في رصد وتقييم أولى لتطورات السياسية التي عصفت ببلدان ما يعرف بدول الربيع العربي منذ نحو ثلاث سنوات ، يلاحظ الراصد والمتابع بداهة أن ما يجمعها أهداف متشابهة وتتلخص في إصلاحات سياسية وتحسين الأوضاع المعيشية والإنعتاق من الاستبداد والنظم البوليسية ، وبرغم تعدد الأسباب إلا ان الهم واحد ، فمألات ثورة الاحتجاجات الشعبية الشبابية في اليمن قد انفردت بها عن سواها ، ورغم ذلك تتشابه مع هذا او ذاك في بعض التفاصيل ، فعلى سبيل المثال هناك مقاربات ومفارقات بين الثورة السورية واليمنية ، فعند رؤية حجم الخسائر البشرية وملايين المشردين ودمار المدن السورية ، فربما لطف الله باليمنين رغم حالة الإحباط التي رافقت المرحلة الانتقالية التي طالت أكثر مما كان متوقعا والعبرة بالنتيجة في نهاية المطاف ، ويحسب لحكمة اليمنيين بأنهم لم ينجروا كليا للكارثة وألا فمقومات الانهيار متوفرة فاليمنيون مسلحون وكما يقال يولد وفي وسطه خنجر ، ويفترض ان البنية الاجتماعية في اليمن سلاح ذو حدين ففي الوجه السلبي بالإمكان ان تسخر القبيلة ومؤخرا الحزبية والمذهبية دورا في اذكاء الخلافات وتعميق الشرخ في جسد المجتمع بفعل ترسبات ما أفسده الدهر لساسته خلال العقود المنصرمة ،فقد تم إحياء بعض المفاهيم والعادات التي كادت أن تنقرض ، كالدور السياسي للقبيلة ومشائخها وانتشار السلاح ، وزراعة القات ، كلها انتعشت في العقود الثلاثة الاخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل ، اما تعدد مراكز القوى فتلك كانت لعبة النظام السابق والتي من خلالها إذكاء الخلافات والصراعات بين اطراف يمنية نحصد نتائجها اليوم للأسف وكما هو معلوم يدرك الشعب بأن مراكز القوى التي فرخها النظام السابق هي من تعبث بالوطن في كل تفاصيل العملية الانتقالية في كل المحطات الزمنية لهذه المرحلة ، فلو جرى في اليمن ما حدث في سوريا لكان تداعياته أكثر ولكان اليمن صومال آخر ، والسبب بأن اليمن بمؤسساته الهشة لن تتحمل صراعا دمويا لأنه ببساطة لم يؤسس لدولة مؤسسات بدليل نتيجة ذلك التخبط الذي نعيشه اليوم ، ناهيك عن ملابسات الحل السلمي في اليمن عبر المبادرة جعلت من النظام المفترض الإطاحة به ليس فقط شريكا في النظام المؤقت بل شبه أساسي فهو لم يسلم السلطة والدولة وإنما فقط تنازل رأس السلطة وبقى في السلطة بقوته المادية والعسكرية والإعلامية ، ومستمر في إثارة المتاعب لما سماه (بألايادي الأمينة) ! ، أما في سوريا رغم شراسة الحرب بين السلطة والمجموعات المسلحة وأدت لتخريب العمران والإنسان حيث قُتل عشرات الألوف ، وشُرد ملايين في دول الجوار السوري وداخل سوريا ، الا انه يمكن القول بأنه رغم حجم الدمار والخسائر البشرية إلا أن وجود المؤسسات قد قلل منها ولم تنهار وربما قلل من المتاعب لسبب بسيط بأن سوريا شبه مكتفية ذاتيا في أساسيات الحياة ولديها نظام ادري في توزيع الخدمات ما جعل الشعب يصمد أمام المحن وبغض النظر موقفنا من النظام في سوريا والمعارضة ، فأنا هنا احلل تداعيات الأزمة في البلدين على حياة عامة الشعب ، من ضمن المقاربات بأن الحل في الأزمة السورية قد يقود لعملية أشبه بما جرى في اليمن بغض النظر عن تصلب الموقف الرسمي السوري بضرورة بقاء الأسد ولكن العبرة بالنهاية فلا يعلم ماذا تقود المفاوضات في جنيف 2 بينما في اليمن المفاوضات اقرب للحوار في اغلب مفرداتها ويمكن تسميتها مفاوضات في البعض الآخر، أما المؤسسة العسكرية فأوجه الشبه ان الجيش السوري ابرز قيادته جهوية مواليه لرأس النظام ، وهو الامر نفسه في اليمن اغلب قياداته تنحصر في بضع محافظات بل وقيادته من جهة واحدة من نفس منطقة النظام المفترض انه قد تم الإطاحة به ، ففي حين انشق الجيش اليمني منذ الأيام الأولى للثورة الشعبية ولكن الأمر في الحالة السورية مختلف تماما فهو لا زال في حالة قتال ضد ما يدعيه حركات إرهابية والتي بالفعل اندست في تلك المجموعات ولها أهداف مختلفة الأمر الذي تقاطعت مصالحها فتنازعت فيما بينها نيابة عن الخصم المشترك ، أما أوجه الاختلاف الأخرى في النظامين فبينما عقيدة الجيش في سوريا حزبية ولكنها في نهاية المطاف موالية للنظام بغض النظر عن أدبيات الحزب الحاكم التي ترمي بأن الجيش يفترض انحيازه للأمة ، فأنها في اليمن مشابهة الى حد ما فقد أسست أهم قطاعات الجيش فقط من اجل أسرة واحدة وتدربيها فالاهتمام ينصب لفرقة دون أخرى من حيث التسليح والتدريب ( بدليل الإقرار بضرورة إعادة هيكلة الجيش ) فالحرس الجمهورية يختلف عن بقية قطاعات الجيش وهو الأمر الذي أكدته الأحداث والإخفاق في الستة الحروب الفاشلة في قضية صعده .
وأخيرا فمن مفارقات الحلول السلمية في البلدين ففي الوقت الذي ينهي اليمنيون حوارهم السلمي الطويل لكل ألوان الطيف السياسي ، يبدأ السوريين مفاوضاتهم والتي قد تكون طويلة في حال نجاحها ، وعند ترجمت مخرجات تلك المفاوضات ان نجحت صعبة على ارض الواقع ، ولكن يجمع كل من حوار اليمن ومفاوضات السوريين هو تدخل العنصر الخارجي فبينما في اليمن يظهر الدور الإقليمي أكثر تأثيرا فأنه في سوريا يجمع كلا الجانبين الإقليمي والدولي ، إلا أن الكلمة الفصل في الأزمة السورية تبقى للقوى العظمى بدليل تهميش الدور الإيراني رغم فعاليته إلى جانب بلدان خليجية ، يبقى على اليمنيون ان يستفيدوا من أخطاء غيرهم ، فقط مشكلة اليمن مراكز القوى التي احتوت الثورة وهى المتحاورة اليوم إلى جانب عناصر النظام السابق والتي هي في حقيقة الأمر تستخف بعقول اليمنيون فهي معارضة وحاكمة في نفس الوقت ، وتثير المتاعب لحكومة مشاركة في نصفها على الأقل بينما كل مكونات ما يسمى باللقاء المشترك من كل الأطياف السياسية وما عرف بالحوثيين كلهم لا يشكلون سوى نصف الحكومة المؤقتة الائتلافية التي يسببون لها المتاعب فالمطلوب منها تحقيق المعجزات لفساد نحو ثلث قرن من الحكم المطلق . ولو قارنا تفاصيل جدل أطراف الحكم في اليمن والدوران في حلقة مفرغة في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الأمرين ، بما متوقع حدوثه في سوريا خلال الفترة المقبلة فنأمل أن يسعى المتفاوضون لحلول جذرية فأما ثورة تأتي بتحولات تعادل تضحيات السوريين وهذا مالم يتحقق للمعارضة في الميدان ، أو الاستفادة من المساعي الدبلوماسية والتوافق وتقديم تنازلات من طرفي الصراع مقرونا بحسن النوايا وأدراك حجم التأمر على سوريا ، وأن ينطلق الجانبان بحتمية النجاح في نهاية الأمر وبأن لا تدخل فيها المكايدات وهوس السلطة كما هو الحاصل في مألات الثورة في اليمن ، بمعنى أن لا تكون نسخة من التجربة اليمنية فهي ليست مثالية بالمطلق .