الفرض الأساس لنظرية الشخص الثالث يشير إلى أن الأفراد يبالغون في تقييم تأثير وسائل الإعلام على اتجاهات وسلوك الأفراد الآخرين، ويعتقدون أن التأثير الأكبر لن يكون على الشخص الثاني، الذي هو "أنت"، وإنما على طرف ثالث (أشخاص آخرين).
لذلك عندما يتحدث أحدنا عن التأثير الأكبر لوسائل الإعلام فإنه سيستبعد غالبا أن يكون "هو" أحد المتأثرين، وينصرف الحديث إلى طرف ثالث.
المفارقة ستكون مضاعفة عندما يتعلق التقييم بالصحافيين والأكاديميين تحديداً، ليس لكونهم لا يتأثرون بوسائل الإعلام ، وإنما لصعوبة اعترافهم بذلك التأثر!
تستضيف قناة "اليمن اليوم" رئيس تحرير صحيفة أهلية يمنية بارزة، وعوضاً عن أن يعبر عن قناعاته بلغته وأسلوبه ورؤاه الخاصة، ستشاهد محاولة بائسة لتقمص شخصية المصري إبراهيم عيسى باهتماماته وهواجسه البعيدة عن الواقع اليمني!
استمعت قبل ذلك إلى تقييم صادم لخبير إعلامي وأكاديمي كبير عن مظاهر التعدد والانفتاح الإعلامي في مصر ما بعد 3 يوليو!
وهو بالمناسبة خبير وأكاديمي كبير بالفعل!، لكنها مفارقات التجريف المهول الذي أحدثته ماكينات الإعلام الرهيبة خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أفرزت حالة من الاستقطاب المصحوب بالتنكر لأساسيات المهنة وأخلاقيات البحث العلمي في أبسط معانيها.
إن استعادة التوازن الصحافي والإعلامي ومقاومة ذلك التجريف غير المسبوق للمهنة الصحافية مهمة مطلوبة من أطراف مختلفة، من أبرزهم الصحافيون والباحثون الأكاديميون في مجال الإعلام، وعندما يصبح هؤلاء المنقذون ضحايا يصعب حينها الحديث عن أمل قريب.
ومع ذلك فالمتوقع من الطبيب في بيئة ينتشر فيها وباء من نوع ما، أن يبذل جهده في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا أن يصبح ناقلاً للعدوى حتى وإن أصيب بها.
ما نقرؤه ونشاهده ونسمعه أقرب إلى أفلام "المتحولين" الذين تسكنهم العدوى فتمسخهم شخصيات غريبة تنشر الوباء وتصبح جزءاً من الكارثة!
وقبل الحديث عن أساليب واستراتيجيات التحصين الإعلامي للجمهو ر من خلال تطوير قدرات الناس العاديين في مواجهة الزيف، قد يكون من الأفضل تجريب حلول أخرى من قبيل التوافق على تنفيذ جرعة أو لقاح داخلي لأرباب المهنة الصحفية بشقيها (المهني والأكاديمي) للتذكير بحدود "العيب"، والحد الأدنى المسموح به في التحول و الذوبان.
