د. غزوان طربوش
في زمن يتراكم فيه الألم على خارطة العرب، يُطلّ سلطان البركاني، رئيس مجلس النواب اليمني، حاملاً صور أطفال غزة في محفل سياسي، وكأنه يتقمص دور الناطق باسم الضمير العربي. لكن ماذا لو لم تطغَ الحسابات السياسية على هذا المشهد؟ ماذا لو تذكر البركاني، وهو يرفع صور فلسطين، أن أطفال اليمن أيضًا يستحقون صورة... يستحقون أن يُرى وجعهم، وأن يُسمع أنينهم، قبل أن يُمحى من الذاكرة؟
هؤلاء الأطفال، الذين سحقهم الجوع، وخنقتهم الحرب، وطاردهم النسيان منذ أكثر من 11 عامًا، لا تقل مأساتهم عن مأساة أي طفل في أي بقعة منكوبة. بل لعل ما يزيدها فظاعة، هو أنها تتم في ظل صمتٍ محليّ ودوليّ، وتواطؤ سياسيّ يحوّل المعاناة إلى ورقة تفاوض لا أكثر.
لكن سلطان البركاني، الذي يفترض أنه رئيس مؤسسة تشريعية، لم يعد يتحدث باسم الشعب، بل باسم الصفقات. فمنذ سنوات، لم تُعقد جلسة حقيقية في البرلمان الذي يترأسه. لم تُسائل فيه حكومة، ولم تُطرح فيه ميزانية، ولا حتى سُئل سؤال واحد عن الرواتب المنقطعة، أو الخدمات الغائبة، أو الفساد المتوحش في مؤسسات الدولة.
البرلمان تحوّل على يده إلى ما يشبه "قروب واتساب" مهمل، بينما يواصل هو تنقله بين العواصم بتمويلات مشبوهة. تشير تقارير إلى تلقيه مليون ريال سعودي من طارق صالح مقابل زيارته الأخيرة لتعز وعدن، إضافة إلى 170 ألف دولار من ورثة التاجر الشيباني مقابل "وساطة قبلية". هكذا أصبحت قاعة البرلمان أقرب إلى ديوان مشائخ الصلح منها إلى مؤسسة دستورية.
وما زاد الطين بلة أن أولاده يحتلون مناصب عليا، أحدهم قنصل في جامعة الدول العربية، والآخر مدير مكتبة البرلمان، في وقت يتضور فيه ملايين الشباب اليمنيين جوعًا، أو يهاجرون، أو يقاتلون في جبهات بلا أفق.
إن رفع صور أطفال اليمن لا يتعارض مع دعم فلسطين، بل يعمّق الوجدان الإنساني الواحد. فالتضامن لا يُقاس بعدد الصور، بل بصدق الموقف. ولا يُمكن لمن يتاجر بمعاناة شعبه أن يدّعي تمثيل قضايا الأمة.
الشعب اليمني لا يحتاج إلى "شيخ وساطة"، بل إلى قيادة تعي أنها موجودة من أجل خدمة الناس لا المتاجرة بآلامهم. فكلما طالت هذه المهزلة، تحوّل ما تبقى من مؤسسات الدولة إلى مسرحية هزلية، يدفع ثمنها المواطن العادي دمًا وجوعًا وانكسارًا، بينما يراكم أمثال البركاني النفوذ والثروة باسم الشرعية.