التناقضات و المفارقات ، أحيانا كثيرة يتشبه لي كإنسان يقف عند مفترق التاريخ يلتفت خلفه بإعتزاز ليلمح تضحيات و نضالات أجيال عديدة شريفة سعت بإخلاص في ظل أنظمة شطرية متنازعة أيدلوجيا و سياسيا و إقتصاديا و عسكريا لصنع النصر الوحدوي ، ثم إذا به ينظر خلفه بأسى فيرى راية الوحدة و قد حملها أفرادا عبثوا بالأمل و جعلوه ذبيحة تحوم حولها الطير .. اليمنيون اليوم عاجزون عن استرداد حلمهم المسلوب لذا فهم منقسمون بين مستبشر بمايو و آخر ناقم عليه ، وبين براثن هذا العجز تقبع الوحدة اليمنية في زنزانة تنتظر الحكم عليها إما البراءة و إما الإعدام . إنه مما لا شك فيه أن وحدة شطري اليمن كمشروع وطني و قومي ظل لعقود كثيرة أملا و حلما يراود الجميع و لأجله تمت التضحية بالغالي و النفيس و بالدم و الروح و المال إلا أن إستغلال هذا المشروع من جانب أشخاص و فئات ذوات نظرات ضيقة لصالح منافع شخصية و أغراض فردية و مناطقية دفع بشريحة كبيرة من الناس للمناداة بعودة الوضع الى ما كان عليه قبل مايو 1990 م ، وهم في ذلك معذورون إذ وجدوا أنفسهم فجأة يسكنون أدنى درجات سلم المواطنة و يجلسون عند هاوية الفقر والحاجة ، لا يحصلون على حقوقهم الا بالكاد و يفتقدون للأمن و الأمان . هؤلاء الغاضبون من الوحدة هم في الأصل يعشقونها حتى و إن نادوا بضدها ، هم ناضلوا دهورا لتحقيقها ، بوفائهم و تضحياتهم أطعموها و بدمائهم و عرقهم سقوها ، ولكن لأنهم لم يروا ثمار كفاحهم إنتفضوا عليها. يتجدد مايو عاما بعد عام بذكرياته المتناقضة ذكرى الوحدة و ذكرى الإنفصال ليتجدد معه تمزق اليمنيين لسان حاله يقول أن الوحدة اليمنية لن يكون لها أبدا طعم ما لم يتذوقه اليمنيون جميعهم ، ولن يكون لها أبدا رائحة ما لم يشمها اليمنيون كلهم ، ولن يكون لها أبدا لون ما لم يبصره اليمنيون بإختلافهم .