التلغراف” البريطانية للضابط السابق في البحرية الملكية البريطانية توم شارب، رصده وترجمه “المساء برس”، جرى الكشف عن ملامح خطة بريطانية تقودها مجموعة حاملة الطائرات “إتش إم إس برينس أوف ويلز”، في مهمة تمتد لثمانية أشهر تحت عنوان “هاي ماست”، هدفها المعلن: تعزيز النفوذ البريطاني وحماية التجارة مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ، غير أن شبح البحر الأحمر، وتحديدًا التهديد اليمني المتصاعد بقيادة صنعاء، يلوح في الأفق بقوة، ليعيد تشكيل معالم المهمة البريطانية قبل حتى أن تبدأ.
الهدف المُعلن: آسيا والمحيط الهادئ.. لكن اليمن في قلب الحسابات
وفق التقرير، فإن بريطانيا تسعى لتعزيز وجودها البحري شرقًا، خصوصًا مع بلوغ التجارة مع دول المحيطين الهندي والهادئ 286 مليار جنيه إسترليني العام الماضي، لكن هناك تساؤل جريء يبرز بوضوح وهو “هل تستطيع لندن تجاهل الأزمة المشتعلة في البحر الأحمر، حيث فشلت الضربات الأمريكية وقبلها الأمريكية والبريطانية المشتركة والمتكررة في كبح جماح القوات اليمنية؟”.
والنتيجة التي كشفها التقرير بوضوح هي أن: “الضربات الجوية، بما فيها تلك التي شاركت فيها بريطانيا في دعم الغارات الأمريكية في 2024، فشلت في تحقيق أي تغيير استراتيجي على الأرض. فاليمنيون ما زالوا يفرضون واقعًا جديدًا، أجبر مئات السفن التجارية على الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح منذ ديسمبر 2023”.
فشل عسكري متكرر يكشف هشاشة التحالف
ووفق ضابط البحرية البريطانية السابق شارب، فإن الضربات المتصاعدة الأخيرة من حاملة الطائرات الأمريكية “هاري إس ترومان” لم تُحدث فارقًا يُذكر، حتى رغم دعم سلاح الجو البريطاني لها سابقاً. وهذا الفشل يعكس حدود القوة العسكرية الغربية أمام تكتيك يمني يعتمد على الانتشار الجغرافي الصعب، والتصنيع المحلي للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة، ومعادلة سياسية واضحة طرحتها صنعاء تقوم على “لن تتوقف الهجمات حتى يتوقف العدوان على غزة”، في إشارة من المحلل العسكري البريطاني إلى كل الضربات الجوية دون رؤية سياسية واضحة هي مضيعة للموارد والطائرات والصواريخ.
ثلاثة خيارات أمام بريطانيا.. وكلها مُحبطة
ويطرح الضابط شارب ثلاثة سيناريوهات ممكنة للبحرية البريطانية:
الأول: تجاهل البحر الأحمر والمضي قدمًا نحو المحيطين الهندي والهادئ وهو حل مريح سياسياً لكنه يكشف غياب الإرادة في دعم الحلفاء (أمريكا) ميدانياً.
الثاني: مشاركة رمزية مؤقتة، وهي مفيدة إعلاميًا لكنها تفتقر إلى أي قدرة على إحداث تغيير عسكري فعلي.
الثالث: تحويل مسار المهمة نحو اليمن وهو خيار جريء يحظى بدعم بعض الضباط البريطانيين لكنه يتطلب قرارًا سياسيًا كبيرًا لا يبدو متاحًا في ظل الانقسام البريطاني الداخلي وتردد الإدارة الأمريكية نفسها.
قدرات محدودة تساوي تأثير محدود
وانتقد تقرير توم شارب افتقار المجموعة البريطانية بقيادة حاملة الطائرات “إتش إم إس برينس أوف ويلز”، لقدرات هجومية فعلية أو منظومات مراقبة بعيدة المدى، مقارنة بنظيرتها الأمريكية، مما يجعل مساهمتها في أي تصعيد ضد اليمنيين رمزية أكثر منها عملياتية، وهنا يشير تقرير التلغراف إلى ما قاله نائب الرئيس الأمريكي في محادثات “سيجنال” المسربة والذي وصف البريطانيين بأنهم “متطفلون” على الرغم من كونهم الوحيدين الذين دعموا أمريكا في العدوان على اليمن في 2024.
اليمن يقيس الإرادة السياسية الحقيقية
الضابط السابق اختتم تحليله بالتأكيد على أن ما سيُحدد فعليًا قيمة مهمة “برينس أوف ويلز” هو “كيف ستتعامل مع جبهة البحر الأحمر. وهل تجرؤ الحكومة البريطانية على المواجهة؟ أم تُعيد سيناريو يناير 2024 عندما تراجعت “كوين إليزابيث” وانسحبت من المواجهة خوفًا من المخاطر التي فرضتها الأسلحة اليمنية؟”، في إشارة واضحة إلى أن الصراع مع اليمنيين لم يعد معركة بحرية فقط، بل اختبارًا للسيادة والقرار السياسي في لندن وواشنطن على حد سواء.
اليمن يرسم خرائط جديدة للنفوذ العالمي
إن التقرير البريطاني المنشور في صحيفة “التلجراف” والذي كتبه ضابط سابق في البحرية البريطانية له علاقاته واتصالاته ومصادره الدقيقة ليس مجرد سرد لتحرك بحري بريطاني، بل اعتراف ضمني بفشل التحالف الأمريكي – البريطاني في كسر عزيمة اليمنيين، فبعد أكثر من 14 شهراً من القصف على اليمن لا تزال الممرات البحرية مغلقة أمام الملاحة الإسرائيلية، وشركات الشحن العالمية تتحاشى البحر الأحمر، والتهديد اليمني يتمدد سياسياً وعسكرياً، وإذا ما تورطت بريطانيا فإن هذا التهديد سيتمدد ليشمل السفن البريطانية كما كان حال المواجهة البحرية في 2024.
وبالمحصلة فإن قدرة صنعاء على كسر الاستراتيجية الغربية تضعها اليوم كلاعب إقليمي في معادلات الأمن البحري والتجارة العالمية، وتجعل من كل قطعة بحرية أجنبية مجرد أداة دعائية أكثر منها فاعلة ميدانيًا، وهذا ما يمكن قراءته واستنتاجه مما ينشر من تحليلات وتقارير في الصحافة الأمريكية والبريطانية أيضاً، وتقرير الـ”تلغراف” الأخير واحد منها.