في عصر تحكمه الشاشات وتنهشه وسائل التواصل، خرج “تيك توك” كالسرطان الذي ينتشر في جسد المجتمعات الأضعف ثقافيًا. لم يعد الأمر مجرد ترفيه، بل تحوّل إلى مشروع تجهيل علني يضرب ما تبقى من وعي عند فئات عريضة من الناس.
الدراسات الحديثة تكشف حقيقة صادمة: أكثر من 80٪ من مستخدمي تيك توك هم من الأميين الذين لا يجيدون حتى القراءة والكتابة. هؤلاء وجدوا في هذه المنصة ملاذهم الوحيد، لأنهم ببساطة لا يستطيعون التفاعل مع محتوى معرفي عميق كما محتوى فيسبوك وتويتر وباقي المنصات التي محتواها يتطلب أن تجيد القراءة والكتابة، وهكذا، أصبح تيك توك هو الملجأ الآمن للسطحية، والتفاهة، وانعدام التفكير، وتفضله المجتمعات الأمية التي تفضل المحتوى المرئي لأنهم باختصار لايتناسب معهم المحتوى المكتوب، ولهذا السبب يلجأ البعض إلى منصات المحتوى المرئي وعلى رأسها تيك توك، السرطان الذي غزا الجميع.
وللأسف أسوأ ما في الأمر أن هذه المنصة لا تكتفي بتجميد العقول، بل تذيبها حتى تصبح عجينة خاملة لا تقوى على التفكير أو الفهم. شباب بأكملهم يُساقون كالقطعان خلف مقاطع تافهة، يستهلكون دقائقهم وساعاتهم في محتوى لا يضيف إلى عقولهم ذرة فكر، بل يسلبهم حتى ما تبقى من ذكاء فطري.
تيك توك لا يرفع الوعي، بل يحفر حفرة عميقة للغباء الجماعي، ويحول جيلا كاملا إلى نسخة باهتة من البشر؛ بلا طموح، بلا ثقافة، بلا أدنى قدرة على التمييز بين الحق والباطل، بين السخافة والمعرفة.
ومع استمرار هذا الانحدار، ينشأ مجتمع جديد: مجتمع بليد، متبلد، محكوم بالفراغ الذهني، لا يقرأ، لا يفكر، لا يطمح، مجرد نسخة حية لمقاطع راقصة ومشاهد عبثية، وبطولات تافهة يروج لها ناشطي التسول الإلكتروني.
من يعتقد أن تيك توك مجرد “تطبيق تسلية”، فهو مخدوع. هذه المنصة هي معول هدم خطير في أيدي الأميين والجهلة، تحفر بإصرار قبور العقول الشابة كل يوم.
إذا لم نستيقظ اليوم، سنجد أنفسنا غدًا وسط أجيال لا تعرف من العالم سوى رقصات بلا معنى، وتحديات بلا هدف، وكلمات جوفاء تعكس عقولًا فارغة لا تنتج إلا المزيد من العدم.
ومما يؤسف له، أنه من خلال ملاحظتي لنشاط شباب تهامة، تبيّن أن ما يقارب 90٪ منهم ينشطون بشكل أساسي على منصة تيك توك، فيما لا يتواجد على فيسبوك وتويتر سوى قلة قليلة جدًا من التهاميين.
هذا الغياب الرقمي الفاعل ساهم بشكل مباشر في تهميش صوت تهامة وقضاياها، فلم تجد من يتناولها إعلاميًا كما ينبغي، حتى في أبسط المناشدات الإنسانية، التي غالبًا ما تمر دون صدى يُذكر، مقارنة بالقضايا الأخرى لباقي المحافظات، حيث ينشط سكانها على منصات أكثر تأثيرًا كالـفيسبوك وتويتر.
لطالما لجأنا لتبرير هذا الإهمال باتهام المجتمع اليمني بالعنصرية تجاه قضايا تهامة، والحقيقة أن السبب ليس عنصريًا بقدر ما هو نتيجة لغياب الحضور الفاعل للمجتمع التهامي نفسه، وتحديدًا غياب الشباب المثقفين القادرين على إيصال صوتهم إلى المنصات المؤثرة.
وما يزيد الأمر سوءًا، أن الجيل الجديد في تهامة قد اتجه بأكثريته إلى منصات تافهة ومنحدرة، مما ينذر بخطر حقيقي يهدد المجتمع التهامي، ويهدد قضيته ومستقبله، إذا لم يتم تدارك هذا الانحدار في الوعي والانخراط الجاد في فضاءات التأثير الحقيقي، تعداد السكان في تهامة اكثر من كل المحافظات وبحسب آخر إحصاءات رسمية للأمم المتحدة عام 2023 لتعداد سكان محافظة الحديدة ثلاثة ملايين نسمة وتأتي في المرتبة الثانية بعد تعز التي بلغ تعداد سكانها ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف نسمة.
ومقارنة للحضور الإعلامي بعدد السكان الحديدة، صفر على الشمال، وينهم أصحابنا في تيك توك يكبسون لأصحاب إب، حقيقة وليست نكتة سألت أحدهم عن أسماء المتكتكين المفضلين لديه ذكّرهم بالاسم من عند أمل سالم، إلى يحيى مجلي، سألته عن أسماء قيادات من ابناء الحديدة محسوبين على الشرعية؟ قال مدري، طيب المحسوبين على الخوثي قال مدري، طيب المديريات المحررة من الحديدة؟ قال مدري وبعد تفكير عميق قال المخأ والخوخة، مع أن المخأ محسوبة على تعز ولكن مشيتها له ومشيت قبل يسبب لي جلطة دماغية.
#راشد_معروف