جسد أمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح منبع الإيجابية ورحابة الصدر الكويتية حال التعاطي مع المسألة اليمنية أو «اليمننة»، ومساعي إحلال السلام لليمن، من وقت مبكر جعل محاولات تقريب وجهات النظر سمة كويتية أصيلة، لازمت حياته المديدة حتى آخر أيام حياته.
بعد سنتين ونصف السنة من اعتراف دولة الكويت رسمياً بالجمهورية العربية اليمنية يناير 1963، ثم بعد سنة من مشاركة الشيخ صباح الأحمد، موفداً عن قيادة الدولة، احتفالات الثورة اليمنية، استجابت دولة الكويت لنداء اليمنيين ومساعيهم نحو مد يد الإخاء لكل الأشقاء، فلم تدخر حكومة الكويت جهداً بعد استيعاب وجهة نظر يمنية موضوعية حول النزاع وقتها، قدمها وفد السلام اليمني وبعض أعضاء الوفد من دعاة السلام، ومضت الكويت إلى الأبعد، بالتوسط بين القاهرة والرياض لتنقية الجو العربي، وحل المشكلة اليمنية حلاً نهائياً باقتراح وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد لقاء مباشر بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل، وصولاً لإشاعة الاستقرار في اليمن، مبدياً ترحيب الكويت بأن «تكون أرضها مكاناً لهذا اللقاء الأخوي».
ومن عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح ظل الشيخ صباح يلقي - نيابة عن قيادة الدولة - بذرة المصالحة والتفاهم، ومواصلة المساعي الهادئة خلال عهد الشيخ صباح السالم الصباح، بل ذلل الشيخ صباح الأحمد شخصياً الصعاب لكل المجتهدين بمسعى المصالحة الوطنية بين اليمنيين والتفاهم بين الأشقاء اليمنيين والسعوديين، حتى تم الاعتراف السعودي بالجمهورية شمالي اليمن سنة 1970، ثم ذهبت الكويت تأخذ بيد جنوبي اليمن ذي النظام اليساري، لا تشجيعاً على التطرف وسوء التصرف تجاه الجوار، إنما توجيهاً صوب مشاريع تنمية تنفع عامة الشعب.
مهد أيضاً تطبيع علاقات عدن والرياض منتصف السبعينيات، منذ صرح بأن «الحكم في عدن لا يشكل خطراً على أحد».. وظل يوالي نصحه للجنوب اليمني بتركيز جهود تنمية بلادهم على غرار الشمال، الذي «يتردد فيه اسم الكويت على كل لسان يمني» شكراً وثناءً على مساعدات الكويت المباشرة للشعب اليمني بالمدارس والمشافي، حسب وزير الدولة الكويتي الراحل عبدالعزيز حسين.
هذا وحاولت دولة الكويت عبر الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، تهدئة توتر الشطرين سبتمبر 1972، ونقل كل قول طيب صادر عن القيادتين: القاضي عبدالرحمن الإرياني والرئيس سالم ربيع علي الشهير بسالمين، قبل تفجير الموقف عسكرياً فتطفئه لجنة متابعة عربية نتيجة الوساطة الكويتية، بعد زيارة أجراها الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى شطري اليمن قبيل اشتعال فتيل حرب الوحدة الأولى المنتهية إلى توقيع اتفاقيتي القاهرة وطرابلس الوحدويتين.
ويعد من أبرز آثار الكويت على الوحدة اليمنية عهد الأمير جابر الأحمد الصباح احتضان قمة عربية طارئة لوقف الحرب الثانية 1979، نتج عنها ابتعاث الشيخ صباح إلى العاصمتين صنعاء وعدن تمهيداً للقاء القمة بين رئيسي الشطرين علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل، وتوقيع اتفاق وحدوي ثالث عرف باتفاق الكويت طياً لصفحة الحرب.
تواصلت عناية الكويت بتخفيف حدة التوتر بالمنطقة أيضاً في اليمن وحدوده كذلك، عندما شجعت من خلال الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، مبادرات حل أزمة ظفار بين مسقط وعدن المقدمة إلى اجتماع تونس من اليمن الشمالي سنة 1974، وكذلك المقترحة من جانبها منذ ناقشت هذا الشأن مع مسؤولي الجنوب اليمني من سنة 1973، واتصلت بسلطنة عمان بغية التوفيق بين الجارين. وكان موقفه من كبوات عدن التزاماً بواجب الإخاء والصداقة يبدي ملاحظاته عليها وينصح بتجنبها دونما قطع العلاقات مع من لم ينتصح، فالمهم لديه «التوصل ولو متأخراً لما فيه مصلحة العرب جميعاً».
لا نتجاوز الموقف الكويتي من حرب صيف 1994، الذي نص بلسان الشيخ صباح الأحمد على تحبيذ الحوار وعدم القتال بين الأشقاء، كما شجع على وقف القتال لئلا يبلغ الموقف حد الاعتراف بواقع الانفصال الشاذ. وتجاوز بعقلانية إيجابية حالة القطيعة الدبلوماسية مع اليمن نتيجة الموقف السلبي من الغزو الكويتي، ورحب بالاتصالات الفردية التي مهدت الطريق ولو متأخراً إلى إنهاء تلك القطيعة الفظيعة، واستقر القرار على إعادة العلاقات وفتح سفارتي البلدين بالعاصمتين الكويت وصنعاء أواخر التسعينيات عقب شطب الشيخ صباح الأحمد تصنيفات «مع وضد» من القاموس السياسي الكويتي.
أمضى الشيخ صباح الأحمد رحمه الله حياته بكلمة عاقلة تخمد نيران المخاوف المشبوبة، أكانت في نفوس الأطراف المعنية اليمنية أو المعنية باليمن، وغير اليمن، وواصل إلقاء بذرة طيبة تقطف ثمارها الناضجة بعد حين، حتماً أنها ستُخلّد في سِفر «الإخاء والتعاون» بين البلدين الشقيقين.
لطفي فؤاد نعمان*
*كاتب وصحافي يمني