يبدو أن آمال التغيير التي علّقناها على الجهات المعنية بأنها ستنتشل الأوضاع في قطاع السياحة ببلادنا إلى الأفضل، بعد حالة الركود والشلل التي أصابته، وما ترتّب على آثارها من معاناة للمشتغلين بها، للحد من التحاقهم بفعل ذلك الوضع إلى الطابور الضخم للبطالة التي اشتهرت به بلادنا، وتنشيط حركة هذا القطاع الإنتاجي لزيادة وتحسين مستوى دخل الفرد وتعزيز موارد الاقتصاد الوطني، كأحد أولويات العمل المنتظر الشروع فيه، بعد اختتام مؤتمر الحوار الوطني، قد تبددتها حالة الاستسلام للواقع الصعب الذي تقابل به هذا الوضع وما نجم عنهُ من آثار سلبية خلفتها الأزمة السياسية والاضطرابات التي تمر بها بلادنا منذُ 2011م.
للأسف إننا نتخذ من عوامل عدم الاستقرار الأمني، وعدم إقرار الاستراتيجية الوطنية للسياحة من قبل الحكومة، شماعة وحجه لمدارة فشلنا تجاه ما هو قائم تدهور في القطاع ،كجهات حكومية ومنظمات مجتمع مدني ومختلف الشرائح ذات علاقة بهذه القضية تقع علينا المسؤولية الكاملة في إعادة إحياء النشاط السياحي في بلادنا، حتى حلّت الحسرة والألم محل الأمل الذي تبخر، ونحن نشاهد ونلمس إهمال شبه متعمد لعدم الاستغلال الأمثل لهذه المورد والثروة، أو الاستفادة من الفرص واتخاذ منها محطة لانطلاق القطار المتوقف منذُ أعوام لتعويض ما فقده هذا القطاع والمرتبطين به من خسائر، وإعادة الطمأنينة لأولئك المشتغلين والمعتمدين في طلب أرزاقهم على هذا النشاط ، فكثير من الأُسر وأرباب البيوت، وسائقي سيارات الأجرة، والمطاعم وأصحاب الصناعات الصغيرة والحرف، تمثل لهم السياحة مصدر الدخل يكاد الوحيد في بعض المناطق السياحية، ففي هذا الصيف كان البعض منهم في المحافظات السياحية ومنها محافظتنا إب (العاصمة السياحية لليمن) كانوا على موعد وأمل طال انتظاره لعل الجهات المعنية ستتخذ من موسم الصيف هذا العام فرصة مناسبة للانطلاق بإعادة حركة قطار (السياحة) المتوقف، والدفع به إلى الأمام من هذه المدينة التي يضفي موسم الصيف جمالاً ساحراً على طبيعتها الخلابة ليبحث عن من يعانقه، لكن للأسف الأمل تبدّد.
لا ننكر أن عائدات القطاع السياحي ارتفعت خلال العام الماضي 2013م، إلى 940 مليون دولار من 848 مليون دولار في العام السابق، بزيادة بلغت 11%. ، وارتفاع عدد السياح العرب والأجانب، إلى1.322 مليون سائح من 874 ألف سائح في العام السابق بحسب تقارير صادرة من وزارة السياحة، إلاِّ إن الوضع الحالي لقطاع السياحة لايزال يتطلّب من الجميع وقفة جادة وعدم النظر بصمت أمام ما لحق ويلحق به من أضرار، وما ترتب عن آثارها من معاناة طالت حياة ومعيشة المشتغلين في هذا القطاع جراء إغلاق عدد من الفنادق والمنشآت السياحية وضعف العمل في بقيتها، وتقليص أعداد من العاملين فيها، إلى جانب المعضلات القائمة في الوكالات السياحية التي تشكو من جمود الحركة السياحة في اليمن، لتؤدي البحث بجد وإخلاص عن المخارج والحلول والشروع في تنفيذها ولو في أدنى مستوياتها.
فاليمن حباها الله طبيعة خلابة وساحرة وشواطئ جميلة ونظيفة، وتتمتع بمواقع أثرية وتاريخية تمتد إلى آلاف السنين، ويتميز بالمناخ المتنوع على مدار السنة الذي يميزها عن غيرها من البلدان، إلى جانب أن أبرز أربع مدن أثرية فيه تقع في قائمة التراث العالمي، هي سقطرى وصنعاء القديمة وشبام ومدينة زبيد القديمة, وكلها مواقع تمنح زوّارها متعة الجمال والاستمتاع بسياحة الرياضة البحرية والمغامرات الجبلية، لكن رغم هذا التنوع السياحي فإن عائدات هذا القطاع لا تشكل إلاّ 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متدنية يمكن أن ترتفع إلى 7% بحسب ما يراه خبراء الاقتصاد، إذا وجدت الاهتمام الرسمي والاستقرار الأمني والترويج المحلي والخارجي، وان اعتماد اليمن على السياحة يمكن أن يحل كثيراً من المشكلات الاقتصادية.
فالسياحة من أهم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية التي ينبغي الاهتمام بها ووضعها ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والسياسية الطويلة الأجل، حيث يطلق عليها في كثير من البلدان على أنها (صناعة بدون دخان)، لاعتمادها عليها كرافد أساسي لاقتصادياتها، باعتبار إنها تتطلب جهد مجتمعي وحكومي ، إدارة، وأمن، وترويج وتنظيم إلى جانب المتطلبات الثانوية.
ففي بلادنا لاتزال الجهود الحكومية والمجتمعية شبه معدومة للاعتماد على هذا المنتج وتطويره، والتحجج بعدم ملاءمة المناخ الأمني في بلادنا لاستقطاب السياح من الخارج، قد يتفق الجميع مع بعض ما يُطرح من هذا القبيل، إلا إن ذلك لا يعفينا من تحريك نشاط السياحة الداخلية التي ستعود بفوائد كبيرة على الوطن والمواطن، وأعظم من المتوقعة والمنتظرة من استقطاب السياح الأجانب في الوقت الحاضر.نسمع أن هناك تحضيرات لاستئناف إقامة مهرجان البلدة السياحي في المكلا ومهرجانات ثقافية وسياحية في بعض المحافظات لكنها بحاجة إلى تضافر الجهود الشعبية والحكومية، لإنجاحها واتخاذ جملة من التدابير ولإجراءات الإلزامية لكسر الجمود الحاصل في النشاط والحركة السياحية والتركيز على المؤسسات والشركات العاملة في اليمن التي تمتلك الإمكانيات لتوجيه موظفيها للسياحة الداخلية في اليمن ووضع برامج ترفيهية منتظمة ومشجعة لأي توجه في هذا الشأن؛ فنحن اليمنيون أحق قبل غيرنا، بما يصرفه موظفو بعض الشركات الحكومية ورجال المال والأعمال على رحلاتهم السياحة في الخارج أو قضى العطل الصيفية في دول الجوار، والشعار (أعرف وطنك) الذي نسمع بإطلاقه بين الحين والآخر من القائمين على الوزارة بحاجة لتجسيده عملاً وفعلاً على الأرض واغتنام فرص الصيف الحالي وشهر رمضان والأعياد القادمة.
فالمشكلات الاقتصادية في اليمن متعددة أخطرها البطالة التي تزيد عن 40% من أجمالي السكان ، وقلة الموارد الإنتاجية في ظل مؤشرات تراجع إنتاج النفط، وانكماش مستوى الاستثمار، مما يضعنا هذا أمام تحدٍ اقتصادي كبير وخطير، يتطلب منا الهّمة والإصرار لتحقيق المستحيل، واتخاذ جملة من الإجراءات والاهتمام بالسياحة، لتنشيط هذا القطاع كأفضل الحلول السحرية الماثلة أمام الحكومة والمجتمع، التي يمكن من خلالها إعادة إحياء أنشطته، وفتح سوق جديدة للعمل، وتوفير فرص عمل إضافية لامتصاص البطالة، والاستفادة من تجارب أقطار الربيع العربي التي تعاني نفس المشكلة، وأثبتت بمسؤوليها أنها قادره على تجاوز الصعاب بالإصرار والعزم لتحقيق غايات وآمال شعوبهم وليس تبديدها كما هو حاصل في اليمن.