي قدمها الجنوبيين قبلت دون أي تدقيق من قبل الشماليين) حيث قدم الجنوبيين كشوفات جاهزة، وتم قبول معلومات القوى العاملة الجنوبية بتفصيلاتها دون التأكد من مدد الخدمة وهل تواريخ الالتحاق حقيقية وهل تواريخ الميلاد للموظفين حقيقية ليتسنى احتساب الأجلين، وهل الدرجات الوظيفية للموظفين حقيقية وكل ذلك سكت عنه بسبب القرار السياسي من السلطة الرئاسية الأعلى للبلد والتي منعت أي نقاش حول تلك المواضيع. كان هذا العدد المهول من الموظفين الجنوبيين عبئاً على دولة الوحدة في عام 1990م والتي كانت مواردها آنذاك محصورة في قرابة 400 ألف برميل من نفط مأرب فقط لأن نفط الجنوب لم يتم استخراجه إلا في نهاية عام 1993م أي بعد 3 سنوات من الوحدة. وفي حين يردد الجنوبيين حالياً أن الوحدة أنقلب عليها بسبب عدم الأخذ بأفضل الأنظمة في الدولتين ويعنون أنظمتهم الشمولية يمتنعون عن الرد على التساؤل الأهم وهو (هل من الأفضل للدول تخفيض عدد الموظفين أم زيادة تحميل الدولة وظائف ومرتبات دون حاجة؟) كما فعل الجنوبيين بدولة الوحدة وحملوها أعداداً إضافية ولم يقللوا العدد كما هو المفترض خصوصاً والوحدة تقلل الاحتياج للموظفين

وضاح حسين المودَّع عضو الهيئة التأسيسية للحراك الشمالي