: ويسألونك عن الآخر!

2014/03/14 الساعة 10:08 مساءً

عندما تنظر إلى يدك وتحديدا إلى إصبعك الإبهام فانك ترى الإعجاز الخلقي في البصمة التي تحملها , فلا تشابه وتقارب يمكن أن يغيرها ولا اختلاف وتباعد يمكن له أيضا أن يغيرها . لقد أثبت العلم على مدار السنين أن لكل إنسان بصمة مختلفة تماما عن الآخر وعلى الرغم من الاندماج والتطابق الذي يتميز به التوائم إلا أنهم مختلفون في هذه البصمة .. إن هذا الإعجاز ليدعونا إلى التأمل في عظمة هذا الخالق والى التفكر في الميزة التي وضعها لكل شخص منا , فلا يجب علينا بعد ذلك أن نتساءل لماذا لا يفكر الآخر مثلي ؟ أو لماذا يجد الآخر صعوبة في فهمي ؟ ففي أحيان كثيرة نرى أناس يتذمرون ويشتكون عدم فهم الآخرين لهم ..نجدهم يبحثون دائما عن من يستوعبهم ويتقبلهم , ملقين بكامل اللوم على الآخر , ولم يتكلف هؤلاء مشقة فهم ما يدور بداخلهم ابتداءاً ..ولا حتى التعبير عن شخصياتهم ..ولا إعطاء الأخر فرصة ليستمع لهم.. فلا استطاعوا أن يجدوا ما يستميتون بالبحث عنه ولا استطاعوا أن يعيشوا بسلام مع ذواتهم ,فإذن أين المشكلة؟ إن المشكلة ليست في عدم وجود من يفهمنا , وليست في اختلال الاستقرار النفسي مع من حولنا , وليست في الهوة العميقة التي تفصل بيننا وبين الآخر , فهذه الأمور مجتمعة ما هي إلا حصاد نحصده في مراحل متأخرة , فهي بمثابة الانفجار الذي ما أن يحدث ويكتمل وقوعه ندرك حينها فقط أننا لم ننتبه إلى احتراق الفتيل .. هذه المراحل التي لا ندركها أو على الأرجح لا نلقي لها بالا , ولا نعيرها اهتماما , تؤدي بنا إلى هذا الصدام الحتمي مع النفس من جهة ومع الآخرين من جهة أخرى.. ان عنصران مهمان لا يمكن أن نغفل عنهما نستطيع من خلالهما تحقيق الانفتاح على شخصياتنا لنتعرف على جوانب القوة والضعف فيها , إضافة إلى أعطاء الآخر كذلك مساحة ليتعرف علينا ... فالعنصر الأول : هو كيف نفهم أنفسنا ؟ يجب أن تدرك أن(( أهم شخص في العالم هو أنت )) ولأننا مهمون في هذا العالم فعلينا أن نهتم ونعتز بشخصياتنا ونتقبل أنفسنا كما نحن عليه أولا وقبل كل شي , وأن نحسن تنمية وصقل هذه الشخصية الرائعة التي حبانا الله بها.. إن المزارع إذا أراد أن يبذر في الأرض ليزرع فانه لا يقيم هذه البذرة حتى ينظر أولا في التربة أهي مناسبة وصالحة للزراعة أم تحتاج لتهذيب ومعالجة ؟ ثم لا يلبث أن يعتني بالتربة ابتداءً ويقومها فيبقي على الصالح منها ويبعد الفاسد , حتى إذا ما استوت زرع بها , وأحسن الزرع ليحسن الحصاد بعد ذلك , وهكذا فبالمثل يجب أن نعامل أنفسنا فنتحرى الصالح منها ونتعهده بالعناية وندرأ عنها الفاسد , طالما وأننا جزءا لا يتجزأ من هذه الأرض فإننا نخضع لخصائصها وتكويناتها. أما العنصر الثاني : هو كيف نقدم أنفسنا للآخرين ونحسن التقديم ؟ عندما قال سقراط لشاب كان دائم الصمت(( تكلم حتى أراك)) ونتساءل هنا ؟ ما الذي دفع سقراط لمثل هذا القول وما الذي يريده سقراط من هذا الشاب؟ صحيح أن الصمت من ذهب لكنه غير مرغوب , بل ومكروه في هذا الموضع بالذات ..إننا عندما نتحدث عن أنفسنا , ونتقدم بعرض أفكارنا عن ما نحب وما نكره فإننا بذلك نبني جسرا من التواصل بيننا وبين الآخرين , وليس هذا فحسب وإنما ينبغي أن يكون الجسر قويا ثابتا ,يستطيع الآخرون أن يعبروا من خلاله ..وعليه فإذا ما لاحظنا أن كلا العنصرين يتمركزان حول محور واحد وهو(( أنــت)) فأنت هو الشخص الذي يجب عليه أن يفهم ذاتــه أكثر ويعرفها حق المعرفة , وأنت هو أيضا الشخص الوحيد الذي بيده مفتاح التواصل مع الآخر لإعطائهم الفرصة لفهمك