لا يوجد يوم في تاريخ اليمنيين يحمل من الدلالات التي تتناقض فيما بينها كما هو الحال لدى اليوم السابع و العشرين من أبريل/ نيسان بسبب ما ارتبطت به من أحداث ووقائع و مواقف جعلت له أهمية خاصة رغم أنه ليس عيدا للاستقلال ولا يوما للثورة و لا هو العيد الوطني للبلاد التي تملك من الأعياد الوطنية ما يكفي لمنح مؤسساتها على الأقل يوما للإجازة كل شهر للاحتفال بيوم وطني، باستثناء 27 أبريل.
يوم الحرب الديمقراطية و أعراس “صالح”
في ذاكرة اليمنيين القريبة يتذكر البعض هذا اليوم باعتباره اليوم الذي شهد أول انتخابات برلمانية تنافسية على أساس التعددية السياسية، و ذلك في 27 أبريل 1993، و هي الانتخابات التي أعقبت توحيد شطري اليمن الشمالي و الجنوبي في مايو 1990، و من يومها صار يوما للديمقراطية و التعددية.
كما أنه في ذاكرة اليمنيين أيضا يأتي محملا بغبار الحرب و آثاره المدمرة، ففي اليوم نفسه من العام التالي للانتخابات و بينما كان اليمنيون يحتفلون بالذكرى الأولى للعرس الديمقراطي، كان الرئيس السابق/ علي صالح يعلن البدء بحرب جديدة بعد ما وصلت علاقته مع نائبه علي سالم البيض إلى طريق مسدود، و لأن الرجلين الذين وقعا اتفاقية الوحدة الأول بصفته رئيس شمال اليمن و الثاني رئيسا لجنوبها، ظل كل منهما محتفظا بجيش الدولة السابقة و أجهزتها الأمنية و طيرانها المدني و العسكري فقد قررا أن يعلنا الحرب ليحلا مشكلتهما بدفع اليمن كله و اليمنيين جميعهم في أتون حرب دامية استمرت سبعين يوما (27أبريل/ 7 يوليو)، لينتصر فيها “صالح” الذي نجح في تفكيك جبهة خصمه و استقطاب جزء فاعل فيها إلى صفه، مستغلا ما أقدم عليها البيض من خطوات وصفت من خصومه و بعض المتعاطفين معه بـ”الانفصالية”.
و من يومها أضحى صالح رئيسا لليمن الجديد الواحد بلا منازع أو شريك، كما بات السابع و العشرين من أبريل يوما للديمقراطية بالمقدار الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب مع إضافة انتصار آخر للديمقراطية – من وجهة نظر الفريق المنتصر- إذ أن الحرب انتهت لصالح من حصد أكثر الأصوات في انتخابات 27 أبريل 1993، فقد حصل صالح و حلفاؤه على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان البالغة 301، بينما لم تتجاوز مقاعد حزب البيض “الاشتراكي” خمس مقاعد البرلمان.
واصل صالح ممارسة اللعبة الديمقراطية كما يحب أن يسميها، و لم يعد 27 ابريل يكفي لإشباع حاجته من المساعدات الخارجية المشروطة بإجراءات ديمقراطية كالانتخابات، فتناسل يوم الديمقراطية أياما عديدة و تكاثرت الأعياد و الأعراس و الولائم الديمقراطية في حضرة صالح الرئيس الذي ظل حزبه يفوز بالانتخابات البرلمانية كما فاز هو بالانتخابات الرئاسية عام 1999 بلا منافس،
منذ انتصار صالح في 27 ابريل 1993و هو يحصد الانتصارات على “أعداء الوطن و الثورة و الديمقراطية” الذين أخذوا يتزايدون يوما بعد آخر، بينما هو يجني ثمار “الديمقراطية” التي منّ بها على شعبه المغلوب على أمره.
في أحد حواراته المتلفزة مع قناة الجزيرة دافع صالح بصوت عال و بتلقائية أعلى عن فلسطين و المقاومة و هاجم شارون واصفا إياه بمجرم حرب في خروج عن المفردات التي يتقنها الحكام العرب حين يتحدثون عن القضية المركزية، ما جعل أحرار فلسطين ينظرون إليه باعتباره زعيما آخر، اتصل ساعتها مروان البرغوثي بالجزيرة و صالح و تحدث بحماسة فدائي و ثقة مناضل، و أشاد بالزعيم العربي الذي كان يضع رجلا فوق أخرى و يبتسم، و فجأة انقطع صوت البرغوثي فصاح صالح: شارون فعلها، تدخلت أيادي شارون لتقطع الاتصالات.
قبل انقطاع الاتصالات كان الإعلام الحكومي في صنعاء قد وثق بالصوت و الصورة حديث مروان الأخير، خاصة و هو يطلق على صالح صفة “فارس العرب”، ليضيف للرجل انتصارا آخر لا يقل عن سابقاته، و دخل البرغوثي السجن دون أن تتضح لدى يمنيين كثر حقيقة كون رئيسهم “فارس″.
و فيما صار البرغوثي سجينا دائما لدى إسرائيل غدا صالح فارسا للعرب بينما دخل شارون في غيبوبة لم يخرج منها إلا إلى قبره.
و رغم أن للبرغوثي – كما لبقية رفاقه المدافعين عن فلسطين- مكانة جليلة في قلوب اليمنيين إلا أنهم يرون أن ما يقوله الإعلاميان عبدالباري عطوان و فيصل القاسم عن “فارسهم” أكثر واقعية.
و في السنوات الأخيرة من حكم صالح شعر أن مزيدا من الأعراس الديمقراطية لم تعد في صالحه لذا قرر تأجيل ممارسة هوايته الأثيرة في 27 أبريل أكثر من مرة، إذ كان يفترض أن تشهد البلاد انتخابات نيابية في 27 ابريل 2009م، لكن صالح شعر أن قدرته في تزيين المشهد و تزييف الواقع عبر انتخابات غير نزيهة كما أنها ليست مزورة بدأت تضعف، و قدرات خصومه بدأت تتضاعف، حتى كان فبراير 2011 حين خرج فيه اليمنيون مطالبين بإسقاط النظام ليجد صالح نفسه خارجا من موقع الرئاسة.
و في المقابل لاحتفالات صالح و انتصاراته فالحراك الجنوبي المطالب بالانفصال منذ انطلاقه في العام 2007 بدأ يحيي 27 ابريل باعتباره يوم الحرب الذي قضى على الديمقراطية و الوحدة و التعددية، و ما إن يعدد انفصاليو الجنوب مآسيهم و الصفحات السوداء في تاريخهم إلا و بدا هذا اليوم ملطخا بالدم و السواد.
يوم الجيش
لليوم نفسه ذكريات و دلالات أخرى فبعد تولي الرئيس الراحل/ إبراهيم الحمدي مقاليد الحكم في شمال اليمن عام 1974م شرع في تأسيس دولة مؤسسات على أنقاض دولة الجباية و الفوضى و المحسوبية التي كانت سائدة حينذاك، و رأى أن تأسيس جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد و حراسة سيادتها يأتي في طليعة مهام بناء الدولة، فكان 27 ابريل 1975 اليوم الذي استطاع فيه الرئيس أن يتخلص من سيطرة قوى نافذة على وحدات عسكرية مهمة، ليصير هذا اليوم “عيد الجيش” الذي يتم الاحتفال به سنويا، لكن الاحتفال لم يدم كثيرا لأن الحمدي تعرض لاغتيال قبل أن يكمل عامه الرابع في الحكم و كذلك الجيش لم يحتفل في عيده الثالث إلا و قد عاد لسابق عهده خاضعا لقوى النفوذ القبلي و المناطقي.
الملكة إليزابيث الثانية
للملكة إليزابيث في هذا اليوم ذكرى استثنائية لم ينسها كثير من اليمنيين في جنوب البلاد، خاصة في مدينة عدن، لأن هذا اليوم يوافق ذكرى أول زيارة للملكة لمدينتهم، و لا يزال العشرات من أبناء عدن هذه الأيام يحيون الفعالية احتفاء بالذكرى الستين للزيارة الاستثنائية في تاريخهم، و أهمية الزيارة لديهم ليس لكونها زيارة تأتي من صاحبة التاج البريطاني الذي كان يحكم أجزاء واسعة من العالم و لكن لما لمسوه من الملكة من تكريم لبعض رموزهم، و ما أنشأت لهم من خدمات و مشاريع حيوية و اقتصادية و علمية و تنموية، و يستدلون على ذلك بإنشاء مستشفى الملكة إليزابيث الذي صار اسمه بعد الاستقلال (مستشفى الجمهورية)، و توسعة ميناء عدن و مصفاة البترول و إنشاء كلية عدن التي صارت جامعة فيما بعد و غيرها من المؤسسات التي تعد من أهم المنشئات على مستوى اليمن.