يزعم نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، هاني بن بريك، أن مشروع الدولة الاتحادية في اليمن بأقاليمها الستة وفق مخرجات الحوار الوطني المدعوم من قبل التحالف العربي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، هو "مشروع أسوأ من الوحدة المركزية" في إشارة إلى الوحدة اليمنية التي تمت في 22 مايو 1990 بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وقال "السلفي" هاني بن بريك الذي يقضي معظم وقته في العاصمة الإماراتية أبوظبي في تغريدة أمس الجمعة على حسابه الشخصي في "تويتر" رصدتها وكالة "ديبريفر" للأنباء، إن "مشروع الأقاليم الإخونجي أسوأ من الوحدة المركزية لأمور منها: 1- فرض وحدة أبدية بأيادي جنوبية بمظلة شرعية قانونية ديمقراطية مزعومة تعطي حماية وحجة على شعب الجنوب للأبد. 2- سيطرة تنظيم الإخونج الإرهابي اللعين على الجنوب. 3- مشاركة الحوثة الملاعين وانتشارهم كقوة سياسية مسلحة في الجنوب".
ويقصد بن بريك بـ"تنظيم الإخونج"، جماعة الإخوان المسلمين والتي يمثلها في اليمن، حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يهيمن على مقاليد القرار في "الشرعية" اليمنية.
والمجلس الانتقالي الجنوبي، كيان مسلح مدعوم من الإمارات العربية المتحدة ثاني أهم دولة في تحالف تقوده السعودية لدعم الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً. وتم إنشاءه في مايو 2017، وتنضوي تحت مظلته قوى من جنوبي اليمن تطالب بالانفصال عن شماله واستعادة الدولة في جنوبي البلاد التي كانت قائمة قبل عام 1990 عندما توحد شطري اليمن، ولكن تحت مسمى "الجنوب العربي".
ويتساءل مراقبون تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء عن "حقيقة الأهداف التي تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيقها من خلال ايواء معارضين يمنيين على أراضيها يمارسون أعمال تتعارض مع أهداف التحالف العربي لدعم "الشرعية" في اليمن، ويسعون إلى تحقيق انفصال جنوب اليمن عن شماله". ويضيف مراقبون: "إلى متى ستستمر الإمارات في احتلال جنوب اليمن؟".
ويدّعي المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح انه الممثل الشرعي الوحيد لجنوب اليمن. لكنه عادة ما يمارس ومؤيدوه سياسة الإقصاء ضد من يختلف معهم. وهو لا يعترف بيمنيته إذ يدعي انه من الجنوب العربي.
ويقدم هاني بن بريك نفسه في المشهد العام في صورة سياسي وليس رجل دين سلفي يحافظ على لباس السلفيين التقليدي؛ إذ صار يواظب على ارتداء البدلات الرسمية مع ربطات عنق زاهية الألوان وتخفيف لحيته بطريقة يشبهها البعض بنجوم السينما ولاعبي كرة القدم.
وبعد إقالته من منصبه كوزير دولة من قبل رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي، برز هاني بن بريك من خلال دعوته إلى التحرير والاستقلال واقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية، وهو أمر مناقض لما كان يدعو إليه قبل اقالته من منصبه، فقد كان لا يعترف بالانفصال ولا بالجنوب العربي مُرجعاً ذلك إلى أسس ومبادئ في الدين الإسلامي.
وزعم السلفي هاني بن بريك في تغريدة فائتة على "تويتر" في 5 مارس أن "المطالبات الشعبية الجنوبية بالتجنيد الطوعي والتدريب العسكري دون أجر ولا مقابل تتزايد والكشوفات الطوعية جاوزت ربع مليون مجند متطوع لحماية الجنوب هذا غير الأساسيين في مواقع الشرف جبهات وأمن داخلي". وأضاف أن "98% من هذه الكشوفات شباب لاتزيد أعمارهم عن 25 عاما كلهم بأمر القيادة".
ويستقوي المجلس الانتقالي الجنوبي المسلح بدولة الإمارات العربية المتحدة التي عملت على تأسيسه ودعمه وتمويله لفرض سيطرته العسكرية على جزء من عدن وعدد من المناطق في محافظات مجاورة في جنوب اليمن، بعد قيام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 27 أبريل 2017 بإقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن.
وكان دبلوماسي سابق من جنوب اليمن، فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، قال لوكالة "ديبريفر" للأنباء إن "الاستراتيجية التي يتم اتباعها في اليمن تكمن في ايجاد كيانات بديلة توازي مؤسسات الدولة لتعزيز وضع اللا دولة".
ومنتصف العام 2017، شن المجلس الانتقالي الجنوبي حملة ضد رئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد بن دغر للإطاحة به، وفي نهاية يناير من العام الفائت 2018 قام المجلس بمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة بحكومة بن دغر وسقط إثر ذلك نحو 70 قتيلاً وعدد آخر من الجرحى، لكن محاولته تلك باءت بالفشل.
بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية
في حين نشرت صحيفة "غارديان" تقريراً مطولاً بتاريخ 21 ديسمبر 2018، أكد أن الإماراتيين "هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم استراتيجية واضحة. إنهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتجهزيها ودربوا ومولوا جنودها في محاولة للقضاء على كل من المتشددين الجهاديين والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح".
وأضاف التقرير: "عبر الساحل الجنوبي – حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية، التي تعارض كلا من الحوثيين وحكومة هادي – بنى الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية، وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية، خدماتها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة أمام الحكومة اليمنية.
وأشار تقرير الـ"غارديان" إلى ما كشفته منظمتي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" عن وجود شبكة سجون سرية في جنوب اليمن تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، المتهمون باختفاء وتعذيب أعضاء حزب الإصلاح ومقاتلي الحوثيين من فصائل متناحرة، وحتى نشطاء وناقدين للتحالف السعودي الإماراتي. وقد ذهب الوزراء اليمنيون للإشارة إلى الإماراتيين على أنهم قوة احتلال، وفق التقرير.
ويعيش اليمن منذ زهاء أربع سنوات، صراعاً دموياً على السلطة بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً مدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية والإمارات، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية.
ويزعم المجلس الانتقالي الجنوبي وقوفه إلى صف التحالف العربي ومع تحقيق أهدافه وهو ما يتعارض مع ما يقوم به هذا المكون السياسي المسلح على الأرض اذ يخالف عمله هذه الأهداف التي تدعو إلى الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أمنه وأراضيه.
بالنسبة إلى مجلس الأمن الدولي فقد شدد في اجتماعه بتاريخ 4 فبراير 2019 على ما أسماها "الحاجة لإحراز تقدم للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل للصراع في اليمن، وفق ما دعت إليه قرارات وبيانات مجلس الأمن الدولي ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني"؛ مُجدداً دعوته للتطبيق "الكامل لقرارات وبيانات المجلس".
وأعلن أعضاء مجلس الأمن نيتهم للنظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات وفق الضرورة لدعم تطبيق كل القرارات ذات الصلة، مُشددين "على التزامهم القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه".
وفي ما يتعلق بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، فإنه لطالما حدد مسار "القضية الجنوبية" في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع المسلح في اليمن المستمر منذ أواخر مارس 2015.
وقال غريفيث قبل مشاورات السويد التي جرت في ديسمبر الماضي: "من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات. بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وقد أوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون على ذلك".
وأضاف: "بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة ووحدة وأمن أي دولة، التي هي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً".
غريفيث في أحد لقاءاته بالمجلس الانتقالي الجنوبي
وتتمسك الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بمرجعيات الحل السياسي الثلاث، وتؤكد أن "مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور اليمني الجديد، حددت بصورة واضحة شكل الدولة الجديدة التي توافق عليها اليمنيون، وهي الدولة الاتحادية البعيدة عن المركزية، وفق مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية والحكم الرشيد".
وفي ما يتعلق بـ"طرح فكرة الحكم الذاتي"، تقول الحكومة اليمنية الشرعية إن "أي حديث عن شكل الدولة اليمنية يجب أن ينسجم مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني". وتضيف: "فهمنا لبعض التصريحات التي صدرت هو في ذلك السياق، وفي الإطار ذاته الذي أقرته المرجعيات المتفق عليها، وليس غير ذلك"، في إشارة إلى أن دعوة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، لحكم ذاتي، تقوم على أساس التقسيم الفيدرالي المقر في مؤتمر الحوار، بتحويل البلاد إلى دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم.
وكانت صحيفة "الخليج" الإماراتية القريبة من مركز الحكم في الإمارات، قالت في افتتاحية لها بتاريخ 10 نوفمبر 2017: "لم يكن خيار الاستفتاء بهدف الانفصال واقعياً، سواء في كردستان أو كتالونيا، خصوصاً أن المحيط، والعالم صارا يرفضان التوجه نحو التفكك، ويبحثان عمّا يجمع الدول والشعوب، لأن ترك خيار الانفصال يتمدد في أكثر من منطقة من شأنه أن يزيد من أزمات العالم، ولا يعمل على حلها، والنموذج السوداني بانفصال الجنوب عن شماله، دليل على انعدام المشروع السياسي لمؤيدي الانفصال، حيث تعيش دولة جنوب السودان حروباً داخلية طاحنة نسفت كل الأحلام التي بناها دعاة الانفصال في دولة مزدهرة".
وأضافت الصحيفة الإماراتية: "والواقع في مختلف دول العالم يؤكد أن الانفصال لا يكون حلاً للصراعات الداخلية، فبقدر ما يزيد من اشتعال النزاعات بين الأطراف المحلية، يسبب صداعاً مزمناً للجيران، لذلك يدعم العالم الدول القوية التي تقوم على التنوع في إطار الدولة الواحدة، فالانفصال إذا نجح في دولة ما، فإنه لن يقف عند حدوده، بل ستنتقل العدوى إلى الجزء المنفصل أيضاً، وهي خطوة تزيد من تعقيدات المشهد لا المساعدة في إيجاد حل".
وتابعت الصحيفة على نحو قاطع: "مشروع الانفصال لا مستقبل له، ومواقف دولة الإمارات العربية المتحدة، المستندة إلى تجربتها الوحدوية، ترفض مشاريع التفكك والانفصال، لقناعتها بأن هذه المشاريع تفتيتية ولا تساعد على حل أي أزمة