هنا عدن | متابعات
علي الملاهي
كاتب سياسي|
تقريبا هذا أهم سؤال أفرزه التصعيد الأخير في اليمن، وهو على ما يبدو عليه من بساطة؛ ينطوي على قدر من التعقيد في الدوافع والحسابات الأمريكية الدقيقة بخلاف ما يبدو عليه المشهد الانفعالي في تصريحات ترامب.
وإجابة الشق الأول من السؤال هي تحقيق هدفين متصلين:
تقويض قدرة الحوثي على تهديد البحر والمصالح الأمريكية في المنطقة.
ضمان عدم قدرة الجماعة على بناء قدراتها الاستراتيجية من جديد.
حسنا؛ هل هذا يتطلب إنهاء سيطرة الحوثي على صنعاء وتقويض كامل سلطته ؟
بالنسبة للأمريكان.. لا. وأعلنوا صراحة أن الوضع السياسي في اليمن لا يعنيهم، والتحرك ضمن هدف تقويض سيطرة الحوثي على كامل التراب اليمني، سيعني انخراطهم في تدخل شامل ومكلف، إضافة إلى أنه (يتعارض مع حسابات أمريكية أخرى متعلقة بدول الخليج) وما بين القوسين يفهم بشكل أوضح من خلال القراءة المتأنية للموقف السعودي والإماراتي من التصعيد الأمريكي تجاه الحوثي.
لذا؛ استراتيجية واشنطن تتمحور حول استهداف الحوثي بوصفه ذراع صاروخية بحرية متصلة بطهران وتهدد المصالح الأمريكية، وقد لا يعنيهم أن يبقى الحوثي تهديدا للسعودية، بل قد يكون جزءا من معادلة الضغط الموجه التي تتقاطع فيها المصلحة الإسرائيلية مع المنظور الأمريكي.
والآن؛ كيف يمكن تحقيق هذا الهدف دون الانخراط في عمل عسكري بري واسع؟
بالنسبة للأمريكان؛ سيتم الأمر من خلال مسارين:
ضربات جوية مركزة تستهدف البنية الصاروخية والقدرات البحرية للجماعة وإمكانات القيادة والسيطرة.
قطع خطوط الإمداد الخارجية، والأمر هنا يتعلق بالسواحل اليمنية الإفريقية.
تحقيق هذا الهدف يستلزم السيطرة البرية على الساحل من ميدي إلى الحديدة، وهي خطوة يبدو أن التحضير لها جار ضمن خطة أمريكية إقليمية تراعي الكلفة، وتوظف الضغوط القصوى على طهران لمنعها من مد الجماعة بالدعم اللوجستي والعسكري.
إليك زاوية أخرى لفهم المشهد اليمني: عزل حزب الله عن إيران كان مرهون بسقوط نظام بشار الأسد.
وفي اليمن، عزل الحوثي عن طهران وعن الامدادات الخارجية عموما يتطلب إبعاد الحوثي عن كامل السواحل اليمنية.
هذه هي النسخة اليمنية من المقاربة الأمريكية لاحتواء الأذرع الإيرانية.
ما المصير الذي ينتظر الحوثي بعد قطع خطوط إمداده الرئيسية؟
هذا سؤال إجابته مرهونة بما ستقرره الشرعية، وما تقرره الشرعية متعلق بما ستقرره السعودية والإمارات، وما يعنينا هنا الشق الثاني من السؤال:
لماذا لم يتم استهداف عبدالملك الحوثي إلى الآن ؟
استهداف زعيم الجماعة قد يبدو ظاهريا ضربة حاسمة، لكنه ينطوي على حسابات استراتيجية معقدة متعلقة بالمصلحة الأمريكية وليس بخشيتها من تبعات ذلك ولا بعجزها الاستخباري، هذه الأخيرة تحديدا خرافة، ثمة موانع أخرى متمثلة في النقاط التالية:
"رأس" عبدالملك الحوثي "ورقة تفاوضية" تحتفظ بها واشنطن ضمن صفقة "أوسع" مع الرياض تشمل ملفات الأمن والطاقة والتطبيع مع إسرائيل، ورقة تفاوضية ضمن معادلة الثمن والمقابل مع السعودية والخليج قبل إيران، وهذا هو ما يسميه عبدالملك الحوثي "التأييد الإلهي".
مقتله من وجهة نظر أمريكية قد يؤدي إلى تطرف لا مركزي، ما سيعني تعقيد مسارات التفاوض مستقبلا، وهذا أمر لا تريده واشنطن حاليا.
الحفاظ على الوساطة كمسار قد يحقق الأهداف الأمريكية بكلفة منخفضة، وضرب رأس الجماعة قد يفقد هذا المسار مصداقيته وفاعليته.
رأس عبدالملك الحوثي ورقة إضافية في المفاوضات مع إيران ضمن مسار شامل يربط الحوثيين بالملف النووي والوجود الإيران في المنطقة.
كل ما سبق يعني أن الحسابات الأمريكية لا تنظر لزعيم الجماعة كهدف تكتيكي، بل كورقة استراتيجية تحتفظ بها للوقت المناسب في لعبة تتجاوز اليمن لتشمل الخليج وتهديدات البحر وإسرائيل والنفط وطهران والنووي.
المصدر اونلاين